أكدت مصر مجددا على موقفها الثابت والمبدئي، بالرفض القاطع والنهائي لأي محاولة لتهجير الأشقاء الفلسطينيين من قطاع غزة، قسرا أو طوعا، لأي مكان خارجها، وخصوصا إلى مصر، لما يمثله هذا من تصفية للقضية الفلسطينية وخطر داهم على الأمن القومي المصري.
وجاء بيان هيئة الاستعلامات المصرية واضحا وحاسما برفض مصر التام لأية مزاعم تتداولها بعض وسائل الإعلام، تتعلق بربط قبول مصر بمحاولات التهجير – المرفوضة قطعيا – بمساعدات اقتصادية يتم ضخها لها، مؤكدة على أن السياسة الخارجية المصرية عموما لم تقم قط على “مقايضة” المصالح المصرية والعربية العليا بأي مقابل، أي كان نوعه.
والواقع أن سيل الشائعات والأكاذيب التى تتناول موقف مصر من مخطط تهجير الفلسطينيين من وطنهم لا يتوقف مع أن الموقف المصرى – الرسمى والشعبى – واضح ومحسوم ولو كانت مصر تستجيب لضغوط من أية قوة فى العالم لتم تهجير الفلسطينين منذ شهور لكن تتعامل مصر دوما مع القضية الفلسطينية على أنها جوهر الأمن القومي المصري والعربي، ولذلك فإن موقف مصر منها لأكثر من ثلاثة أرباع القرن، ظل موقفا مبدئيا راسخا يعلي من اعتبارات هذا الأمن القومي وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وهو ما تحملت مصر من جراءه – راضية وصابرة – أعباء اقتصادية ومالية هائلة، لم تدفعها مطلقا في أي لحظة، نحو أي تنازل ولو طفيف في مقتضيات أمنها القومي الخاص وأمن أمتها العربية العام، ولا في حق واحد مشروع للشعب الفلسطيني الشقيق.
هذا الموقف المصرى الثابت بالرفض القاطع والنهائي لمخطط التهجير المطروح منذ بدء العدوان على غزة، يؤكد أن مصر لا تقبل بالضغوط ولا بالتهديدات التى تصدر عن غوغائيين هنا أو هناك وأنها صاحبة قرارها، ومهما كانت مشكلاتها الاقتصادية فلن تقبل أن تسير فى موكب خيانة القضية الفلسطينية، ولذلك أعلنت موقفها عاليا وصريحا منذ الساعات الأولى لهذا العدوان على لسان قيادتها السياسية، ملزمة نفسها به أمام شعبها والعالم كله، ومتسقة مع أمنها القومي والمصالح العربية العليا ومحافظة على القضية الفلسطينية، ومؤكدة على مبادئ سياستها الخارجية التي تقوم على “الأخلاق” والرفض التام لأن يكون لاعتبارات “المقايضة” أي تأثير عليها.
والواقع أن هذا الموقف المصرى الرسمى الثابت والأخلاقى من قضية طرد الفلسطينيين من وطنهم يحظى بتأييد شعبى كامل حيث يظهر التفاف الشعب المصرى حول موقف القيادة السياسية، وهذا يؤكد أن لهذا الوطن شعب يحميه ويدافع عنه .. وليس جيشا فقط.. فقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاعر فياضة تجاه الوطن ودعم غير مسبوق للقيادة السياسية على موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين الى غزة وحرص الدولة المصرية على أن يظل الشعب الفلسطينى فوق أرضه يعمرها ويدافع عنها حتى يحظى بحقوقه التاريخية.
ما نشاهده من دعم شعبى على مواقع التواصل الاجتماعى لموقف القيادة السياسية يؤكد عظمة هذا الشعب ووعيه الوطنى والسياسى.. وفى ظل هذا الدعم الشعبى لن تستطيع أية قوة على ظهر الأرض أن تفرض على المصريين أمرا يضر بمصالحهم ويتحدى إرادتهم ويهدد مستقبلهم.. فالشعب المصرى يعلى دائما شأن كرامته ولا يقبل أن يفرض عليه قرار من هنا أو هناك.. فالوطن فى وجدان المصريين هو أغلى شيئ يستحق التضحية ولذلك ليس غريبا أن يهب غالبية المصريين على صفحاتهم على مواقع التواصل ليساندوا الموقف الرسمى للدولة تجاه حقوق الشعب الفلسطينى ورفض تهجيره من أرضه.
كل الأحداث والمواقف تؤكد أن الشعب المصرى هو أكثر الشعوب العربية تعاطفا مع الشعب الفلسطينى والشعب المصرى لا يرفض تهجير الفلسطينيين الى مصر فقط.. بل يرفض تهجيرهم الى أى مكان آخر من العالم، فهؤلاء يعيشون على أرضهم، والعدو الصهيونى المجرم هو من اعتدى عليهم، ودمر منازلهم، وقتل وأصاب منهم مئات الآلاف.. فكيف يكافئ المعتدى على جريمته ويغتصب أرض ضحيته؟؟
الشعب المصرى كان ولا يزال أكثر الشعوب العربية دعما لغزة وأهلها رغم ما لحق بنا من أذى فى السابق من بعض الفصائل الفلسطينية.. لكننا دائما تعودنا على نسيان الإساءة من إخواننا العرب، ونهب دائما لنجدتهم ومساعدة من يطلب النجدة والمساعدة.
رفض مصر -الرسمى والشعبى- لتهجير أهل غزة الى مصر لا يعنى عدم ترحيبنا بإخوان لنا يعيشون ظروفا صعبة.. لأن مصر دائما ترحب بالاشقاء العرب على أرضها، ويوجد على أرضها الآن أكثر من عشرة ملايين عربى من السودان وسوريا وليبيا وفلسطين واليمن والعراق وغيرها، ورغم تأثير هؤلاء الضيوف على مواردنا الاقتصادية المستنزفة لم نتخل عن الترحيب بهم يوما ما، بل نقسم اللقمة معهم ونرحب بهم فى كل وقت ضيوفا أعزاء على وطنهم.
مصر كانت وستظل ملجئا لكل العرب.
يأتى العرب جميعا الى مصر بحثا عن الأمان الذى يفتقدوه فى بلادهم يرحب بهم الجميع بشرط أن تكون عودتهم الى وطنهم مكفولة لهم فى أى وقت عندما تتحسن الظروف الأمنية فى بلادهم كما حدث مع إخواننا السودانيين والسوريين والليبيين. يأتون الى مصر بحثا عن التعلم والتأهيل العلمى والفكرى والدعوى والعسكرى نرحب بهم ويعودون الى بلادهم غانمين يحملون مشاعر فياضة تجاه مصر وشعبها وفى كل البلاد العربية مواطنون يتغنون بحب مصر وتقدير لما قدمته لهم.
يأتى الإخوة العرب الى مصر بحثا عن العلاج فيجدون ضالتهم ويعودون الى بلادهم وهم أحسن حالا دون أن نستغلهم أو نستنزفهم كما تفعل العديد من الدول الأوروبية أو الأسوية الذين تستقبل عرب للعلاج.
يأتى العرب الى مصر بحثا عن الاستثمار والرزق الحلال، فيجدون كل الترحيب ويتكسبون من استثماراتهم أفضل من أى بلد آخر وتظل أموالهم ومشروعاتهم فى أمان تام ربما أكثر من مشروعات المصريين.
الفلسطينيون عموما وأهل غزة على وجه الخصوص فى القلب وعلى الرأس يأتون الى مصر للسياحة أو التعلم أو العلاج ضيوفا أعزاء يحتفى المصريون بهم فى كل وقت.. لكن دون تهجير لهم من أرضهم أو اغتصاب حقوقهم.
b_halawany@hotmail.com