“الإسلام دين شامل وقادر على المواجهة ، وله تميزه في جعل التعليم فريضة ، والعلم عبادة.. الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته ، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبلي لا يحده زمان ولا مكان “. كتب هذه الشهادة القيمة المنصفة الدكتور ويلفريد هوفمان في كتاب ( الطريق الى مكه )، وهي شهادة معتبرة من سفير ألماني تدرج في العمل الدبلوماسي 34 عاما بالاضافة الى انه رجل قانون حاصل على درجة الدكتوراه في التشريع.
وشهادة هوفمان محل اهتمام لأنها صادرة بعد دراسة عميقة وموسعة استمرت 19 عاما بدأت من عام 1961 عندما تم تعيينه ملحقا بالسفارة الألمانية بالجزائر . ولفت نظره صمود الجزائريين في مقاومة المحتل الفرنسي، وصبرهم رغم اعدام العشرات منهم يوميا وثقتهم في النصر . فتأكد أن دينهم وراء قوتهم وقال :” شعرت أن دين الجزائريين هو ما كان يجعلهم صامدين أقوياء، و لذلك بدأت بدراسة كتابهم السماوي (القرآن الكريم ) ولم أتوقف يوما عن قراءة القرآن الكريم إلى يومي هذا”. واعلن إسلامه عام 1980 في مدينة كولونيا الألمانية وأطلق على نفسه اسم مراد هوفمان.
يعطي هوفمان في كتابه درسا عمليا لكل مسلم في كيفية تدبر القرآن الكريم الذي يتسابق الكثير منا على ختمه عبر قراءة متعجلة دون فهم بقوله :” عند قراءتي المتكررة للقرآن استوقفتني الآية 38 في سورة النجم: “ألا تزر وازرة وزر أخرى”. ويدل معناها على نفي مبدأ وراثة الخطيئة، وتستبعد، بل وتلغي تماماً، إمكانات تدخل فرد بين الانسان وربه وتحمل الوزر عنه”. فالفهم الصحيح للآية الكريمة يؤكد أنه ليس واسطة من أي نوع بين العبد وخالقه ، وصدق العلامة الحسن البصري في مقولته القيمة :” من أرآد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أرآد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن “.
وتؤكد الآية أيضا أنه ليس هناك وصاية على المسلم في دينه من أي شخص أو أي جهة، ويا ليت قومي يقفهون . وليتنا نتعلم من الأية الكريمة أن كل فرد مسئول عن أخطائه ، ونتوقف عن الإضرار بعائلة بأكملها نتيجة خطأ فرد منها ، فليس من العدالة أن يدفع الأحفاد ثمن أخطاء الأجداد.
ويعطينا هوفمان الدبلوماسي والخبير في المعلومات درسا عمليا في كيفية إقامة الصلاة قائلا :” وجدت في الصلاة الطمأنينة والتحرر الداخلي، الذي ينتزع المسلم من ضغوط الحياة كافة، فالصلاة في الإسلام تفيد في علاج أعراض التوتر المعاصر، وبفضل الصلاة لا يكون المسلم متوتراً مؤرقاً، ولا يكون مصدراً للتوتر والأرق”.
وسيرة حياة هوفمان وإخلاصه وجديته في عمله تعطينا درسا مهما آخر فعندما أعلن إسلامه عام 1980 ثارت ضجة في ألمانيا وأوربا كلها خاصة أنه يشغل منصبا مهما في الخارجية الألمانية، إلا أن كفاءته فرضت عليهم أن يستمر في عمله حيث عمل مسؤولا عن جمع المعلومات لحلف شمال الأطلسي في بروكسل في الفترة مابين عام 1983 و1987. بعد ذلك عين سفيرا لألمانيا في الجزائر عام ،1987 ومن ثم في المغرب في عام 1990 حيث عمل لمدة أربع سنوات.
وأختم بالدرس الأهم الذي يجب على الجميع تعلمه من هوفمان أن النصر يتحقق عندما تتسق سلوكيات المسلمين من أقوالهم وأفكارهم بقوله في كتاب (الإسلام كبديل ) ، :” فلا ينبغي ان أكون مسلماً في تفكيري فقط، وإنما لا بد أن أصير مسلماً أيضاً في سلوكياتي”.