أحمد شوقي : شروقٌ لا غروب :
[ ١٤ أكتوبر ١٩٣٢م – ١٤ أكتوبر ٢٠٢٤م ]
وتحل ذكرى أمير الشعراء، لتتقاطع مع كل دروب الشجن والحزن، وكذلك التباريح الإسلامية والوطنية النصعاء…
شوقي واشتياقي، لهذا الأشم وتاج شعراء العرب والعجم…
الذي نحت ببنانه، وتفوه بلسانه، قصائد تهز الفؤاد هزاً، وتسير في نبض الزمان كالماء في صفاءه عزباً …
هو الشاعر الأوحد الذي وقف على كل حدود التاريخ من كل جانب، فاحتل مكانة سامقة يفوق بها معشر الشعراء أجمعين … ولا يفتأ حاضرنا يرنو إلى إرثه المكنون، الذي لن يعزب ريب المنون … …
عزف على أوتار الشعر النفيس بعميق وجدانه، فأطرب ولعاً بالإسلامية الجمعاء، مادحاً عظيمها المعصوم، بأرق بيان منظوم..
( أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا
سلوا قلبي غداة غد لعلي على الجمال له عتابا
يوم يتيه على الزمان صباحه – ومساؤه بمولد محمد وضاء ) … ….
- ثم ينال الشرف الثاني البهيج، بعد إذ مدح آخر أنبياء بني إسرائيل، وصنو نبينا الكريم، فها هي أرجوزته اليافعة في مدح عيسى عليه السلام بهمزية فيحاء ::
( ولد الرفق يوم مولد عيسى – والمروءات والهدى والحياء
وازدهى الكون بالوليد وضاءت – بسناه من الثرى الأرجاء
وسرت آية المسيح كما يسرى – من الفجر في الوجود والضياء
تملأ الأرض والعوالم نوراً – فالثرى مائج بها وضاء ) …. - ودبجّ هائماً في إيقاع الخلافة الإسلامية بكل فصائلها مادحاً أو مرثياً، وجعل المدح والرثاء التقاء عند مجد الخلافة العثمانية :
( ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح…
الهند والهة ومصر حزينة- تبكي عليك بمدمع سحاح…
والشام تسأل والعراق وفارس – أمحا من الأرض الخلافة ماح ) …. …. …. - وغازل العروبة وأكرم حكامها، وأخيارها، وأبطالها، ومناضليها.. وتضمرت نفسه لفجيع نكباتها…
فناح ببيان أسيف مرثياً عمر المختار :
( ركزوا رفاتك في الرمال لواء يستنهض الوادي صباح مساء …
يا ويحهم نصبوا منارة من دم توحي إلى جيل الغد البغضاء ) ….. - وتناجت نواحيه الجياشة مع نكبة دمشق :
( سلام من صبا بردى أرق – ودمع لم يكفكف يا دمشق …
ومعذرة اليراعة والقوافي- جلال الرزء عن وصف يدق
وللحرية الحمراء باب لكل يد مضرجة يدق ) …. - وأغدق على زحلة رائعة جارة الوادي :
( يا جارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراك
مثلت في الذكرى هواك – وفي الكرى والذكريات صدى السنين ألحاك ) … - وواسى نفسه الكمداء وهو أسير الغربة في برشلونة :
( وطني لو شغلت بالخلد عنه – نازعتني إليه في الخلد نفسي ) …. - وتوج المُعلمون بنوط الفخامة والكرامة في مرصد بلاغي قشيب :
( قم للمعلم وفه التبجيلا – كاد المعلم أن يكون رسولا ) - وأناط عن نفسه وأناب عن معشر الشعراء والكتاب والصحافيين بالبيان الميمون :
( لكل زمن مضى آية – وآية هذا الزمان الصحف
لسان البلاد ونبض العباد – وكيف الحقوق وحرب الجنف ) - وأنشد في الغزل العفيف طيفاً رائقاً :
( خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
أتراها تناست اسمي لما كثرت في غرامها الأسماء
يوم كنا ولا تسل كيف كنا – نتهادى من الهوى ما نشاء
جاذبتي ثوبي العصي وقالت أنتم الناس أيها الشعراء
فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء ) ….. - ورهن شعره للتاريخ والطبيعة، فقال إن الشعر له أبوان : التاريخ والطبيعة ..
فأمطر في حضن النيل سلسبيلاً من شعره العذب :
( من أي عهد في القرى تتدفق – وبأي كف في المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت – من عليا الجنان جداولاً تترقرق
ونجيبة بين الطفولة والصبا – عذراء تعشقها القلوب وتعلق
كان الزفاف إليك غاية حظها – والحظ إن بلغ النهاية موبق
ألقت إليك بنفسها ونفيسها – خلعت عليك حياتها وحياتها – أأعز من هذين شيء ينفق ) … - وشد من عزم سيد نصير وعضد شوكته على أهوال الأثقال :
( يا قاهر الغرب العتيد ملأته بثناء مصر على الشفاه جميلاً
إن الذي خلق الحديد وبأسه – جعل الحديد لساعديك ذليلاً
زحزحته فتخاذلت أجلاده – وطرحته أرضاً فصل صليلاً – لمّ لا يلين لك الحديد ولم تزل – تتلو عليه وتقرأ التنزيلا ) ….