ربما لا تعرف أليسون كنج الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنها تسأل عن واحدة من أمتع مصادفات التاريخ العربي والإسلامي، حينما وقفت فى 23 رمضان بجوار مدفع قديم فى حديقة مسجد الشيخ زايد في أبوظبي.. وقالت: يعجبني كثيرًا في العالم العربي تمسّك شعوبه بتقاليدهم ورغبتهم في إحيائها برغم مرور المئات من السنين عليها.. من بين هذه التقاليد مدفع الإفطار الذي لا يزال صامدًا في وجه التغيرات التي يشهدها عصرنا الحالي في العديد من البلدان العربية.
ثم ألقت كنج سؤالا وأرادت له إجابة شافية: “حدثوني عن قصة هذا المدفع وتاريخه”.
وللحقيقة فإن قصة مدفع رمضان أو مدفع الإفطار.. هي واحدة من أشهر مصادفات التاريخ العربي والإسلامي.. فقد اختلف الرواة في تأريخ حكاية مدفع رمضان، فمن كتب التاريخ تقول إحدى الروايات إن «خو شقدم» والي مصر في العصر الإخشيدي كان يجرب مدفعاً جديداً أهداه له أحد الولاة، وتصادف ذلك وقت غروب الشمس في أول يوم من شهر رمضان، بعدها توافد العلماء وأهالي القاهرة على قصر الوالي لتناول الإفطار، انتهزوا الفرصة ليعبروا عن شكرهم بتنبيهه لهم بإطلاق مدفع الإفطار، وعلى ما يبدو أن الوالي قد أعجب بالفكرة؛ فأصدر أوامره بإطلاق مدفع الإفطار يومياً وقت أذان المغرب في رمضان.
وهناك رواية أخرى، تلعب فيها المصادفة دوراً مهماً، أو يمكن أن نقول إن للمصادفة الدور الرئيس فيها.. حيث كان فى عهد محمد علي باشا والي مصر.. وأثناء تجربة قائد الجيش لأحد المدافع المستوردة من ألمانيا، انطلقت قذيفة المدفع مصادفة ودون ترتيب وقت أذان المغرب في شهر رمضان، وكان ذلك سبباً في إسعاد الناس الذين اعتبروا ذلك أحد المظاهر المهمة للاحتفاء والاحتفال بهذا الشهر المبارك، واستخدم المدفع بعد ذلك في التنبيه لوقتي الإفطار والسحور.
المصادفات لا تفارق صفحات التاريخ ولا تتخلى عنه أو يمكننا القول بأن دورها فى التاريخ كأنها لعبة أفعوانية في متنزه كبير تُفاجئنا بالاتجاه مرة يمينا ومرة يسارا ومرة إلى أعلى.. لكي تعطينا بعض المرح وتخرج بنا بعيدًا عن الرتابة المتوقعة التقليدية.
فكلنا يعرف أنه إذا سرت فى طريق مستقيم بين جهتين وصلت للجهة الأخرى .. ولكن إذا ظهرت لك فى منتصف الطريق مصادفة تغير اتجاهك وتنقلك إلى جو الإثارة والمتعة وربما تنقلك إلى مكان آخر أكثر اتساعًا وأشد حياة وأحسن هواءً.
خد عندك مثلا واحدة من أشهر المصادفات في التاريخ الحديث في كرة القدم.. حين صعد منتخب الدنمارك إلى بطولة أمم أوروبا 1992، برغم أنه لم يستطع التأهل مباشرة.. فقد حل محل منتخب يوغوسلافيا، بعد أن قامت الحرب على أراضيها فحرمها الاتحاد الأوروبي من اللعب، وأتى بالدنمارك التي تُوجت باللقب الأوروبي على حساب ألمانيا القوية.. فى مباراة لا تنسى وبنتيجة 2 إلى صفر.. وتسجل اسمها فى تاريخ كرة القدم الأوروبية.
إنها المصادفة الغريبة وما قد تفعله بنا!!
حكاية أخرى ندين بالشكر فيها إلى المصادفة.. حيث يقال إن رجلا مصريًا أحضر شُجيرات القطن وزرعها في حديقته.. للزينة! ولم يستطع أن يمنع الفلاحين من زراعته فى أرضهم بعد أن كان حكرًا عليه.. فانتشر قطن الزينة هذا، وأصبح عصب الاقتصاد المصري، بل علامة مصرية صناعية تجارية فريدة في العالم كله.
مصادفات التاريخ لم ولن تتوقف.. تُرى أى مصادفة أوصلتك لما أنت عليه الآن؟!