الحماية الجنائية للآثار في القانون المصري، فجريمة سرقة الآثار في القانون المصري ، وجريمة تهريب الآثار، وأركان جريمة تهريب الآثار وجريمة الإتجار في الآثار، وجريمة تزوير الآثار، وجريمة إتلاف الأثار وعقوبات وجريمة التنقيب المخالف لقواعد الترخيص، لذلك سوف نجيب علي هذه التساؤلات فيما يلي :
باتت حمى البحث عن الثراء السريع عبر التنقيب الشعبي عن المقابر الفرعونية في باطن الأرض صداعاً يؤرق الأجهزة الأمنية يومياً بكافة المحافظات المصرية، خصوصاً في صعيد مصر، إذ انتشرت الظاهرة داخل المنازل القديمة بالمناطق القريبة من المعابد الأثرية.
ورغم تجريم التنقيب عن القطع الأثرية والذهب فإن الكثيرين بالمجتمع لا يزالوا يعتقدون أنه حق مشروع لصاحب الأرض. وطبقاً للإحصاء الرسمي لوزارة الداخلية المصرية، بلغ عدد قضايا التنقيب وحيازة الآثار حتى يونيه الماضي فقط 3364 قضية، مما يعكس حجم الشغف لبعض المواطنين في البحث عن الآثار
ازدادت ظاهرة التنقيب عن الآثار خلال فترة الانفلات الأمني، التي تلت ثورة يناير، سواء من قبل عصابات منظمة، للتنقيب عن الآثار، والإتجار بها، أو بشكل فردى من قبل أشخاص يقومون بالتنقيب خلسة، تحت منازلهم أو في محيطها، بحثاً عن الثراء السريع، من دون بذل مجهود.
- يحدث ذلك خاصة في المحافظات الجنوبية، التي اشتهرت بوجود الكثير من الكنوز الفرعونية، مثل محافظات الأقصر، وقنا، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط. وجاءت محافظتا القاهرة والجيزة فى المرتبة التالية، ضمن المحافظات الأكثر بحثاً عن الآثار من قبل أهال. وتركز التنقيب بها فى منطقة الجمالية، المليئة بالكنوز الأثرية، وتلتها حلوان، والمطرية، وعين شمس، ومصر القديمة، والخليفة، والمقطم، والزيتون، والمرج. وبالنسبة لمحافظات الوجه البحري، جاءت الإسكندرية فى المرتبة الأولى، ثم الشرقية، والدقهلية، فالمنوفية. والمحافظات التى يتم تهريب الآثارمن خلالها هى بورسعيد، ومطروح، والإسكندرية، حيث تهرب عن طريق الموانى.
- والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: لماذا يلهث الناس فى الحقبة التاريخية التى نعيشها وراء حلم الثراء السريع؟ هل لحالة الانفلات الأخلاقى التى يعيشها المجتمع على كل الأصعدة؟ هل لتغير المعايير الدينية فى أذهان الناس؟ أم لأنهم يعلمون أن معظم هذه القضايا يتم الحكم فيها بالبراءة، لوجود ثغرات فى قانون حماية الآثار القديم؟ أم أن ما يشجعهم على ذلك هو الفتاوى التى يصدرها لهم شيوخ الضلال بأن التنقيب عن الآثار حلال، على أساس أنها من الركاز، والركاز هى أموال الكفار الذين كانو قبل الإسلام؟.
أولاً: فى الوقت الذى تعمل فيه الدول على التعظيم من قيمة أملاكها الثقافية والتراثية، والحفاظ عليها من خطر الإهمال أو العبث أو السرقة، لا يسعى هؤلاء الأفراد سوى عن البحث عن مصلحة مادية خاصة، ولا يستطيع أن يتذرع هؤلاء بأن العوز هو من دفعهم إلى ارتكاب هذه الجريمة. فالتنقيب عن الآثار يحتاج إلى معدات غالية الثمن، فالذى يستطيع توفير هذه الأموال، الذى اشترى بها معدات التنقيب، كان من الأولى له استثمارها فى مشروع، يعود عليه بالرزق الحلال، بعيدا عن الشبهات، ولكنه الطمع والرغبة فى الوصول للثراء، من دون بذل مجهود. ولا يتوقف هؤلاء الأشخاص لحظة ويسألون أنفسهم: لماذا تدفع الدول كل هذه المبالغ، حتى يتم تهريب هذه القطع الأثرية إليهم؟.
