تشهد مجموعة “آستانة” المعنية بملف تسوية الأزمة السورية، تحضيرات وإجراءات من أجل عقد قمة افتراضية لم يحدد موعدها بعد، بين قادة ورؤساء هذه المجموعة وهم روسيا وإيران وتركيا، لبحث التطورات الميدانية في المشهد السوري، لا سيما ما يتعلق بإدلب وشرق الفرات فضلا عن العملية السياسية والوضع الإنساني وعودة اللاجئين.
كان من المقرر أن تُعقد هذه القمة المرتقبة في طهران في مارس الماضي لكنها عُلقت بسبب تفشي فيروس كورونا، وأنه يجري النظر حالياً في تحديد موعد لعقدها عن بُعد على غرار اجتماع وزراء الخارجية “ضامني آستانة” روسيا وإيران وتركيا خلال الأسبوع الماضي.
ويرجح مراقبون إلى أن الميل نحو تسريع عقد القمة سببه الرئيسي ضرورات المحافظة على التنسيق في إطار محور آستانة في ظل عودة الاختلافات والتباينات بين أعضائه الثلاث إلى الظهور للعلن، وفي محاولة لاستعادة التنسيق الثلاثي، وترميم التباينات الواضحة في أهداف ومصالح كل دولة والحفاظ على نقاط التقاطع والبعد عن التصادم في المصالح الاستراتيجية العليا لكل طرف على حده، بعد حملة إعلامية روسية على ملف الأزمة السورية، أحدثت حالة من القلق والمخاوف وخلطت أوراق بقية الضامنين في سوريا.
وقد أكد وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا خلال مباحثاتهم الأسبوع الماضي، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، على الدور الرائد لعملية آستانة في تفعيل كافة مكونات التسوية السورية، بما في ذلك استقرار الأوضاع على الأرض والمساعدة على عودة اللاجئين والنازحين وحل المشاكل الإنسانية للمدنيين، بالإضافة إلى الحوار السوري – السوري في إطار اللجنة الدستورية بجنيف.
وشدد بيان الدول الضامنة لعملية آستانة مجددا على تمسكها باحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية وفقا للقرار 2254 لمجلس الأمن الدولي، وأكدوا على أهمية مواصلة الجهود لفصل المعارضة المعتدلة في إدلب عن الإرهابيين، واتفقوا على ضرورة تكثيف جهود المنظمات الدولية لتقديم المساعدات للمدنيين في سوريا، وخاصة في ظل انتشار فيروس كورونا.
تقاطع المصالح أم تصادمها
رغم الاتصالات المكثفة لجميع الأطراف المنخرطة في الملف السوري، خصوصاً الدول الثلاث “الضامنة” لمسار آستانة، للحفاظ على نقاط التقاطع بينها، إلا أن مساراتها تبدو متباينة وربما متصادمة، وتقترب من المصالح الجوهرية لكل طرف.
ولذلك يرى مراقبون أن مستقبل مسار آستانة نفسه بات محل شكوك في ظل الرسائل والمصالح والأهداف التي يريدها كل طرف من أطراف ضامني آستانة الثلاث روسيا وإيران وتركيا وهي على النحو التالي:
وفقاً لخبراء ومراقبين، تضمنت الحملة الروسية، الضغط على كل من إيران وتركيا وسوريا، من أجل تحقيق مصالحها في ثلاثة من القضايا المفصلية، الأولى: تتعلق بضرورة التزام دمشق بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، لأن موسكو ترى علاقتها بأنقرة أكبر استراتيجياً بكثير من إدلب.
القضية أو الهدف الثاني من الضغوط الروسية، تتمثل في رغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه، خصوصاً فيما يخص وجود تنظيمات تابعة لإيران في الجنوب السوري، وخاصة في الجولان، في حين تتعلق القضية الثالثة بتنامي اعتراض شركات روسية بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.
مخاوف وقلق
لم تخف إيران هي الأخرى، ليس فقط قلقها ومخاوفها، بل أجندتها من المصالح والأهداف خلال الاتصالات المكثفة التي تمت بشأن الأوضاع في سوريا، إذ حط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق، والتقى الرئيس بشار الأسد، ثم اتصل الرئيس حسن روحاني بنظيره الروسي.
وتبدو مخاوف إيران وقلقها من تطورات مهمة في المشهد السوري، أبرزها: استبعادها من التفاهمات الروسية – التركية الخاصة بإدلب، الموقعة في الخامس من مارس الماضي، فإيران غير منخرطة في الدوريات الروسية – التركية، ولا الترتيبات العسكرية، بل إن اتفاق موسكو الأخير سمح لتركيا بتعزيز قواتها العسكرية إلى نحو 16 ألف عنصر، وآلاف الآليات والدبابات، في شمال غربي سوريا.
ثاني المخاوف الإيرانية، ما صدر من إشارات عربية نحو سوريا، سواء لإعادتها إلى الجامعة العربية، أو فتح دول عربية أخرى بوابة للتعاون الإنساني مع سوريا ضد جائحة كورونا، ناهيك عن مخاوف طهران من استمرار تل أبيب لاستهدافها مواقع إيرانية في سوريا، بما في ذلك في البوكمال، قرب حدود العراق وقرب دمشق.
أما الطرف الثالث من أطراف ضامني آستانة، وهي تركيا التي اندفعت نحو التنسيق مع روسيا وإيران، انطلاقاً من مخافها وقلقها من عدة أمور تشهدها الساحة السياسية السورية، أهمها: الخوف من إعطاء الشرعية السياسية لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني والذي تعتبره أيضاً “تنظيماً إرهابياً” على خلفية توسيع روسيا وجودها العسكري في القامشلي، وإقامتها علاقة طيبة مع الأكراد، فضلاً عن قلق أنقره من استمرار جهود دول عربية مع موسكو ودمشق لمواجهة النفوذ التركي في شمال غربي سوريا.
كما تريد تركيا استعجال موافقة روسيا لتنفيذ البنود الأخرى المتعلقة باتفاق موسكو، خصوصاً ما يتعلق بعودة النازحين إلى بيوتهم في شمال غربي سوريا، وتقديم ضمانات بعدم استهدافهم.
يبقى القول أن جملة المخاوف والقلق التي بدت واضحة من قبل ضامني آستانة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، تجاه من يحدث من تطورات تتشابك في المشهد السوري، ألقت بظلالها على طبيعة المصالح الاستراتيجية لكل طرف من الأطراف، المباشرة وغير المباشرة، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام والتساؤل حول مستقبل هذا المسار باعتباره الأمل المنشود نحو تسوية سياسية للأزمة السورية.مستقبل مسارات الحل السياسي للأزمة السورية بعد تشابكات مصالح ضامني “آستانة”
تحليل كتب تركي خبير الشئون العربية والدولية
تشهد مجموعة “آستانة” المعنية بملف تسوية الأزمة السورية، تحضيرات وإجراءات من أجل عقد قمة افتراضية لم يحدد موعدها بعد، بين قادة ورؤساء هذه المجموعة وهم روسيا وإيران وتركيا، لبحث التطورات الميدانية في المشهد السوري، لا سيما ما يتعلق بإدلب وشرق الفرات فضلا عن العملية السياسية والوضع الإنساني وعودة اللاجئين.
كان من المقرر أن تُعقد هذه القمة المرتقبة في طهران في مارس الماضي لكنها عُلقت بسبب تفشي فيروس كورونا، وأنه يجري النظر حالياً في تحديد موعد لعقدها عن بُعد على غرار اجتماع وزراء الخارجية “ضامني آستانة” روسيا وإيران وتركيا خلال الأسبوع الماضي.
ويرجح مراقبون إلى أن الميل نحو تسريع عقد القمة سببه الرئيسي ضرورات المحافظة على التنسيق في إطار محور آستانة في ظل عودة الاختلافات والتباينات بين أعضائه الثلاث إلى الظهور للعلن، وفي محاولة لاستعادة التنسيق الثلاثي، وترميم التباينات الواضحة في أهداف ومصالح كل دولة والحفاظ على نقاط التقاطع والبعد عن التصادم في المصالح الاستراتيجية العليا لكل طرف على حده، بعد حملة إعلامية روسية على ملف الأزمة السورية، أحدثت حالة من القلق والمخاوف وخلطت أوراق بقية الضامنين في سوريا.
وقد أكد وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا خلال مباحثاتهم الأسبوع الماضي، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، على الدور الرائد لعملية آستانة في تفعيل كافة مكونات التسوية السورية، بما في ذلك استقرار الأوضاع على الأرض والمساعدة على عودة اللاجئين والنازحين وحل المشاكل الإنسانية للمدنيين، بالإضافة إلى الحوار السوري – السوري في إطار اللجنة الدستورية بجنيف.
