في زمن أصبح فيه الوفاء عملة نادرة، يدفع النبلاء ثمن نبلهم طعنات تأتي من حيث لا يحتسبون.
قد تكون في يوم ما ذاك السند الذي واجه العواصف بصدرك العاري، لا لأجلك، بل لأجل من حولك.
كنت لهم أبا حين خذلتهم الأبوة، وأخا حين قل الإخوة، وملاذا حين ضاقت بهم السُبل وضاقت الحياة.
كنت وكيلهم في الشدة والفرح، في الحزن والعمل، كنت صوتهم حين صمت الجميع، وظهرهم حين انكسروا.
ولم تكتف بذلك بل حملت همومهم كأنها همومك، حتى إذا ما استقام لهم الطريق، خانوا العهد ونهشوا العرض، وسرقوا الوفاء.
منحتهم من وقتك، من جهدك، من قلبك وروحك، دون أن تنتظر شكرا أو جزاء، فقط لأنك كنت ترى في الخير فطرة لا تعلم، وفي الإنسانية عهدا لا ينكث.
كنت نورهم حين أظلمت الأيام، وبلسمهم حين نزفت أرواحهم، والكتف الذي لم يتخل عنهم مهما اشتد الحمل.
رفعتهم ليبلغوا السماء، بينما أنت تسير وحدك على درب مليءٍ بالشوك والحجارة.
لكن أقسى ما في الرحلة أن يتحول عطاءك إلى خنجر، وطيبتك إلى تهمة، وصدقك إلى مطعن.
أن يُصبح من أسندتهم أول من يدفعك، ومن صنت كرامتهم أول من يطعن في شرفك.
تراهم وهم يبيعونك في أول مفترق، يرمونك بثقل أكاذيبهم، ويقفون في صف من آذاك، لا لشيء إلا لأنهم عجزوا أن يكونوا مثلك.
ينسبون إليك عيوبهم، ويشوهون صورتك التي كانت لهم يوما مرآة نقية.
يتقنعون بوجه الملائكة، يوزعون الطهر الزائف، بينما دواخلهم تمتلئ بالخيانة.
يمثلون دور البريء، وقلوبهم تنضح بالغدر.
لكن اسمعها جيدا!!!
الخير لا يهزم، وإن خانه أصحابه.
والنبل لا يدفن، وإن حاولوا طمسه بالوحل.
والسند لا ينكسر، وإن تنكر له من احتمى به.
الله لا ينسى.
الحق لا يضيع.
والنوايا الطيبة تحفظها السماء.
فاصبر لا لأجلهم، بل لأجل ذاتك.
كن نبيلا كما أنت، لا لأنهم يستحقون، بل لأن النبل لا ينتزع من أهله.
وكن على يقين أن الطعنات، وإن أدمت ظهرك، فإنها تقوي ظهرك أكثر مما تكسره.