- الواقع أن هذه الآثار تهرب وتباع فى مزادات علنية فى الخارج، وليس للدولة المصرية أى حق فى عودتها، لأنها غير مسجلة، ولا تمتلك الدولة دليلا على أنها خرجت بطريقة غير شرعية. وحين يتم اكتشاف آثار مصرية مهربة فى الخارج، يطلب الجانب الأجنبى إثبات أنها آثار مصرية. فإذا كان أثراً فرعونياً مثلاً، فماذا يكون إن لم يكن مصرياً؟ ، فهو مصرى بالضرورة، فيرد حينها الجانب المصرى بأنها آثار مصرية، ولكنها غير مسجلة، فيعطى الجانب الأجنبى حينها لنفسه شرعية زائفة، لبيعها فى مزاد علنى.
- والسبب فى ذلك يرجع إلى عدم النص فى اتفاقية “الويبو”، الخاصة بحماية الملكية الفكرية، على حقوق الملكية الفكرية للآثار. لذلك، فإن حقوق الآثار ضائعة دولياً، فقد حرصوا فى هذه الاتفاقية على حماية الجانب الذى تتفوق فيه الدول الغربية، من صناعة، وابتكارات، وفنون، وآداب، وتجاهلوا الجانب الذى يتفوق فيه الشرق، وهو الجانب الحضارى، حتى يستمر نزيف تهريب الآثار المصرية، التى تملأ المتاحف العالمية، ويربحون من ورائها المليارات لكونها آثارا مصرية، حيث لا يقبل أى سائح على زيارة المتاحف إلا لكونها تحتوى على آثار مصرية. لذلك على الدولة المصرية أن تسعى لتعديل بنود هذه الاتفاقية، لأنها تعد أهم الوسائل لوقف نزيف تهريب الآثار إلى الخارج، وعدم إمكانية استردادها. ثانيا: الجانب الذى يخص معظم هذه القضايا أن الحكم فيها يتم بالبراءة فى الفترة السابقة. فظنى أن هذا الوضع سيتغير فى الفترة القادمة، بعد أن أحكمت الدولة قبضتها على تجار الآثار، والأشخاص الذين ينقبون عنها أسفل منازلهم بشكل غير مشروع، من خلال تعديل قانون حماية الآثار، وتغليظ العقوبات على تجار الآثار، وسد الثغرات التى كان يستغلها الأفراد فى قانون ۱۱۷ لسنة ۱۹۸۳. ففيما يخص تجار الآثار، يفرض القانون “عقوبة السجن المؤبد، وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على عشرة ملايين، على كل من قام بتهريب أثر إلى خارج مصر مع علمه بذلك، ويحكم فى هذه الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة، والأجهزة، والآلات، والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس الأعلى للآثار، وذلك دون الإخلال بحقوق الغير حسن النية”.
أما فيما يخص الأفراد الذين يقومون بأعمال التنقيب، فقد نص القانون على “أن تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن ۵۰۰ الف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، على شخص هدم، أو أتلف عمدا أثرا منقولا، أو ثابتا، أو شوهه، أو غير معالمه، أو فصل جزءا منه عمدا، وكذلك كل من أجرى أعمال الحفر، بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص، على أن يتم فى هذه الحالة التحفظ على موقع الحفر، لحين قيام المجلس الأعلى للآثاربإجراء أعمال الحفر على نفقة الفاعل”.. بهذا يكون قد اكتفى المشرع بمجرد أن يكون الحفر بقصد البحث عن الآثار، والحصول عليها، لوجوب استحقاق فاعلها للعقوبة المقرر فى نص المادة. وبهذا، لن يستطيع شخص أن يفلت من العقاب، و يحصل على البراءة فى مثل هذه القضايا، والتذرع بأن الشخص حفر فى منطقة ليست مسجلة بأنها منطقة أثرية.
ثالثاّ: فيما يخص الجانب الدينى فى القضية، فبعض الشيوخ الضالين والمضلين، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، يفتون الناس بأن التنقيب عن الآثار وبيعها لا إثم فيه، وهو حلال شرعا، وهذه الفتوى منتشرة على المواقع الإلكترونية، وأهمها موقع “إسلام ويب”، وللأسف هو الأكثر انتشارا ، وهذه الفتوى متاحة لكل من يرغب فى الاطلاع عليها، ونص هذه الفتوى كالتالى ” لا حرج على المسلم فى البحث والتنقيب عن أموال الكفار، الذين كانوا قبل الإسلام ، أو أمتعتهم فى أرض مملوكة له، أو ليست مملوكة لأحد. ومن عثر على شىء من ذلك – مما يباح اقتناؤه وبيعه –(شرعا من وجهة نظرهم)، فيجب عليه أن يخرج خمسه، ويصرفه فى مصارف الزكاة، وما بقى بعد الخمس فهو له، يتصرف فيه بما أحب من البيع والتجارة، ولا عبرة بقانون يمنع من ذلك”، وهذا بلاغ للسلطات المختصة فى هذا الموقع وأمثاله.
وعليه، فإن على الدولة بكل مؤسساتها أن تعمل على إحكام السيطرة والرقابة وإنزال العقاب على كل من يتجاوز تجاوزا يشكل جريمة عبر الفضاء الإلكتروني، فقد بات يشكل خطورة حقيقية، ليس فيما يخص مسألة ترويج الأفكار المتطرفة والتكفيرية فحسب، ولكن فى الترويج لشتى أنواع الجرائم، وأهمها الإتجار فى الآثار، فهى تعد مسألة أمن قومى من الطراز الأول.
ونحن ننتظر من المؤسسة الدينية الرد الشافي والوافي فى هذه المسألة، وتفنيد حجج شيوخ الضلال، وليس فتوى مقتضبة، لتوضيح الفرق بين الركاز والآثار، وتوضيح مدى صحة حديث الركاز من عدمه، والتوضيح للعامة أنه مرتبط بعصره، ولا يجوز تطبيقه على عصرنا، حيث وجود دولة ومؤسسات، ومفاهيم مغايرة عن الوضع الذى قيل فيه، فإن التراث الثقافى والحضاري ملك للبشرية، وترعاه وتحفظه الدولة، ولا يجوز أن يمتلكه أفراد لتحقيق ثروة خاصة.
بل إن معظم حالات التنقيب عن الآثار لا تسفر عن العثور على أي مقابر فرعونية، لأن القائمين غالباً ما يكونون من “النصابين والدجالين”، بينما ترتفع نسبة حوادث الانهيارات الداخلية، مخلفة عشرات القتلى والجرحى. أن الحلول الأمنية في التعامل مع ظاهرة التنقيب عن الآثار وحدها لا تكفي، فلا بد من تغيير قناعة المجتمع بأن التنقيب عن الآثار والإتجار بها جريمة في حق التراث والحضارة.
ضاعفت عمليات التنقيب غير الشرعي عن الآثار في مصر، لاسيما في محافظات الصعيد جنوب القاهرة، بسبب تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) في البلاد.
وحررت وزارة الداخلية، في الفترة من مطلع مارس حتى نهاية يونيه من العام الجاري، نحو 8960 محضرا عن عمليات تنقيب غير شرعي عن الآثار في محافظات الصعيد، مقابل 4115 محضرا تم تحريره طوال العام 2020، وتنتشر ظاهرة التنقيب السري عن الآثار أسفل المنازل لا سيما في محافظات الصعيد، وقادت هذه العمليات في بعض الأحيان وزارة الآثار إلى اكتشافات أثرية مهمة، بعد أن نجحت أجهزة الأمن في كشف هذه العمليات. أن “الأجهزة الأمنية تتلقى يوميا بلاغات وإخطارات عن محاولات التنقيب غير الشرعي عن الآثار في محافظات صعيد مصر، خاصة في المناطق القريبة من المواقع الأثرية في محافظات الأقصر وقنا وسوهاج وأسوان”.
أن “تسريح آلاف العاملين بالقطاع السياحي والعمالة الموسمية بسبب أزمة فيروس كورونا تسبب في زيادة محاولات التنقيب غير الشرعي عن الآثار، وذلك وفقا لأرقام المحاضر التي حررتها وزارة الداخلية منذ ظهور (كوفيد-19)”.
ومع انتشار الظاهرة، ظهرت عصابات محترفة تستخرج الكنوز الأثرية وتهربها خارج البلاد، كما يشير ضياء الهاشم، الباحث في شؤون الآثار، ومن بين تلك العمليات ما كشفت عنه السلطات المصرية من قطع أثرية مهربة شملت 21.660 عملة معدنية أثرية، و195 قطعة أثرية، منها 151 تمثالاً أوشابتي صغير الحجم من الفاينس، و11 آنية فخارية، و5 أقنعة مومياوات بعضها مطلي بالذهب، وتابوت خشبي، ومركبان صغيران من الخشب، ورأسا كانوبي، قضت على أثرها محكمة جنايات القاهرة، في فبراير (الماضي، بالحكم على المسؤولين عن تهريبها بالسجن 30 عاماً.
أن “القائمين على التنقيب غير الشرعي عن الآثار لديهم هوس البحث عن الثراء السريع، كما يلعب الدجل والشعوذة دورا كبيرا في إقناع الضحايا بالتنقيب أسفل منازلهم القديمة”.
