تعتبر حقوق الإنسان حقوق طبيعية وغريزية تولد مع ولادة الإنسان فقد كرستها واعترفت بها كل الأديان السماوية والدول والمنظمات… في العصر الحديث، فهي تمس بصيفه مباشرة جوهر الإنسان في كرامته.
والحديث عن حقوق الإنسان حديث قديم متجدد، فهي موجودة مع وجود الإنسان في حد ذاته وباقية على وجه الأرض، وهي نابعة من ضرورة الاحترام المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان، وكان الإسلام سبَّاقاً في تثبيت الحقوق الأساسية للإنسان باعتباره كائن كرمه الله بالعقل واصطفاه على سائر خلقه، وجعله سيداً في الأرض وأمده بالوحي السماوي والرعاية الإلهية والشرع القويم وأرسل له الأنبياء والرسل وأنزل عليه الكتب ليسير على الهدى السديد والصراط المستقيم، وشرَّع له الأحكام لبيان الحقوق والواجب.
إن للمؤسسات الوطنية دورا مهما في تعزيز وحماية هذا الحق ورصد الانتهاكات التي تطاله، وذلك بالاستناد لولايتها الواسعة وإمكانياتها وخبراتها في تعزيز وترقية حقوق الإنسان في بلدانها، مؤكدا على الدور المحوري الذي قامت به المؤسسات الوطنية خلال الجائحة وحتى الآن من خلال الاطلاع على تقارير المؤسسات الوطنية التي وصلت لأمانة الشبكة العربية في الدوحة، حول جهودها بحماية حقوق الإنسان خلال جائحة كورونا.
من الأحداث المهمة في محيط الدول العربية كجماعة إقليمية تجمعها العديد من القواسم المشتركة، احتفاليتها السنوية في السادس عشر من مارس من كل عام (باليوم العربي لحقوق الإنسان)، وحيث إن كفالة حقوق الإنسان وتعزيزها واحترامها وحمايتها تُعدّ عنصرًا أساسيًا من عناصر الديمقراطية في الديمقراطيات الحديثة، كما تُعدّ أيضًا ركيزة مهمة من ركائز المشروع الإصلاحي ويتحقق بكفالتها واحترامها النهج الديمقراطي لعهد جلالته والذي يقوم على التأكيد على الحقوق والحريات الأساسية للمجتمع وعلى كفالة مبدأ المساواة وإرساء الضمانات اللازمة لتحققها، لذا فقد خصصت
احتفت فيه جامعة الدول العربية لهذا العام تحت شعار (الحقّ في الصحة، أفضل الممارسات، أبرز التحديات، الآفاق المستقبلية)، نظرًا إلى ما كابدته البشرية منذ ما يربو على السنة منذ بدء انتشار جائحة كورونا في أواخر عام 2019 والأثر الفادح الذي ألقى فيروس (كوفيد-19) بظلاله على الدول كافة.
وتأصيلا لهذه المناسبة الإنسانية، فقد اعتمد مجلس جامعة الدول العربية يوم 16 مارس من كل عام يومًا عربيًا لحقوق الإنسان بموجب القرار رقم (7049) الصادر عن دورته العادية رقم (131)، بناء على توصية اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان في دورتها (26)،
وهو اليوم الذي دخل فيه الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيز النفاذ بعد انقضاء شهرين على تاريخ إيداع وثيقة التصديق السابعة لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وفقا لنص الفقرة 2 من المادة 49 من الميثاق وذلك بمصادقة دولة الإمارات العربية المتحدة عليه في 15 يناير 2008، حيث تم اعتماد اليوم العربي لحقوق الإنسان للاحتفاء بجهود وإنجازات الحكومات العربية في مجال حقوق الإنسان ولتشجيع
ودعم تعزيز الجهود العربية لإنجاز وتحقيق استراتيجية وطنية وعربية فاعلة لكفالة حقوق الإنسان بالوطن العربي، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها في إطار الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004.
وتلجأ الجماعات الإقليمية إلى التنظيم القانوني الدولي لمسائل حقوق الإنسان رغبة منها في التأكيد على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية مع اكسابها طابعًا إقليميًا أكثر الزامية مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية وتضمينها حقوقا جديدة لم تتضمنها المواثيق العالمية استجابة لاعتبارات الخصوصية الثقافية الإقليمية مع وضع آليات أكثر فاعلية على المستوى الإقليمي في إطار المعايير الدولية.
انطلاقأ من إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان الذي أعزه الله منذ بدء الخليقة، وبأن الوطن العربي مهد الديانات وموطن الحضارات ذات القيم الإنسانية السامية التي أكدت حقه في حياة كريمة على أسس من الحرية والعدل والمساواة،
وتحقيقأ للمبادئ الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح بين البشر، واعتزازأ منها بما أرسته عبر تاريخها الطويل من قيم ومبادئ إنسانية كان لها الدور الكبيرفي نشر مراكز العلم بين الشرق والفرب مما جعلها مقصدا لأهل الأرض والباحثين عن المعرفة والحكمة،
وايمانأ منها بوحدة الوطن العربي مناضلا دون حريته، مدافعأ عن حق الأمم في تقرير مصيرها والمحافظة على ثرواتها وتنميتها، وايمانأ بسيادة القانون ودوره في حماية حقوق الإنسان في مفهومها الشامل والمتكامل، وايمانأ بأن تمتع الإنسان بالحرية والعدالة وتكافؤ الفرص هومعيار أصالة أي مجتمع،
ورفضأ لكافة أشكال العنصرية والصهيونية التي تشكل انتهاكأ لحقوق الإنسان وتهديدأ للسلم والأمن العالميين، واقرارأ بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين، وتأكيدأ لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة بشأن الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومع الأخذ في الاعتبار إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام.
