نشر العلامة الدكتور محمد الشرقاوى أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة على صفحته عبر ” فيسبوك ” تنويها عن قرب صدور الترجمة العربية لكتاب (قوننة البخارى ومسلم : تكوين قانون الحديث السنى ووظائفه) للدكتور الأمريكى المسلم “جوناثان براون”، أستاذ الحديث بجامعة جورج تاون فى واشنطن، ترجمة وتقديم الأستاذ عمرو بسيونى.
توقفت كثيرا أمام العنوان الفخيم لهذا الكتاب، ورحت أبحث فى سيرة صاحبه، فتبين لى أن جوناثان براون فى السادسة والأربعين من عمره (مواليد أغسطس 1977)، وقد أسلم عندما كان فى السنة الأولى بالجامعة، ثم أكمل دراساته وأجرى بحوثه المتعلقة بعلوم الإسلام فى كل من مصر وسوريا وتركيا والمغرب والسعودية واليمن وجنوب أفريقيا والهند وإندونيسيا وإيران، وهو متزوج من السيدة ليلى العريان، ويشغل حاليا منصب المدير المشارك لمركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامى المسيحى، ويرأس تحرير “موسوعة أكسفورد عن الإسلام والشريعة”، ونشرت له مقالات عديدة حول الحديث والفقه والسلفية والصوفية ونظرية المعجم العربى والشعر الجاهلى.
وللدكتور جوناثان براون العديد من المؤلفات منها:” الإسلام والرق”، و “محمد فى عجالة “، و “الحديث : ميراث النبي فى العالم الوسيط والحديث”، و “تقديس البخارى ومسلم : نشأة ورسالة شرعية الحديث عند أهل السنة “، و”تحريف حديث النبي : تحديات وخيارات فى تأويل ميراث النبي”، وهذا الكتاب الأخير وضعته الدوائر المختصة فى قائمة أفضل الكتب الدينية لعام 2014.
ووفقا لما نشره البروفيسور الشرقاوى فإن الكتاب الجديد ” قوننة البخارى ومسلم ” كان رسالة جوناثان براون التى حصل بها على الدكتوراة عام 2006، وهو دائرة معارف مصغرة حول الشيخين والصحيحين، وطبيعة الكتابين، وتطور التعامل معهما، وتاريخهما منذ النشأة حتى العصر الحاضر، ويتضمن الكثير من الأفكار والملاحظات التاريخية والموضوعية والتحليلية، حول علوم الحديث والفقه والكلام والتاريخ والجغرافيا، ونظريات النقد الأدبى والتاريخى.
وقد كتب المترجم الأستاذ عمرو بسيونى فى مقدمته للكتاب أنه “بعيدا عن دراسات التبجيل والدفاع والانطلاق من المسلمات الخاصة للباحث، أو دراسات الهجوم والتشنيع والهدم، فهذه الدراسة تضمنت أغلب ما يتعلق بالشيخين وصحيحيهما، تاريخيا وعلميا،على المستويات الحديثية والفقهية والعقدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية، فهى دائرة معارف مصغرة حول الصحيحين، لن يعدم منها القارئ نفعا وفائدة، سواء اتفق مع بعض مقولاتها أو خالفها”.
ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن الآن بعد قراءة التنويه هو تلك المفارقة بين الطريقة العلمية الرصينة التى تعامل بها جوناثان براون مع كتابي البخارى ومسلم، وبين ” الهجص ” الإعلامى الذى يلوث أسماعنا من بعض أدعياء العلم والثقافة، المستأجرين لتشويه البخارى ومسلم وغيرهما من علماء المسلمين، والسخرية من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، بدعوى تجديد الخطاب الدينى، فتفتح لهم القنوات الفضائية أبوابها، وتستضيفهم البرامج ليتحدثوا فيها بغير علم، وما لهم من هدف إلا تشويه الإسلام وعلمائه، وزعزعة إيمان المسلمين، وتشكيكهم فى ثوابت دينهم.
وبصرف النظر عن محتوى هذا الكتاب الجديد، وما يمكن أن يحمله من تقريظ أو نقد، فإن مجرد صدوره على هذا المستوى العلمى الراقى يعد ـ من وجهة نظرى ـ إنصافا كبيرا للشيخين الجليلين، البخارى ومسلم، بعد كل ما أصابهما من طعنات السوقة المستأجرين، الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويظنون أنهم يجددون ويطورون، بينما هم فى الحقيقة يهدمون ويلوثون.
حين قرأت فهرس الموضوعات التى تضمنها كتاب جوناثان براون هالنى مافيه من عمق ورصانة، وهذا يعنى أن الرجل بذل جهدا جبارا على مدى سنوات طوال، واطلع على مئات المراجع ليعالج القضايا التى تطرق إليها، والتى وضعها فى أبواب وفصول لايعرف مهرجونا عنها شيئا، ومنها على سبيل المثال : الأعمال البحثية عن الصحيحين وقانون الحديث، التعامل مع الصحيحين كقانون، دراسة القوانين والقوننة، مبدأ الخيرية والثقافة القانونية، نشأة البخارى ومسلم، حياة البخارى ومسلم وأعمالهما، البخارى ومسلم والجيل الأعظم، الصحيحان كنصوص تكوينية، القانون والمجتمع، الحاكم النيسابورى وقوننة الصحيحين، الصحيحان كمعيار للصحة والمرجعية الحجية، القانون والنقد ( من ابن الصلاح إلى الحركة السلفية الحديثة)، الصحيحان فى السردية والطقوس، لماذا الصحيحان وليس كتبا أخرى ؟
وربما تبدو هذه العناوين غامضة عند غير المتخصصين، لكن جدية الكاتب وعمق دراسته كانت محل تقدير وتوقير من أهل صنعته، ومن هم فى مجاله، الذين استقبلوا الكتاب بما يليق به من تبجيل، ويستحق المترجم كل الشكر أن سجل بعضا من شهادات هؤلاء الأساتذة والباحثين المخضرمين عن الكتاب، فقد ذكر هيربرت بيرج أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية أن براون أنجز دراسة طموحة، ستصبح فى ذاتها معيارا لدراسة قوننة الصحيحين، وستنال القدر نفسه من الاهتمام والتحليل الذى ينالانه.
وقال جوناثان بروكوب أستاذ التاريخ والدراسات الدينية بجامعة بنسلفانيا: “إنه كتاب غير عادى من أوجه كثيرة، كلها حسنة، إن نطاقه البحثى واسع للغاية، ويتفاعل مع أحدث الدراسات، سواء التى فى مجال التخصص أو فى العالم الأوسع للنظرية، وهو مكتوب كتابة جيدة، وفى حين قد يختلف البعض مع بعض الاستنتاجات الخاصة والعامة لبراون، إلا أن هذا الكتاب يستحق القراءة لسنوات عديدة قادمة”.
وكتب ميشيل لاجارد الأستاذ بالمعهد البابوى للدراسات العربية والإسلامية: “تتخلى هذه الدراسة عن المنهج التقليدى الذى اعتاد عليه المستشرقون فى أبحاثهم فى الحديث النبوى، إنها حقا تقدم شيئا جديدا، هذا الكتاب يستحق أن يرجع إليه لعدد كبير من السنوات القادمة”.