أن “أغلب عمليات الحفر داخل المنازل القديمة تسفر عن وقوع عشرات الضحايا والمصابين، خاصة أنها تتسبب في انهيار تلك المنازل والمنازل المجاورة لها بسبب الحفر العميق وغير المدروس من قبل المنقبين”. اكتشاف توابيت يقدر عمرها حوالي 2500 سنة في سقارة بمحافظة الجيزة، على بعد 30 كيلومترا جنوب القاهرة، مصر 3 أكتوبر 2020
أن “أعمال التنقيب غير الشرعي عن الآثار تعد جريمة ضد الحضارة المصرية، التي هي أغلى ما يملكه الشعب المصري”، مشيرا إلى أن “هذه العمليات تتاجر بالإرث الحضاري للمصريين، ما يتسبب في حزن شديد للشعب خاصة عندما يرى آثاره معروضة للبيع في المزادات بعد تهريبها بشكل غير شرعي للخارج”.
وكثيرا ما طالبت وزارة الآثار المصرية، بوقف بيع قطع أثرية فرعونية معروضة في صالات مزادات في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت بالفعل في إعادة بعضها للقاهرة. ويعد تهريب القطع الأثرية عبر الحقائب الدبلوماسية أشهر وسائل التهريب، وفقا للمصدر الأمني الذي أكد أن “وزارة الداخلية وأجهزتها لا تبخل بأي جهد لمواجهة جرائم التنقيب غير الشرعي وتهريب الآثار، بالتنسيق مع كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية، وذلك لمنع تهريب القطع الأثرية المصرية لخارج البلاد”.
إن “المؤشر العام يوضح أن تفشي فيروس كورونا داخل مصر ساهم بنصيب كبير في زيادة معدلات التنقيب عن الآثار في محافظات الصعيد، بعد تسريح آلاف العاملين في القطاع السياحي”.أن “إحصائية وزارة الداخلية تؤكد أن هناك 3364 حالة تنقيب عن الآثار خلال شهر يونيه الماضي فقط”.
أن “الحلول الأمنية لوحدها لا تكفي لمواجهة هذه الظاهرة، لأن هناك قناعة لدي المجتمع المصري بأن التنقيب عن الآثار ليس جريمة”، ودعا إلى “ضرورة تغيير الخطاب الديني في ظل فتاوى التيارات السلفية المتشددة، التي ترى جواز الانتفاع بالمقابر الأثرية طالما تقع في ملكية صاحب الأرض”. أن “هناك تنسيقا بين وزارة الداخلية والإنتربول الدولي لاستعادة الآثار المسروقة والمهربة، التي خرجت من مصر بطرق غير شرعية”.
علماء آثار مصريون يرتدون الكمامات الحماية من عدوى كورونا، خلال ترميم التابوت الذهبي للفرعون توت عنخ آمون (الذي حكم بين 1342 إلى 1325 ق.م.) في معمل الترميم بالمتحف المصري الكبير، الذي شيد حديثا في الجيزة بضواحي القاهرة ، 13 أبريل 2020.
أن “إغلاق المناطق الأثرية خلال أزمة فيروس كورونا شجع بعض المقيمين في محيط هذه المناطق على التنقيب غير الشرعي عن الآثار أسفل منازلهم خلال ساعات الليل المتأخرة”.
أن “يقظة الأجهزة الأمنية نجحت في كشف المئات من تلك المحاولات”، مشيرا إلى أن “وزارة الآثار عملت خلال الفترة الأخيرة علي رفع الوعي الأثري من خلال التثقيف الشعبي بأهمية الحفاظ علي الآثار المصرية من خلال عقد ندوات توعوية بالجامعات والمدارس ومراكز الشباب”.
أن 99 % من حالات التنقيب عن الآثار لا تسفر عن العثور على أية آثار فرعونية، بينما ترتفع نسبة حوادث الانهيارات الداخلية بسبب الحفر العميق داخل الأرض، مخلفة قتلى وجرحى.
أن “انخفاض معدلات التعليم والوعي بين بعض طبقات المجتمع” وراء انتشار ظاهرة التنقيب عن الآثار في مصر. إن “التنقيب الشعبي عن الآثار بات ظاهرة متزايدة ومؤرقة للأجهزة الأمنية.. ورغم تجريم التنقيب عن الآثار إلا أن قناعة المجتمع الصعيدي مازالت ترى أن التنقيب الشعبي عن الآثار حق مشروع لصاحب الأرض”.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان