سألني كثير من القراء والاصدقاء عقب مقال الاسبوع الماضي كيف يتدبر الاجانب القران الكريم وهم لا يجيدون اللغة العربية وفهم القران وتدبر اياته يلزمه معرفة دقائق العربية واساليب الخطاب فيها واسرارها الظاهرة والباطنة ؟في الوقت الذي لا يحسن فيه كثير من ابناء العربية تدبر معاني القران الكريم؟
والاسئلة في هذا الاطار كثيرة ومشروعة والاجابة عنها اسهل وايسروفيها من جمال وسحر العربية الكثير..
نشير بداية الى خطأ جوهري يقع فيه كثير من المسلمين في تعاملهم مع القران حتى وهم عاكفون منخرطون في قراءته خاصة في رمضان ومواسم العبادات الاخرى..اذ يكون الهم الاكبر هو جمع عدد اكبر من الحسنات واحصاء عدد الختمات وذلك على حساب التفكر والتدبر..والافضل ان يجمع بين الحسنين..
التدبر ليس امرا خاصا او حكرا على احد دون الاخر وكل الناس مؤمنهم وكافرهم وملحدهم ومنافقهم وكل الفئات جميعهم مطالبون بالتدبر في كتاب الله ومحاولة فهمه فهما سليما بعيدا عن موانع التدبر والفهم عسى أن يهتدي الكافر إلى عين الحق ويدرك المنافق سوء اضطرابه وفتنته ويزداد المؤمن إيمانا بصدق رسالة القرآن.
والتدبر من غير أهل الفصاحة والبلاغة من العرب أو من الأجانب طلوب ولاحرج فيه لانهم يستطيعون معرفة معاني القرآن وأحكامه ووجوه إعجازه التي يمكنهم فهمها وإدراكها فيحصل لهم من القناعة بحسب علمهم وفهمهم أن هذا ليس كلام البشر ولذا أسلم كثير من الأعاجم بسبب وقوفهم على معنى آية كريمة ولا يمكن لهذا الأعجمي أن يفهم بلاغتها ، لكنَّ معناها كان سبب إسلامه وكثيرون أسلموا بعد أن علموا أن ما في الآيات لا يمكن لبشر أن يأتي به خاصة أنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من الأجهزة والاكتشافات ما يمكنه من إخبار الناس بتلك العلوم بواسطتها فسلَّموا أن الأمر من وحي السماء فأسلموا..
وهذه نتيجة طبيعية لأن التدبر سبب للهداية والإعراض عنه من أسباب الضلال والغواية..
وقد تعجبون من ان القران الكريم يستنكر موقف الكفار من القران الكريم ويسأل عن سبب امتناعهم عن تدبره كما ورد في الايات الاربع التى دعت الى التدبر في سور النساء والمؤمنون وص ومحمد..
وقد احصى العلماء العديد من عوائق وموانع التدبرلايات القران منها وسوسة الشيطان وتتابع الذنوب واستحكام الغفلة عن ذكر الله وتكلف القراءة على ألحان الغناء والتكلف في التجويد والظن بعدم كفاية القرآن في معرفة الدين..
وهناك سبب جوهري اشارت اليه الاية الكريمة( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)« محمد 24».وللعلماء والمفسرين كلام لطيف في بيان معنى الاقفال على القلوب فقد فسرت « الأقفال» بـ « ارتجاج القلب وخلوه من الإيمان أي لا يدخل قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر»
وهناك من فسرها بقوله: ترك القلب على ما فيه ولا يخرج ما في القلب عن كفر صاد لصاحبه أو شك محدث لاضطراب القلب والنفس أو نفاق حاجب عن النظر السليم والتدبر الحكيم أو فسق تنكت بسببه الذنوب في قلب صاحبه مثل النقط السود حتى يرين عليه وهو الران المذكور في قوله تعالى:( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) وهو مراد الرسول صلى االله عليه وسلم في قوله:« إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه” فالذنوب حين تغلب على القلوب تغمرها وتحيط بها حتى لا يجد القلب منفذا إلى الشعور بالتدبر أو الاتصاف به أوحتى يعمى القلب أو يموت.فالأهواء من الموانع التي تحول بين المرء وبين التدبر الأمثل واتباع الأهواء يطبع على القلب حتى يعجز العبد عن الإدراك السوي والفهم السليم وفي السياق ذاته غفلة القلب وهي ثمرة لما كسبت يد العبد وإذا غفل القلب لم يعد يعي الحقائق فلما أصموا قلوبهم وأغلقوا عقولهم لم يعودوا يسمعوا أمراً ولم يفقهوا قولاً فالسماع النافع للمستمع هو ما عقل به ما يسمعه وفقهه وعمل بمقتضاه فمن فقد هذا كان كالأصم الذي لا يسمع.
وقد احصى العلماء تسعة انواع اومقاصد للتدبر وهي كما جاء كتاب الخلاصة في تدبر القرآن الكريم :
تدبره لمعرفة صدق من جاء به وأنه حق من عند الله وللوقوف على عظاته والاعتبار بما فيه من القصص والأخبار ولاستخراج الأحكام سواء ما يتصل بالعقائد أو الأعمال المتعلقة بالجوارح أو السلوك.وللوقوف على وجوه فصاحته وبلاغته وإعجازه واستخراج اللطائف اللغوية وللتعرف على ضروب المحاجة والجدال للمخالفين ومن أجل تليين القلب به وترقيقه وتحصيل الخشوع وتدبره من أجل الامتثال له والعمل بما فيه من الأوامر واجتناب النواهي..
**من بديع ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله:لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله عز وجل.
وقيل ايضا انه على قدر حياة القلب يكون تَأَثُّره وتَدَبُّره وتَذَكُّره فتارة يقوى وتارة يضعف وقد ينعدم ويتلاشى كما يدل على ذلك ما جاء في مواضع كثيرة من القران من الطبع على القلوب والخَتْمِ عليها وإزاغتها فصاحب هذا القلب الأغلف أو المنكوس لا يحصل له شيء من التدبر والاعتبار والتفكر والانتفاع بما يقرأ أو يسمع من آيات الله تعالى.
والله المستعان ..