اهتمام المنظمات العربية غير الحكومية بالميثاق العربي لحقوق الإنسان جاء متأخرا، ولم يبدأ عمليا إلا حين اتخذ مجلس جامعة الدول العربية قرارا بضرورة تحديث هذا الميثاق. 2-لم يؤخذ بعين الاعتبار، في اجتماع بيروت الأخير، ما سبق أن توصلت إليه الاجتماعات والندوات التي عقدت في مختلف العواصم والمدن العربية والأوروبية من اقتراحات وتوصيات. 3-اتسم المؤتمر، وبحسب ما جاء في بيانه النهائي، بطابع سياسي أكثر من قانوني علما بأن موضوع المؤتمر قانوني بحت يعالج وثيقة قانونية ويتطلب تقديم اقتراحات واضحة ومحددة ودقيقة يمكن أن يستفيد منها أعضاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان في مناقشاتهم.
أما إذا اختلط السياسي بالقانوني (وهذه صفة تطبع معظم اجتماعات ومؤتمرات عدد من المنظمات العربية غير الحكومية)، فلم يترك عمليا المؤتمر الأثر المطلوب ولم يحقق فعلا الهدف الذي انعقد من أجله! وأتوجه أخيرا للأمانة العامة لجامعة الدول العربية راجيا منها أن تطلعنا على ما تم اتخاذه من قرارات بعد نهاية اجتماعات اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان والتي عقدت اجتماعاتها في القاهرة ما بين 18 إلى 26 يونيو .2003 وما هي القرارات التي اتخذت بقصد تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان؟ وهل تم يا ترى مراجعة أو الأخذ بالتوصيات التي صدرت عن مختلف اجتماعات وندوات المنظمات العربية غير الحكومية؟
تتعدد مصادر ومنابع حقوق الإنسان لتشكل هذا التيار الذي يسعى لحماية الإنسان في كل زمان ومكان و يمكن تلخيصها في ما يلي:
الصكوك العالمية: وهي الصكوك التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية بأسرها. ومن أمثلة هذه الصكوك ما صدر ويصدر عن (الأمم المتحدة) من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان، بدءا من ميثاق الأمم المتحدة و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الأخرى.
فنتيجة عدة حروب وصراعات أهمها الحربين العالميتين و الفضائع التي ارتكبت فيهما بحق ملايين البشر فقد كان تأمين احترام حقوق الإنسان من اهم الأهداف الرئيسية لقيام هذه المنظمة حيث تحدث ميثاقها عن ( حق تقرير المصير) الذي هو أساس لحقوق الإنسان جميعها. كما جاءت أهداف الأمم المتحدة لتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين
ويأتي في مقدمة المصادر العالمية لحقوق الإنسان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948. هذا الإعلان وإن كان ذو طابع أدبي غير ملزم إلا أنه من المستقر عليه دولياً أن مبادئ هذا الإعلان تدخل في قواعد القانون الدولي العرفي التي استقرت في وجدان وضمير البشر، وتعتبر قواعد دولية آمرة لا يجوز انتهاكها بصرف النظر عن قبول الدول به من عدمه.
المواثيق الإقليمية: وهي تلك المواثيق التي تخاطب نطاقاً إقليمياً محدداً أو مجموعة جغرافية خاصة غالباً ما يجمعها جامع ثقافي متميز عن غيرها رغبة من تلك المجموعات في التأكيد على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية وإكسابها طابعاً إلزامياً إقليمياً أكثر إلزامية مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، بالإضافة إلى تضمين المواثيق الإقليمية حقوقاً جديدة لم تتضمنها المواثيق العالمية استجابة لاعتبارات الخصوصية الثقافية الإقليمية. و تنص هذه المواثيق على مبادئ حقوق الإنسان محل الحماية التي تتفق في مجملها مع المبادئ والمعايير الدولية وإن عكست خصوصية كل مجموعة إقليمية بالتركيز على أنواع معينة من الحقوق. ومن أهم المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان “الميثاق الأوروبي ، والميثاق الأمريكي، والميثاق الأفريقي ثم الميثاق العربي لحقوق الإنسان”.
المصادر الوطنية: وهي التشريعات الوطنية التي تنص على مبادئ حقوق الإنسان. وتأتي في مقدمة هذه المصادر الدساتير الوطنية التي لا يخلو أي منها من فصل خاص بالحقوق والحريات الأساسية. وتتوزع مبادئ حقوق الإنسان بين مختلف فروع التشريع العادي. فقانون العقوبات يضع النصوص العقابية التي تجرم انتهاكات حقوق الإنسان وتعاقب عليها.
وقانون أصول المحاكمات الجزائية يتضمن النصوص الخاصة بحقوق وضمانات المتهمين في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة ،وقوانين الأحزاب والمشاركة السياسية وغيرها تتضمن الحق في المشاركة السياسية، وقوانين الجمعيات تنظم حق تكوين الجمعيات، وقوانين المطبوعات والصحافة تنظم الحريات الصحفية وقوانين التعليم والإسكان والرعاية الصحية والنقابات تنظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. الخ ..
ختاماً يمكن القول أن حقوق الإنسان هي كما قال عنها “زكريا المصري” بأنها هي المعايير الأساسية التي لا يمكن للناس، من دونها أن يعيشوا بكرامة كبشر، و أنها أساس الحرية والعدالة والسلام، وأن من شأن احترام حقوق الإنسان أن يتيح إمكانية تنمية الفرد والمجتمع تنمية كاملة وتمتد جذور تنمية حقوق الإنسان في الصراع من أجل الحرية والمساواة في كل مكان من العالم.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان