إلي أين يتجه العالم..بعد أن أصابته حمي الرسوم الجمركية “الترامبية”ولعناتها وتداعياتها المؤلمة،التي انتشرت سريعا كالنار في الهشيم؟!.
سؤال يتردد في مشارق الأرض ومغاربها ،وحتي إشعار آخر..وكما يقولون لو عطست أمريكا أصيبت بقية دول العالم بالبرد وبالزكام الشديد!.
وهكذا هو حال الارتباط الشائك بين اقتصاديات العالم وبين الاقتصاد الأمريكي المهيمن الذي يخشي أن يتخلي عن مرتبة الصدارة بعد جولات من المنافسة الحادة مع العملاق الاقتصادي الصيني الصاعد بقوة الصاروخ.
وقبل أيام ووفقا لقناعاته أصدر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب قرارات” غير محسوبة العواقب، بفرض رسوم جمركية علي غالبية دول العالم ،وبنسب متفاوتة..
وبين عشية وضحاها تبدلت الأحوال وتأثرت البورصات العالمية والمؤسسات المالية الأممية تأثرا بالغا،وتراجعت أسعار النفط بمعدلات غير مسبوقة.
وبدأ سكان الأرض يضربون أخماسا في أسداس ويعيدون حساباتهم ،تخوفا مما هو قادم ومن الركود المتوقع ،وتحسبا لموجات تضخم عاتية نتيجة عدم اليقين ،وضبابية المشهد الإقتصادي ،وتوقعات بتعطل سلاسل الإمداد وحدوث شلل في مواقع الإنتاج في مختلف أنحاء العالم!.
وبناء عليه تسببت هذه القرارات المتسرعة في انهيار البورصات العالمية ،وخلال سويعات شهدت الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية خسائر ضخمة بعشرات المليارات، وبدأ التخلص من الأسهم أسرع من التخلص من قفازات الأيدي!
وقد هيمنت أخبار الرسوم الجمركية وتداعياتها علي مختلف تقارير الوكالات ووسائل الإعلام والمنصات الدولية وحازت علي اهتمام غالبية شعوب العالم، خوفا من اندلاع حرب تجارية تؤثر على حاضر ومستقبل الاقتصاد العالمي.
وحذر خبراء واقتصاديون من أن فرض هذه الرسوم الجمركية بمعدلات غير مسبوقة منذ عام 1910 سيحدث خللا كبيرا في موازين التبادل التجاري الأممية العادلة ، وتوقع المتشائمون ،وفقا للمعطيات والمؤشرات أن هذه القرارات سينجم عنها أزمات متتالية ستأكل الأخضر واليابس وربما تكون أكبر حجما من أزمات “كورونا” وتداعياتها المؤلمة قبل سنوات.
ونتيجة لهذا التداعيات تراجع الرئيس الأمريكي ترامب “أمس وأعلن وقفاً مؤقتاً، لمدة 90 يوماً، بشأن زيادة الرسوم الجمركية، على عشرات الدول، لكنه رفع الرسوم على الصين إلى 125%.
وكتب “ترامب” على منصته للتواصل الاجتماعي “تروث سوشال” قائلاً “بسبب عدم احترام الصين للأسواق العالمية.. أرفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 125% بأثر فوري”.
واضاف ترامب :”في مرحلة ما، ونأمل أن يكون ذلك في المستقبل القريب، ستدرك الصين أن أيام استغلال الولايات المتحدة الأمريكية، والبلدان الأخرى لم تعد مستدامة أو مقبولة”!.
وأعلن أنه “سمح بوقف تطبيق الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً وخفضها خلال تلك الفترة إلى 10% بأثر فوري” بالنسبة للدول الأخرى “نظراً لرغبة أكثر من 75 دولة في التفاوض”!.
وعلي الفور أعلنت الصين أنها لن تقف مكتوفة الأيدي كموقف المتفرج أمام سهام ترامب ورشقاته المتتابعة..وأعلنت أن مسمى “الرسوم الجمركية المتبادلة”، يشكل انتهاكا صارخا لقواعد منظمة التجارة العالمية وسيسبب ضررا خطيرا بنظام التجارة متعددة الأطراف.
كما أعربت الصين عن رفضها القاطع لذلك، وانها ستدافع بحزم عن مصالحها المشروعة. وتحفظت علي إدعاء الولايات المتحدة أنها تعرضت للخسارة في التجارة الدولية، ويتغافل عن الحقيقة الأساسية المتمثلة في استفادتها بشكل كبير من التجارة الدولية على المدى الطويل.
وكشفت الصين أنه خلال السنوات الخمس الماضية، أجبرت الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة الشركات الأمريكية على رفع أسعار المنتجات والقبول بأرباح منخفضة، مما أدى إلى تخفيض الرواتب وتسريح العمالة، وتحميل معظم التكاليف على عاتق المستهلكين الأمريكيين، وذلك يدل بوضوح على أن التلويح بعصا الرسوم الجمركية لا يحل المشاكل في الولايات المتحدة، بل هو بمثابة بمن رفع الحجر ليسقطه على قدميه!.
كما أكدت أنه لا فائزا في الحروب التجارية والجمركية، ولم تكن سياسة “الرسوم الحمائية” إلا طريقا مسدودا.
كما حثت الصين الجانب الأمريكي على تصحيح ممارساته الخاطئة، وحل الخلافات التجارية مع الصين وغيرها من دول العالم عبر التشاور القائم على المساواة والاحترام والمنفعة المتبادلة.
