أسباب غلاء المهور الأهل: يعتبر الأهل المهر ضماناً لمستقبل ابنتهم مع هذا العريس المجهول، فَهُم يجهلون مستقبل ابنتهم، والمهر الذي يشترون به الذّهب -بحسب العادة- يساعد ابنتهم على مواجهة المشاكل الماديّة التي قد تتعرّض لها، وبذلك يصبح المهر سلاحاً تستخدمه الفتاة في مجابهة المستقبل المجهول، مع هذا العريس المجهول بالنسبة لها، ولذويها.
رأي النّاس: ينظر النّاس إلى الفتاة التي تتزوّج بمهر قليل على أنّها فتاة بسيطة وأهلها بسطاء، والنّاس تغرّهم المظاهر، فالمهر الغالي يعني أنّ العريس غنيّ، وأنّ الزّواج رابح، وكأنّ المسألة تجارة، ولا نعمم فنظرة الناس تختلف، إلا النظرة المادية سائدة في مجتمعنا، فالشخص الغنيّ صاحب المال، تُفتح أمامه الطرق بسهولة، والمال وسيلته في ذلك.
غلاء المعيشة: قد يكون المهر غالياً، ولكن قد يتناسب مع الغلاء الذي نعيشه في هذه الأيام، وقد يكون منطقيّاً بالنّسبة لأهل الفتاة، وبالنّسبة للمجتمع، لكن ليس باستطاعة الشّاب أن يقدّمه، فكلّما زادت صعوبة الحياة ومتطلّباتها المعيشيّة، زاد غلاء المهور.
حل مشكلة غلاء المهور التّوعية الدّينيّة: لا يمكن القضاء على غلاء المهور في هذه الحياة الصّعبة، إلّا من خلال التّوعية الدّينيّة، فالمهر من حقوق الزّوجة في الإسلام، لكن لم تكن الحكمة منه تعجيز الشّباب وإرهاقهم وهم في بداية حياتهم، فلو قرأنا وشاهدنا كيف كانت المهور أيّام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لاتّعظنا، فمنهن من تزوجت مقابل تعليمها القرآن الكريم، وكان ذلك مهرها، ومنهن من تزوّجت مقابل أن يحفظ الزوج القرآن الكريم، وكان ذلك مهرها، إذاً فحق المرأة في المهر، لا يشترط أن يكون حقاً مادياً، بل قد يكون معنوياً.
التّفكير في حالة الشّاب بعد الزّواج: لو فكّر الأهل بالحالة التي ستكون عليها حياة ابنتهم مع زوجها في المستقبل لاختلف الأمر، ذلك أنّ بعض الشباب قد يُرهقون أنفسهم بالديون والقروض، لتأمين المهر وتكاليف الزواج، فيُصبح دخل الشاب في المستقبل مرهوناً بقضاء تلك الديون، وبالتالي صعوبة الحياة مع قلة الدخل، واستمرار ذلك لسنوات، سيؤدي إلى تفاقم المشاكل بين الزوجين، وقد ينتهي إلى الطلاق، فعلى الأهل أن يقدروا جيداً حالة الشاب المادية، ويتعاملوا معه على هذا الأساس، ويفكروا بالأمر من كل الزوايا، وبحياة ابنتهم المستقبلية.
ظلم الفتاة: شروط الأهل القاسية، وغلاء المهر، هو ظلم للفتاة أيضاً، فالأمر ليس بيدها، وزواجها لا يتم إلا بموافقة الأهل، وكلما صعّب أهلها الأمور على المتقدمين لخطبتها، سيتأخر زواجها، وتمضي الأيام وتكبر في السن، ويقلّ عدد المتقدمين لها، لذلك كان ينبغي على الأهل أن يفكر ملياً بابنتهم، ويفكروا بعواقب العنوسة. عرض برامج توعية: وهذا الأمر يتم من خلال الدولة، فعليها أن تنتبه إلى هذا الأمر، وتحاول عرض برامج التوعية الموجهة إلى الأهل، بهذا الخصوص، ولفت انتباههم، بشكل مستمر حول عواقب غلاء المهور، والنتائج المترتبة على عدم زواج الشباب، والذي قد يقود بعضهم في المستقبل إلى الانحراف. في الختام أقول: لا تقاس كل الأمور في الحياة بالمال، ورأس مال الشاب هو دينه، وخلقه، وعلمه عمله الصالح، والمال وسيلة من وسائل الحياة، وليس غايته، فالمال زائل، دوام الحال من المُحال أمّا عزوف الشباب عن الزواج، فظاهرةٌ تقلق المختصِّين بالتوازن الأسري والمجتمعي، وعند البحث في هذه الظاهرة، ومحاولة تجاوز أثرها السلبي في المجتمع، تبـيّنَ أنّ التغيرات الديموغرافية والاجتماعية، كانت وراء أبرز أسباب عزوف الشباب عن الزواج، بما تبنَّتْ من غلاء المهور، وارتفاع تكاليف الزواج، ما غدا شبحاً يطارد أي شاب يرغب في الزواج،
ولذا، ارتفعت نسبة العنوسة الوطنية، وزاد الزواج من جنسيات أجنبية، إلى حدٍّ ينذر بخلل اجتماعي مستقبلي، يتمثّل في اختلال تجانس التركيبة السكانية، والتأثير في لغة الأجيال القادمة، والعادات والتقاليد والهوية، في الوقت الذي تعد فيه المحافظةُ على التركيبة السكانية النوعية والكمية، مهمّـةً جدّاً لأي دولة. وكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تساهم في نشر أفكار غريبة عن مجتمعاتنا الإسلامية والمستسقاة في أكثر الأحيان من المجتمعات الغربية..
وهي تتبنّى إقامة علاقة حب قبل الخطوبة، وتأخير سن الزواج للشباب وللفتيات -بشكل أخَص- بدعوات مختلفة كضرورة التعلّم العالي وتأمين مورد مالي ووظيفة محترمة، وتحث على تقوية الشخصية والنضج والتساوي مع الرجل حتى لا “يسيطر” عليها فتصبح له تبعاً! وهي غالباً ما تُظهر للمرأة أنها حين تتزوج فستكون في موضع ضعف ومكسراً للعصا وعرضةً للعنف والاحتقار والخيانة والطلاق وكأنّ الحياة الزوجية عذاب وجحيم ما يجعلها تخشى الإقدام على الزواج..
في حين أن الشاب يتأثّر بالإعلام الذي يُظهِر المشاكل الأسرية بطريقة مشوّهة ومضخّمة فتنأى نفسه عن هذه المسؤولية المُكلِفة مادياً ومعنوياً!
وكذلك نرى الإعلام يشجّع على العلاقات المحرّمة وتصريف الشهوة في قنوات الرذيلة والفاحشة.. وهو يحارب فكرة تعدد الزوجات والفضيلة والحياء ويحرِّك مكامن الشهوة.. وفي دراسة على مئة فيلم تبيّن أن في 98% منها لقطات أو كلمات تثير الغريزة ما يدفع الشباب للعلاقات المحرّمة حتى إذا ما وجدوا فيها بغيتهم أعرضوا عن الزواج وتكاليفه!
وقد بات من المؤكّد اليوم أن أصابع الأعداء هي من تحرّك الإعلام عالمياً وقد أصبح إعلامنا العربي موجَّهاً ولا غاية بأغلبه سوى تضليل الشعوب وانحلال مفاصل الأخلاق عندها! بالإضافة إلى دخول المرأة في الشبكة الرقمية وتعرّفها على أنماط من المجتمعات كثيرة وتفجير طاقاتها بين طيات صفحاتها ما ألهب رغبتها لإثبات نفسها أكثر وعدم الانطواء تحت مظلة الرجل..
وبفضل الله جل وعلا فإنّ هناك العديد من الجمعيات التي تُعنى بتزويج الشباب وتسهيل التكاليف عليهم حتى أنها تقيم الأعراس الجماعية لتخفف الأعباء عنهم.. وهي خطوة طيبة يؤجرون عليها ولها صدى رائع حيث يشعر المرء بقيمة التكافل الاجتماعي والتعاضد والأخوّة..
ولكني أؤمن أن الجهود لا بد أن تتكاتف بين العديد من الجهات لمساعدة هؤلاء الشباب وحثّهم على الزواج المبكر.. فإن من أهم الأسباب لظاهرة ومشكلة غلاء المهور: إظهار بعض الأزواج أمام أهل زوجته بأنه غنيٌّ، وهي ديونٌ بعضها فوق بعض، وأيضاً: طمع بعض الآباء في مُهور بناتهم، ومنها: الجهل بالقيمة الحقيقية للزواج والصداق، ومنها: التقليد الأعمى، ومنها: تدخُّل النساء في أمور إعداد الزواج، ومنها: تخلِّي بعض الرِّجال عن قوامته على أسرته، ومنها:
ضعف الدِّين، ومنها: تحوُّل الناس عما كانوا عليه من الفقر إلى الغنى، ومنها: عدم الإكثار من التحدث عن هذه الظاهرة السيئة وسُبُلِ معالجتها في الخطب والكلمات والمحاضرات والمجالس ووسائل الإعلام المختلفة. الزواج هو استجابة للفطرة السليمة فهو سكينة واستقرار وراحة نفسيّة لكل من الرجل والمرأة، والمجتمع الذي يتجه أفراده اتجاهات غير أخلاقية ويعزفون عن الزواج المستقيم هو مجتمع منحدر أخلاقيًّا ومهما بلغ تطوره الاقتصاديّ والتكنولوجيّ سيُعاني أشد الويلات جرّاء هذه الآفات والآثار السلبية الناتجة عن العزوف عن الزواج وغلاء المهور
ما من شك في أنني أفضل أن يتزوج المواطن من ابنة وطنه، فهي الأقرب إلى عاداته وقيمه وتقاليده، ولكن في حال ارتأى الزواج من عربية مسلمة، فإن الأمر يبقى متروكاً لقراره وحريته الشخصية،
أن الكارثة تكمن في الزواج من أجنبيات غير متعلمات، وإلى أن بعضهن لسن كتابيات من الأساس، فأي قيم ومبادئ سيغرسنها في أعماق النشء، أمل الوطن وذخيرته التي تمكنه من السير قدماً على درب النهضة والتنمية. ماذا نتوقع من امرأة أمية جاهلة وليست ذات دين؟ وهل هذه هي الأم الصالحة التي أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم باختيارها؟
وهل ستؤدي مثل هذه الزيجات في الحفاظ على المجتمع ام أنها ستؤدي إلى تغريب النشء وفصله عن واقعه الثقافي والحضاري؟ من واقع خبرتي في مجال قوانين الأحوال الشخصية، فقد رأيت عشرات الحالات المأساوية، ورأيت آباء مواطنين، يعانون الأمرين بعدما هربت الزوجة الأجنبية بأبنائها إلى وطنها، وأحسب أن الزواج من أجنبيات يأتي من باب المفاسد التي علينا سدها، بشتى الصور الممكنة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان