ساهم ضعف سياسات التنمية في مصر إلى تعثر مسيرتها، وتضخم بعض المشكلات المجتمعية، ولعل من أصعب المشكلات التي ترتبت على ذلک هي مشكلة العشوائيات، فقد أدى تجاهل ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف للمدن الكبرى بحثاً عن حياة معيشية أفضل، إلى النمو العشوائي للمناطق السکنية وتراكمت آثارها السلبية في مصر، ولم تجدي المحاولات المختلفة خلال الحقبة الزمنية السابقة على ثورة 30 يونيو لوقف تمددها وعلاج آثارها وتطويرها . وقد يرجع ذلک إلى إغفال الأبعاد المختلفة للتنمية المستدامة لهذه المناطق.
ساهم ضعف سياسات التنمية في مصر إلى تعثر مسيرتها، وتضخم بعض المشكلات المجتمعية، ولعل من أصعب المشكلات التي ترتبت على ذلک هي مشكلة العشوائيات، فقد أدى تجاهل ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف للمدن الكبرى بحثاً عن حياة معيشية أفضل، إلى النمو العشوائي للمناطق السکنية وتراكمت آثارها السلبية في مصر، ولم تجدي المحاولات المختلفة خلال الحقبة الزمنية السابقة على ثورة 30 يونيو لوقف تمددها وعلاج آثارها وتطويرها . وقد يرجع ذلک إلى إغفال الأبعاد المختلفة للتنمية المستدامة لهذه المناطق.
ولا شک أن مشكلة العشوائيات من المعضلات الضخمة في مصر ومن أکثر القضايا إلحاحاً، نظراً لما لها من انعكاسات سلبية اجتماعية واقتصادية وأمنية، تهدد أمن واستقرار المجتمع . لقد أصبحت مشكلة العشوائيات من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المصري في الآونة الأخيرة نظراً لانعكاساتها السلبية، فضلاً عن تشويه الشکل الحضاري لمصر واستغلال البعض في الخارج إعلامياً للإساءة إلى المجتمع المصري والحکم عليه بالارتجالية، وتدنى نوعية الحياة وعدم الالتزام بالقانون، وانعدام القيمة الجمالية في حياتنا، وقد اتضح ذلک جلياً بعد أحداث ثورة 25 يناير 2011 وما شهدته البلاد من فوضى وسرق ونهب وحرق لممتلكات الدولة .
ولا ننکر أن الفساد الإداري قد ساهم في استمرارها وانتشارها، وساعد على مخالفة القواعد والقوانين المنظمة للبناء مما شجع على تضخم المشكلة، علاوة على إعلاء الاعتبارات السياسية والرغبة في تحقيق مكاسب سياسية أدى إلى إمداد هذه المناطق ببعض الخدمات العامة رغم المخالفات الصريحة لسياسات البناء الآمن .
ويجب الإشارة إلى أنه بعد ثورة 25 يناير حدث أکبر نمو وتوسع للعشوائيات، مما دفع الحكومات المتتالية بعد 30 يونيو 2013 إلى توجيه الاهتمام لهذه المناطق والعمل على تنميتها، وتدعيم صندوق تطوير العشوائيات بالموارد المالية ليتمکن من إعداد البيانات والمعلومات عن طبيعة هذه الأماكن وسكانها واقتراح سياسيات التنمية لها وتدبير مساكن لإيواء سکان المناطق غير آمنه، کما تم تفعيل اتفاقية تطوير عشوائيات القاهرة والجيزة التي تم توقيعها بين “وزارة التخطيط والاتحاد الأوروبي في أغسطس 2012 “، والتي لم يکتب لها التفعيل الجاد . کما أنشأت وزارة لتطوير العشوائيات “وزارة التطوير الحضاري” عام 2014. يرجع تاريخ طرح مفهوم جديد للتنمية إلى مؤتمر البيئة الإنسانية عام 1972 بإستكهولم فقد ناقش هذا المؤتمر للمرة الأولى القضايا البيئية وعلاقتها بواقع الفقر وغياب التنمية في العالم، واستخدم مصطلح التنمية المستدامة في نقاشات مؤتمر الأمم المتحدة عام 1974 في کوکويوک- المکسيک الذي أکد على ضرورة وضع سياسات تهدف إلى إشباع أبسط احتياجات الدول الفقيرة والتحقق من حماية الموارد الطبيعية والمحافظة عليها وکذا حماية البيئة .
ثم شهدت فترة الثمانينات تزايد الاهتمام بتصاعد عدد الفقراء وتدهور الأوضاع البيئية، فطرح منهج التنمية المستدامة للمحافظة على الموارد البيئية للأجيال القادمة، وتنمية الموارد البشرية وتلبية الحاجات الأساسية على نحو أفضل، فأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1983 ” المفوضية العالمية للبيئة والتنمية ” رأستها رئيسة وزراء النرويج السابقة جرو هارلم برنتلاند وسميت ” مفوضية برنتلاند” .
