“يرجع تميز العلماء المسلمين إلى الرؤية الروحية التى يبثها دينهم، فأى فلسفة تدعو إلى التقوقع والذاتيه تصبح عقيمة وغير مفهومة لعقلية العالم المسلم، هذا العقل الذى لم يكن ليرى الإنسان سواء فى الصحة أو المرض معزولا عن الخالق عز وجل وعن بيئته وعن العالم أجمع ولهذا فإنهم أول من اكتشف أن المرض لا ينبع من الإنسان نفسه بل من عوامل خارجية ومن هنا كانوا أول من رسخ مفهوم العدوى “. تلك شهادة قيمة بتقدم المسلمين في مجال العلم والفكر كتبها عالم الرياضيات البلجيكي الأصل الأمريكي الجنسية جورج سارتون (1884 – 1956) في موسوعته العلمية العالمية (المدخل إلى تاريخ العلم ) .
وهي شهادة قيمة لأنها صادرة من عالم يعتبر أحد ثقاة “تاريخ العلم في العالم”، وشغل منصب رئيس الاتحاد الدولي لتاريخ العلوم في باريس، ورئيس جمعية تاريخ العلوم الأمريكية. وأيضا لانها صادرة من عالم يعترف العالم كله بانجازاته . وجاء في موسوعة ويكيبيديا :” تكريماً لإنجازاتِ سارتون، انشئ مجتمعَ تأريخَ العلم الجائزةَ المعروفة بوسامِ جورج سارتون، وهي الجائزةُ الأكثر رفعةً، وهي تمُنِحَ سنوياً منذ عام 1955 إلى كل عالم بارزِ مِن مؤرخِي العلمِ ينتخب مِنْ المجتمعِ العلميِ الدوليِ”.
واكتسبت موسوعتة ( المدخل الى تاريخ العلم ) أهميتها أولا من مصداقية مؤلفها سارتون ثم من الجهد الكبير الذي بذله للبحث في تاريخ العلوم والحضارات لدى الأمم استمر 10 سنوات ،ودفعه تعلم اللغة العربية لدراسة التراث العربي أن يعيش أكثر من عامين فى الشرق الأوسط ، وساعده في البحث إتقانه 8 لغات هي : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والسويدية والدنماركية والتركية والإسبانية ، وإلمامة باليونانية القديمة واللاتينية والعبرية والصينية.
أكد سارتون بالأدلة في موسوعته أن كل من إسحق نيوتن، وديكارت ،وفرنسيس بيكون الذين ذاع صيتهم فى الغرب كأول من ابتكروا علوم الفيزياء والقياس والطبيعة، أنهم نقلوا نظرياتهم وكتبهم عن العلماء المسلمين. وكتب سارتون يقول : “يكفينا أن نسوق أسماء بعض العلماء المسلمين الذين لم يكن لهم نظراء فى الغرب وقت ظهورهم مثل جابر بن حيان، الكندى، الرازى، الخوارزمى، الفرجانى، حنين بن إسحاق، الفارابى، إبراهيم بن سنان، المسعودى، الطبرى، أبو القاسم، ابن سينا، ابن الهيثم، الغزالى، عمر الخيام وغيرهم، الذين ذاع صيتهم بين عامى 750 و1100 ميلادية ، لنؤكد إن العصور الوسطى كانت مليئة بالعلم والمعرفة”.
وأثبت سارتون أن الطب الحديث لم يكن سوى إنجاز إسلامى بنى على دراسات قام بها العلماء المسلمون بين القرن التاسع والثانى عشر الميلادى ليدرسه علماء كجون وجير ما بين القرن الخامس عشر و السابع عشر.
وفي الختام اتفق مع دعوة الباحث أحمد كفافي بضرورة اعادة دراسة كتابات سارتون وغيره من العلماء والمفكرين الغربيين المنصفين واكد أهمية ذلك بقوله :” وما أحوجنا أن نحيى اسم سارتون و كتاباته التى للأسف لا نعرف عنها الكثير فى العالم العربى فى وقت نحن أحوج لإحيائها فى ظل تلك الهجمة الشرسة على تراث المنطقة العربية لتدمير ماضيها كخطوة أولى لإزالتها من سياق التاريخ”..