دخل مدرس التاريخ الفصل وبادر طلابه بالتساؤل: من منكم يعرف أمين سامي ؟.تردد الطلاب قليلا ثم قال أحدهم انه صاحب المدرسة التي ندرس فيها . أجاب المدرس بالنفي ، موضحا أن المدرسة تابعة للحكومة ولكنها سميت باسمه تكريما له لأنه رجل عظيم . قال مجموعة من الطلاب في صوت واحد : “عظيم .. يبقى بتاع كرة أو فن” . وجاءت إجابة الطلاب التلقائية والمتوقعة مشخصة لواقع مجتمعنا المعاصر والذي تحول فيه لاعبي الكرة والفنانين إلى نجوم وقدوة، بينما توارى أصحاب العقول والمفكرين .
كما جاءت تلك الإجابة بمثابة شهادة إدانة لنظامنا التعليمي ولمؤسساتنا الاعلامية التي لم تقم بدورها الصحيح في التربية والتوعية والتثفيف .
وقطع المعلم همهمة الطلاب قائلا : إنه أمين باشا سامي أحد المؤرخين المصريين العظام، صاحب كتاب ( تقويم النيل )، وقضى باقي الحصة في شرح مناقب الرجل يرحمه الله . والحقيقة أن جهود أمين باشا سامي وتاريخه الثري لا تكفيه حصة أو أيام دراسية . فهو مثله مثل الاف من مفكري مصر وعلمائها وفنانيها العظام الذين ساهموا في بناء حضارتها ولكنهم منسيون . ونحن في اشد الحاجة الى إلقاء الضوء على مسيرتهم لنهتدي بها في مواجهة صعب الحاضر وبناء المستقبل .
ولد أمين سامي عام 1857م في قرية البرادعة بمركز القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية وهو ابن الشيخ الأزهري محمد حسن البرادعى . تخرج من مدرسة المهندسخانة في عام 1874م وعمل مدرسا بها ، ثم مفتشاً بنظارة المعارف وفي دار المحفوظات المصرية منذ عام 1880م قبل أن يتولى نظارة مدرسة الناصرية “المبتديان” لمدة ربع قرن. تم اختياره عضوا في مجلس الشيوخ تقديرا لعلمه وفضله وبقى عضوا فيه حتى وفاته. يقول المؤرخ الراحل د.يونان لبيب رزق أن أمين سامى باشا تخرج فى مدرسة المهندسخانة، لكنه فضل الاشتغال بالتعليم، وعمل مدرسا ثم ناظراً بمدارس المنصورة ثم انتقل إلى المدرسة الناصرية بالقاهرة ، فدار العلوم،. وعندما أحيل إلى المعاش كرَّس حياته لرسالة النهوض بالتعليم بصفته عضوا في مجلس المعارف الأعلي، ومجمع اللغة العربية .وكان وزراء المعارف (التعليم ) كثيراً ما يلجأون إلى آرائه في شؤون التعليم. واصدر كتابا مهما بعنوان ( تاريخ التعليم ).
ورغم اهتمامه بالتعليم وعمله به لفترة طويله، الا أن شهرة أمين سامي ترتبط بصفته مؤرخا كبيرا بعد تأليف كتابه القيم ( تقويم النيل ) الذي أصدره عام 1914 بعد بحث وتمحيص دقيق استمر 25 عاما . وقد عبر أمين سامي عن أهدافه من الكتاب قائلا في مقدمته : “أقدم هذا الكتاب للقراء والباحثين، ولم أرد بذلك إلا القيام بواجب العلم والتاريخ وخدمة الوطن العزيز “.
ويتألف الكتاب من 6 مجلدات ويعد موسوعة تاريخية معتبرة ، واجمع المؤرخون على أنه نقلة حقيقية فى الكتابة التاريخية. ويقول الدكتور أيمن فؤاد، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية إن أهمية كتاب أمين سامي «تقويم النيل»تكمن في اعتماده الوثائق الأصلية ولم يعتمد التحليل التاريخي. ويقول الدكتور عمر عبد العزيز في دراسة له بعنوان( تقويم النيل في معارك السياسة المصرية) : كشف لنا أمين سامي عن مقدرة عالية وعن تمكن ملحوظ في الاستفادة من المصادر على نحو علمي وربما كان أول مؤرخي مصر في القرن العشرين الذين استخدموا الوثائق التاريخية على نطاق واسع كما استطاع أن يخضع الكثير من هذه المصادر للنقد التاريخي.
ووصفه الدكتور أحمد زكريا الشلق فى مقدمته للطبعة الثالثة بـ ” السفر الجليل ” وقال : كانت أهمية النيل عند المصريين هي نقطة البداية فى تفكير مؤلفنا، حين اتخذ من النيل تقويما حوليا وركيزة أساسية للكتابة، ليس فقط عن أحواله، وإنما عن مجمل أوضاع مصر: .
اما كونه بتاع كوره فهو فعلا كذلك فقد الذى كان عضواً بالهيئة التأسيسية للأهلى عام 1907 وقام بشراء خمسة عشر سهماً فى شركة الأهلى ودفع خمسة وسبعين جنيهاً ثمناً لها وظل عضواً بمجلس إدارة النادى حتى عام 1938، وهو صاحب الاسم الذى لايزال يحمله الأهلى حتى الآن “النادى الأهلى للرياضة البدنية” وهو الذى أدخل كرة القدم للنادى الأهلى عام 1908 .
رحم الله المؤرخ أمين سامي الذي توفي عام 1941 عن عمر 84 عاما وترك لنا تراثا ثريا يجب أن نستثمره.