وقال “لين جيان”، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أمس الأربعاء إن الولايات المتحدة لا تزال تفرض تعريفات جمركية على الصين وتمارس أقصى قدر من الضغوط عليها، وهو ما تعارضه الصين بحزم، ولن تقبل أبدا بمثل هذا التنمر.
وقال: إن الشعب الصيني لا يخلق المشاكل أبدا،لكنه أيضا لا يخشاها والتهديد ليس الطريقة الصحيحة للتعامل معنا..وإذا أصرت واشنطن علي شن الحرب التجارية فإن بكين ستواصل المواجهة حتي النهاية!.
وبعيدا عن لغة الدبلوماسية والرغبة في التفاوض وردا علي ترامب أعلنت الصين فرض رسوما انتقامية مضادة علي المنتجات الأمريكية قد تصل إلى 84% ، مع حظر التعامل مع العديد من الشركات الأمريكية ووقف تصدير
بعض المواد الخام وعلي رأسها المعادن الثمينة والنادرة .
ويبدو أن الحرب التجارية بين الصين وامريكا سيكتوي العالم حتما بنيرانها وبآثارها الموجعة ولا مكان للضعفاء والأسواق الناشئة الساعية للنمو في صراع الكبار نحو الهيمنة والتحكم في مفاصل حركة التجارة البينية العالمية.
وعبثا يحاول المحللون والمتخصصون بل وعلماء النفس تفسير الأسباب الحقيقية التي جعلت الإدارة الأمريكية تتخذ هذه القرارات بصورة مفاجئة وفي هذا التوقيت.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للكاتبة “ميجان ماك أردل”حول أسباب ومبررات القرار بعنوان “ما الذي يسعى ترامب لتحقيقه تحديداً برسومه الجمركية؟”.
ووصف المقال مبررات الرئيس لفرض رسوم جمركية مرتفعة بأنها “واهية”، وأن استعراض الرئيس وحالة الفوضى التي أعقبت القرار يزيدان الأمر سوءا.
وأوضحت الكاتبة أنه يمكن تلخيص مبررات ترامب وأنصاره لفرض هذه الرسوم في أربع نقاط: هي أنها أداة تفاوضية تُستخدم لإجبار الدول الأخرى على خفض حواجزها التجارية.
كما أنها ستعيد بناء القاعدة الصناعية الأمريكية وتحولها إلى قوة تصديرية عظمى كما كنا” ،بالإضافة إلى محاولة وقف صعود الصين لتصبح منافسا “جيوستراتيجيا”. وأخيرا إعادة بناء قدرتها التصنيعية للسلع الحيوية مثل أشباه “الموصلات”، تحسباً لجائحة أخرى أو حرب جديدة.
وترى الكاتبة أن التعريفات التي فرضها ترامب لا تتناسب مع هذه المبررات، لأنه لو كان يحاول استخدام التعريفات الجمركية لإجبار الدول الأخرى على خفض حواجزها التجارية، لفرض رسوماً تتناسب مع التعرفات التي تفرضها الدول على الولايات المتحدة.
وعلي الجانب الآخر حذر فريق من علماء النفس من النشاط المفرط للرئيس الأمريكي ،وجنون العظمة والطموحات المشوبة بالدكتاتورية ،وما يعرف بـ”الإيجابية السامة”هي من أهم أسباب إصداره لقرارات متعجلةوغير مدروسة..
ويرون أن الإيجابية المهلكة، أو السامة
هي مصطلح يصف نوعا من السلوك الإيجابي الذي يبدو إيجابيا على السطح ولكن يحتوي في الواقع على عناصر سلبية أو مدمرة.
وفي معظم الأحيان تؤدي “الإيجابية السامة” إلى التأثير السلبي على الأداء ودقة اتخاذ القرار.
ومن بين أنواع “الإيجابية السامة”:
ـ الإيجابية المفرطة: تتميز بالإفراط في التفاؤل ، مما قد يؤدي إلى تجاهل المشاكل الحقيقية.
ـ الإيجابية الخادعة: تتميز بالتظاهر بالإيجابية للتحكم في الآخرين أو لتحقيق مصالح شخصية.
ـ الإيجابية المدمرة: وهي التي تؤدي إلى تدمير الذات أو الآخرين.
وبعيدا عن التحليل النفسي والسلوكي في تصوري أن هناك شيئا عظيما يدبر في الخفاء بعيدا عن مجرد تصحيح الخلل في الميزان التجاري ،وأن ارتداء الرئيس الامريكي ثياب “الملهم الفذ” وتقمصه لسياسات الرجل الجنون مبعثه رغبة استراتيجية امريكية جامحة وعميقة لتغيير وجه العالم ووقف جماح التنين الصيني وإنهاء فكرة “العولمة” والإبقاء علي فكرة القطب الأوحد وتحجيم دور الإتحاد الأوروبي والإبقاء عليه في دائرة “التابع”،والوقوف في وجه التكتلات والكيانات الاقتصادية الصاعدة،ومن ثم تحجيم طموحاتها وإحكام السيطرة والهيمنة علي الإقتصادات الناشئة..
والأيام وحدها هي الكفيلة بالحكم وكشف الخبايا والمستور وتحديد من الخاسر، ومن الرابح الأكبر من تعمد سياسات “خللة” النظام العالمي!.
وتبقي الحكمة..
قد تملك القوة اليوم، لكن تذكّر أن الزمن أقوى من الجميع!.