يحتاج العالم إلى وقفة من الخائفين علي مستقبله فهو يمر بمرحلة شديدة من التوحش غير المحسوب وهذه المرحلة يعاني المؤثرون فيها ومن يملكون القوة الفاعلة غياب العقل الذي لا يتجاوز في طمعه أو ظلمه أو استغلاله الحدود التي تهدد السلام العالمي وتلقي بالعالم في صراع دموي يدمر كل ما أنجزته البشرية في مسيرتها الطويلة من استقرار نسبي.
فالعالم يديره عقل قاصر النظر غير مكترث بأثر تصرفاته على السلام العالمي وعلى مستقبل العلاقات الدولية وعلى الشعور الجمعي للأمم تجاه الأمم الأخرى التي استغلتها ونهبتها وفرضت عليها ما تراه من دونية في كل شيء أي جعلتها تعاني ظلما نفسيا بالإضافة إلي الجوانب الأخري من الظلم .بل لا يضع هذا القادر حسابا لأثر تصرفاته على مستقبل دولته أو دوله ذاته
هذه الوقفة تحتاج إلى تبلور نظام عالمي جديد يدرك أهمية العدالة بين أمم الأرض بعيدا عن منطق الغاب الذي أصبح سائدا في التعامل الدولي خاصة في ظروف تمتلك بعض القوى الدولية ما من شأنه أن يدمر العالم عدة مرات. ففي لحظة يأس ما أو لحظة غرور بالقوة قد تدفع قوى ما إلى خيار شمشون وهو” علي وعلى أعدائي” ليس هذا فقط بل إن القدرات التدميرية أصبحت سهله الإنتاج ورخيصة الثمن وقد لاتحتاج إلى فترات طويلة لصنعها وقد تمتلكها جماعات مسلحة تدفعها الرغبة إلى الثأر و الانتقام لكرامتها إلى استخدام هذه القدرات التدميرية بشكل غير محسوب . بل أن ما نراه من غرور قوة يستخدم في ابتزاز العالم ونهب ثرواته بمنهج البلطجي قد يدفع البلطجي نفسه الى استخدام قدرات تدميرية لإذلال أمة معينة دون أن يضع في حساباته العواقب خاصة وأنه فعلها قبل ذلك ولم يحاسبه أحد بل من تمت محاسبتهم هم المتضررون .
فإذا أردنا أن نرى نماذج من غطرسة القوة نستطيع أن نراها في تصريحات رئيس أقوى دولة في العالم- كما يبدوا للناس حتى الان- عندما استخدم فيها عضوا جنسيا يقول إن الدول التي فرض عليها تعريفات جمركية ستقبله فضلا عن التصريحات الاستعلائية في المفاوضات مع إيران إذ تضمن رسالة الرئيس الأمريكي إلى إيران قوله إما الدخول في مفاوضات أو اللجوء إلى المواجهة العسكرية فضلا عن تصريحات مبعوث ترامب في المفاوضات الإيرانية الأمريكية التي قال إن أيران في ظروف لا تسمح لها بوضع قواعد للمفاوضات أي أنها ضعيفة فلا يحق لها حتي اقتراح قواعد والذي فسره البعض بأنه يريد أن يقول ليس أمامها إلا التخلي عن سلاحها النووي أو الحرب التي تدمرها ..وهي لغة استعلائية نجد مثيلاتها في السلوك الأمريكي في كافة تعاملاته مع العالم .. وهو ما بدت واضحة الإشارة إليه في تصريحات صينية تتحدث عن أن هذا السلوك الأمريكي سيدمر العالم ..صحيح أن أمريكا تعيش حالة استعلاء منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ومنذ جريمتها النووية في اليابان هذه الجريمة التي التي ارتكبت ضد مدنيين لا يحاربون ودمرت مدينتين كبيرتين واستمرت آثارها زمنا طويلا ومع ذلك لم يحاسب أمريكا أحد على هذه الجريمة..ومع ذلك فإن لغة الاستعلاء في عهد ترامب اتخذت منحنى جديدا وكذلك الابتزاز العلني والطمع في ثروات الأمم معلن دون مواربة .
وإذا كانت بعض الدول قد أسست يوما ما دول عدم الانحياز أو الحياد الإيجابي في فترة انقسام العالم إلى قطبين متصارعين فإن المرحلة الحالة لا تتطلب مثل هذا فقد وإنما تتطلب التخلص من نظام الأمم المتحدة الذي صار لا يلتزم به إلا الضعفاء- وانشاء نظام جديد يضم دولا تريد العدالة الدولية وتريد سلام العالم ولا تجعل من هذا النظام وسيلة لتحقيق اطماعمها وتبرير جرائمها وإذا ناسبت قراراته هذه الأطماع وطوعتها لأهدافها فإذا عارض النظام اطماعها تخلت عنه .
