لم تكن ليلة العيد كأى ليلة، فلها مذاقها وأحداثها التى لا يمكن أن تُنسى. تبدأ بترقّب كلمة فضيلة المفتي، التى يعلن فيها استطلاع هلال شهر شوال، فلم يكن معمولًا بالاعتماد على الحسابات الفلكية، رغم أننى حاليًا أؤيد الاعتماد على هذا الحساب الفلكى الدقيق. لكن كان لاستطلاع هلال شهر شوال جماله الخاص، بما يحمله من تشويق ينتاب كل بيت بسبب الغموض الذى يكتنف نتيجة الاستطلاع. كنا نترقب عبر أجهزة الراديو الإعلان عمّا إذا كان شهر رمضان تسعةً وعشرين يومًا أم ثلاثين يومًا، ونظل نتابع كلمة فضيلة المفتى حتى يعلن عن قدوم العيد.
عندها، تدبّ حالة من النشاط والفرح فى كل مكان، استعدادًا لوضع اللمسات الأخيرة لاستقبال العيد. يسارع من تأخّر فى استكمال تحضير الكعك والحلوى وتجهيز أطعمة رمضان المتبقية، بالإضافة إلى إعداد صالون استقبال الضيوف وتحضير أطباق العيد، بما فيها الفول السودانى والمكسّرات – إن وُجدت – مع التمور والحلوى، فالبيت سيغصّ بالمهنئين من الأقارب والأحباب. كما يكون البيت فى أبهى استعداد لاستقبال الزوّار، حيث تُغسل المفروشات وتُكوى، وتفوح منه روائح مختلطة، تجمع بين فانيليا الحلويات والمعجنات الشهية ورائحة أشهى الولائم من اللحوم والطبيخ.
أما طقس الاستحمام فكان الأصعب علينا، فلم يكن كأى استحمام عادي، إذ كان الماء ساخنًا جدًا، والصابون يلسع العيون فتدمع، والليفة القاسية تدعك أجسادنا تكاد تنزع جلودنا. لكننا كنا نتحمل ذلك، لأنه «حمّام العيد»، فجلودنا التى تعرّضت للتقشير ستغطيها ملابس العيد الجميلة التى جاءت من عند الخيّاط، والتى نترقب يوم ارتدائها بشغف. كنا نظل نفكر فيما سنحصل عليه من العيديات، تلك الأوراق المالية الجديدة من فئات مختلفة، التى يكون أكبرها من الأب والأم، ثم من الأقارب الذين يمرون علينا. كم ستكون قيمتها؟ وماذا سنشترى بها؟ الخطط كانت موضوعة سلفًا، وعلى رأسها مشاهدة السينما، التى أعدّت أفلامًا شيقة للعرض فى أيام العيد. ثلاثة أفلام فى برنامج واحد، والأفيشات تكاد تكون موحّدة على واجهات دور السينما فى المدينة.
كانت أفلام فريد شوقي، ومحمود المليجي، ورشدى أباظة، وتوفيق الدقن من أكثر الأفلام التى تشدّنا، لما تحمله من تشويق وإثارة ومعارك ومطاردات، وغالبًا ما يصحبها فيلم هندى مليء بمشاهد القتال، حيث يقفز أبطال الكاراتيه قفزات هائلة، ويتمكن البطل من هزيمة أعداد كبيرة من الأعداء بفضل قوته ومهاراته، وينقذ حبيبته أو أسرته من عصابات الإجرام. بعض التفاصيل، أو ندمج عدة أفلام فى ذاكرتنا لنرويها بشكل مختلف.
بعد السينما، كنا نجول فى الشوارع. ثم يحين وقت ركوب المراجيح بمختلف أنواعها. كل هذا كان يدور فى خيالنا ليلة العيد.
وكل عام وأنتم بخير.