نظرت إليه بحدة وهو يعترف :
- سأتزوج…!
لكنها , ردت بهدوء : - و السبب…؟!
رمقها بنظرة جامدة قبل أن يقول : - كان يمكن أن أقول لكِ أن هذا حقي و اكتفي , لكني سأقر لكِ بأنك باردة…
علت وجهها الدهشة , و قالت بسخرية : - باردة..!! هل هي عكس دافئة , أم مثيرة..؟!
امتعض من سخريتها !! - تسخرين..!! لا , بل هي معنى متحجرة المشاعر…!
تلاعبت بصوتها بنبرة تمثيلية : - أكتشاف مذهل , و قد تخطيت الخمسين بعد زواج دام خمس و عشرين عامًا …. ثم هزت رأسها بأسف لتكمل :
- لا توجد امرأة متحجرة , بل كل واحدة منا تنتمي لصنف من يتزوجها…!!!
رفع حاجبه بغيظ : - ما معنى ذلك الهذيان..؟!
ارتفع صوتها … : - معناه أن من تتزوج بحرا فياضا تصبح موجة تتراقص على سطحه , و من تتزوج سماء تصير أحدى غيماته الممطرة , ومن تتزوج جبلا تتحول إلى صخرة صماء قد ينمو على جنباتها بعض الورود..!!
أرتفع صوت أنفاسه باضطراب… : - وأنا من كنت فيهم بالنسبة إليك..ِ؟!!
نظرت إليه باشمئزاز.. ! - أنت صحراء جافة , ضللت طريقي فيها فحولتني إلى حفنة رمال مبعثرة.. و الغريب أنك تبحث عن السراب في ليلك البارد , لا في ظهيرتك المشمسة…!
تردد من وقع كلماتها…!! - سراب..!!
ضحكت بسخرية… : - هل هي صغيرة كما تزوجتني.. جميلة كما كنت قبل إهمالك.. ندية مثلي قبل ذبولي…؟!!
- هل ستقضي معظم وقتك معها , تدللها وأنت الذي لم تكن تطأ قدمك البيت إلا للطعام والمبيت..؟!
- هل ستنفق عليها مدخرات بُخلك علي.. أم ستغدق عليها مشاعر سألتك إياها فمنعتها..؟!
- هل ستجوب بها بقاع الأرض , لتسترد شبابًا دفنته في قبر العمل والانشغال , و دفنتني معك لأتحجر كما تدعي..؟!
- هل ستتذكر تاريخ مولدها , وزواجكما , ولقاءكما الأول , وتفاجأها بالهدايا والحُلل والمصاغ , أم ستنسى كما كنت معي..؟!
ارتبك وعصرت أصابعه بعضها : - لن أنكر , سأتغير , سأتعلم معها ما جهلت…
أمالت رأسها وهي تطيل النظر إليه : - الصحراء إن جادت بالشجر فلن تجود بالثمر , ولن يصبر على الارتحال فيها إلا الجِمال…!
فهل حبيبتك صابرة , أم طامعة , أم شابة هوجاء , سرعان ما ستتمنى من في مثل شبابها..؟!
تركها وانصرف على قدمي التمني والعمى.. لكنه عاد على جناحي البصيرة والرجاء…! - سامحيني .. ما كانت إلا …
رفعت كفها لتقطع كلامه وتقول : - هل سمعت يومًا عن ناجٍ من هلاك الصحراء .. عاد إليها!!!!….