وشدد بيان الدول الضامنة لعملية آستانة مجددا على تمسكها باحترام سيادة ووحدة الأراضي السورية وفقا للقرار 2254 لمجلس الأمن الدولي، وأكدوا على أهمية مواصلة الجهود لفصل المعارضة المعتدلة في إدلب عن الإرهابيين، واتفقوا على ضرورة تكثيف جهود المنظمات الدولية لتقديم المساعدات للمدنيين في سوريا، وخاصة في ظل انتشار فيروس كورونا.
تقاطع المصالح أم تصادمها
رغم الاتصالات المكثفة لجميع الأطراف المنخرطة في الملف السوري، خصوصاً الدول الثلاث “الضامنة” لمسار آستانة، للحفاظ على نقاط التقاطع بينها، إلا أن مساراتها تبدو متباينة وربما متصادمة، وتقترب من المصالح الجوهرية لكل طرف.
ولذلك يرى مراقبون أن مستقبل مسار آستانة نفسه بات محل شكوك في ظل الرسائل والمصالح والأهداف التي يريدها كل طرف من أطراف ضامني آستانة الثلاث روسيا وإيران وتركيا وهي على النحو التالي:
وفقاً لخبراء ومراقبين، تضمنت الحملة الروسية، الضغط على كل من إيران وتركيا وسوريا، من أجل تحقيق مصالحها في ثلاثة من القضايا المفصلية، الأولى: تتعلق بضرورة التزام دمشق بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان، لأن موسكو ترى علاقتها بأنقرة أكبر استراتيجياً بكثير من إدلب.
القضية أو الهدف الثاني من الضغوط الروسية، تتمثل في رغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه، خصوصاً فيما يخص وجود تنظيمات تابعة لإيران في الجنوب السوري، وخاصة في الجولان، في حين تتعلق القضية الثالثة بتنامي اعتراض شركات روسية بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.
مخاوف وقلق
لم تخف إيران هي الأخرى، ليس فقط قلقها ومخاوفها، بل أجندتها من المصالح والأهداف خلال الاتصالات المكثفة التي تمت بشأن الأوضاع في سوريا، إذ حط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق، والتقى الرئيس بشار الأسد، ثم اتصل الرئيس حسن روحاني بنظيره الروسي.
وتبدو مخاوف إيران وقلقها من تطورات مهمة في المشهد السوري، أبرزها: استبعادها من التفاهمات الروسية – التركية الخاصة بإدلب، الموقعة في الخامس من مارس الماضي، فإيران غير منخرطة في الدوريات الروسية – التركية، ولا الترتيبات العسكرية، بل إن اتفاق موسكو الأخير سمح لتركيا بتعزيز قواتها العسكرية إلى نحو 16 ألف عنصر، وآلاف الآليات والدبابات، في شمال غربي سوريا.
ثاني المخاوف الإيرانية، ما صدر من إشارات عربية نحو سوريا، سواء لإعادتها إلى الجامعة العربية، أو فتح دول عربية أخرى بوابة للتعاون الإنساني مع سوريا ضد جائحة كورونا، ناهيك عن مخاوف طهران من استمرار تل أبيب لاستهدافها مواقع إيرانية في سوريا، بما في ذلك في البوكمال، قرب حدود العراق وقرب دمشق.
أما الطرف الثالث من أطراف ضامني آستانة، وهي تركيا التي اندفعت نحو التنسيق مع روسيا وإيران، انطلاقاً من مخافها وقلقها من عدة أمور تشهدها الساحة السياسية السورية، أهمها: الخوف من إعطاء الشرعية السياسية لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني والذي تعتبره أيضاً “تنظيماً إرهابياً” على خلفية توسيع روسيا وجودها العسكري في القامشلي، وإقامتها علاقة طيبة مع الأكراد، فضلاً عن قلق أنقره من استمرار جهود دول عربية مع موسكو ودمشق لمواجهة النفوذ التركي في شمال غربي سوريا.
كما تريد تركيا استعجال موافقة روسيا لتنفيذ البنود الأخرى المتعلقة باتفاق موسكو، خصوصاً ما يتعلق بعودة النازحين إلى بيوتهم في شمال غربي سوريا، وتقديم ضمانات بعدم استهدافهم.
يبقى القول أن جملة المخاوف والقلق التي بدت واضحة من قبل ضامني آستانة الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، تجاه من يحدث من تطورات تتشابك في المشهد السوري، ألقت بظلالها على طبيعة المصالح الاستراتيجية لكل طرف من الأطراف، المباشرة وغير المباشرة، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام والتساؤل حول مستقبل هذا المسار باعتباره الأمل المنشود نحو تسوية سياسية للأزمة السورية.
خبير الشئون العربية والدولية