لا تتوقف عظمة ما تحقق في أكتوبر 1973م عند الثأر من عدو غادر استطاع أن يسرق نصر من دون حرب وسعي إلى تصوير الجندي العربي بما لا يليق به حقيقة من ضعف وخوف وجهل وتصوير الجندي الإسرائيلي بأنه لا يقهر وإنما كان لمجرد القيام بهذه الحرب آثار غير منظورة كثيرة لا يلتفت إليها الكثيرون ممن يتأملون هذه الحرب ويدرسونها.
فقد لايعلم الكثيرون أن الإسرائيليين كانوا يستعدون لاجتياح جنوب لبنان في 8أكتوبر 1973م وقبل احتياجها يقومون بضربة جوية خاطفة لمصر وسوريا حتى لا تستطيعان المشاركة في الحرب بما قام به سلاح الجو الإسرائيلي من تدمير سلاح الجو المصري والسوري أي أنها إسرائيل ستعيد ما فعلته مرتين قبل ذلك في 1956م و 1967م وهو ما سجله المشير الجمسي في مذكراته حيث ذكر أن ديان وزير الدفاع الإسرائيلي كان يخطط للانقضاض على لبنان في 20 اكتوبر ثم قرر تقديم الموعد إلى 8 اكتوبر اي أننا لو صبرنا يومين لقامت الحرب ولضاع علينا عنصر المفاجأة
كانت أسرائيل تراهن على انفجار الوضع الداخلي في مصر فتنهار مصر تماما دون طلقة واحده لذا لم يحدث من مبادرة وزير الخارجية الأمريكي للسلام سوى وقف حرب الاستنزاف فقط أما بقية بنودها فلم يتحقق منها شيىء آخر لأن إسرائيل كانت قد منيت بخسائر كبيرة في هذه الحرب التي خرجت منها مهزومة بحسب ما قاله قادة إسرائيل وكان حلمها توقف الحرب وكانت مصر بالفعل في حاجة إلى توقف الحرب لبناء حائط الصواريخ بهدوء .
لذا فكل مبادرات الرئيس السادات للسلام قبل الحرب لم تجد آذانا صاغية من امريكا ولا من إسرائيل قبل العبور لأنهما كانتا تراهنان على انفجار الوضع الداخلي في مصر بسبب حالة اللا سلم واللا حرب وإيمان الشعب بأن السادات لن يحارب بسبب وعوده التي لم تحقق ، كما أن الجنود في الخنادق منذ ست سنوات دون جدوى بحسب ما يبدو فإذا قامت إسرائيل بضربة خاطفة لمصر واحتلت جنوب لبنان فإن الوضع في مصر سينفجر لا محالة .
في كتابه عملية اصطياد الديك الرومي ينقل الكاتب المحلل السياسي الكبير السيد هاني عن مذكرات ابي الغيط ما قاله الرئيس السادات في الاجتماع الذي سمي اجتماع قرار الحرب في 30سبتمبر 1973م أي قبل الحرب ب6 أيام :”ثم اقترب السادات بعد ذلك من الوضع الداخلي بالبلاد فأكد على أن الاقتصاد المصري أصبح مستنزفا وهو استنزاف يراه أخطر كثيرا من التهديد العسكري إذ أن ارتفاع الأسعار قد أصبح خطيرا ،كما أن النمو الأقتصادي توقف بالكامل ..مشيرا إلى أخطار انفجار الوضع الداخلي نتيجة لسريان اليأس إلى النفوس وأن هذا الانفجار المحتمل – إذا وقع- فسوف تتمكن إسرائيل من تحقيق كل اهداف ونتائج هزيمة مصر في ٦٧ دون أن تطلق طلقة واحدة “
إذن الرئيس السادات كان يعلم ما تفكر فيه إسرائيل وأمريكا من أن استمرار مصر في حالة ألا حرب وألا سلم من شأنه تفجير الوضع الداخلي فما بالنا لو هاجمت اسرائيل قواتنا واحتلت جنوب لبنان.
في نهاية اجتماع قرار الحرب وبعد أن استمع الى كلام المشاركين قال : “الجميع خارج مصر يتصور أننا جثة هامدة وبالتالي لا أحد يتحرك ..والجميع يقدر أننا في وضع دفاعي ولا يمكن لنا الهجوم وأن استمرار الوضع الحالي معناه الموت المحقق لمصر ..ولا يمكن أن نقبل بهذا اليأس الذي يحل علينا ولا يمكن إلا أن نتحدى اسرائيل،فإذا لم نستطع فعلينا أن نحيط الشعب بالحقيقة فإذا ما كسرنا وقف إطلاق النار فمعنى هذا أننا أحياء قادرون”.
أذن حرب اكتوبر لم تحقق نصرا فقط ولم تعد الثقة للجندي العربي فقط ولا كشفت حقيقة إسرائيل أمام العالم ولا قدمت الجندي المصري الذي يحقق المعجزات إلى العالم فقط ولا غيرت والنظريات العسكرية فقط وإنما منعت هزيمة ابشع من ٦٧ لأنها ستكون هزيمة الإرادة العربية التي عجز العدو عن تحقيقها في ٦٧ بدليل أن الجندي المصري فور توقف الحرب في ٦٧ بادر الهجوم والانتقام وكبد العدو خسائر كبيرة في مواجهات كثيرة .