وفى ديسمبر 1987 أقرت الجمعية العامة للمفوضية فى کتابها ” مستقبلنا المشترک ” أن التنمية المستدامة هى قضية أخلاقية وإنسانية بقدر ماهى قضية تنموية وبيئية، وقد تبنت الأمم المتحدة ما جاء فى التقرير بخصوص التنمية المستدامة، وأوصت المنظمات الحکومية وغير الحكومية وجميع الهيئات المهتمة بالتنمية باستخدام مفهوم التنمية المستدامة (تلبية حاجات الحاضر دون التفريط فى تأمين حاجات أجيال المستقبل) فى کافة برامجها التى تهدف إلى مكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة فى جميع الدول المتقدمة والنامية فى إطار دولي فعال.
وتعرف التنمية المستدامة بأنها : عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلک المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد فى نوعية الحياة لکل الأفراد، بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الاستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه ، بالصورة التي تکفل زيادة درجة إشباع تلک الحاجات.
ويمکن القول أن التنمية المستدامة بالمناطق العشوائية تهدف إلى التأثير على تطور الناس والمجتمعات بطريقة تضمن تحقيق العدالة وتحسين الظروف المعيشية دون التفريط فى حقوق الأجيال المستقبلية . وعليه فهى تسعى إلى تحقيق استقرار النمو السكاني ووقف تدفق الأفراد على المدن من خلال تطوير مستويات الخدمات الصحية والتعليمية فى الريف بما يضمن استدامة هذه الخدمات وجودتها مع تفعيل المشارکة الشعبية فى التخطيط للتنمية .
ودون الخوض فى المفاهيم المتعددة للتنمية المستدامة والتي اختلفت وفقاً لمجالات التخصص فهناک مجموعة من الخصائص التى تميزها عن صور ومفهوم التنمية التقليدي نوضح أهمها :
– أنها تعنى إحداث تغيرات فى جميع مجالات الحياة المختلفة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية والبشرية والبيئية بهدف تحسين نوعية الحياة باستدامة.
– هى تنمية دائمة تلبى أمانى وحاجات الحاضر والمستقبل فهي تسعى الى إنصاف من يعيشون اليوم من البشر ولا يجدون فرصاً متساوية مع غيرهم في الحصول على الموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية، والقضاء على التفاوت الصارخ بين طبقات الشعب المختلفة ، ولا تغفل فى نفس الوقت إنصاف الأجيال المقبلة والتي يجب أخذ مصالحها في الاعتبار.
– يتعدد الفاعلين الرئيسين فى تحقيق التنمية المستدامة إذ تستلزم التعاون بين کل من المؤسسات المختلفة للدولة سواء القطاع الحكومي أو الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني. -تتطلب وجود قواعد بيانات شاملة لتطور النمو السكاني واستخدام الموارد وغيرها من البيانات التي تساعد على وضع الخطط ( بصفة خاصة الخطط الاستراتيجية) لضمان الاستدامة ومن المُؤكد أن هذا الأداء الأقل من المتوسط على معظم الجبهات المعرفية، يتطلب إجراء تحليل أكثر عمقا للعناصر المؤثرة في معدلات الأداء. إذ يُشير تقرير البنك الأوروبي للتعمير والتنمية إلى أن هناك حاجة إلى تكثيف السياسات والبرامج التي من شأنها دعم الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال،
وزيادة كفاءة الأداء الحكومي ومنظومة التشريعات والقوانين، واستكمال التدابير والخطط الرامية إلى تحقيق متطلبات الاستقرار السياسي والأمني، كعناصر مؤثرة في المناخ المؤسسي والبنية التمكينية للاقتصاد المعرفي. ومن المهم، من ناحية أخرى، أن تركز مصر في المرحلة المقبلة على إكساب خريجي المنظومة التعليمية مزيدا من المهارات المعرفية والذهنية، وتبنى سياسات للتدريب وإعادة التأهيل في إطار استراتيجية معتمدة للتعلم مدى الحياة. كما يتعين أن توجه مصر جهودها إلى دعم «المنظومة الوطنية للابتكار» من خلال تنمية مدخلاته، وتحسين جودة مخرجاته، وتعظيم تأثيره التنموي، فضلا عن زيادة سبل ارتباطه بمؤسسات الإنتاج السلعي والخدمي، ومؤسسات البحث والتطوير الوطنية، وتفاعله مع العالم الخارجي.
ومن أجل تحقيق هذه التوجهات، يَتعين تبنى سياسات من شأنها الارتفاع بنصيب الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، وزيادة معدلات الإنفاق على البحث العلمي والابتكار بقطاع الأعمال الإنتاجي، وزيادة نسبة العمالة المعرفية والكوادر البحثية في قوة العمل الوطنية. ومن المطلوب من ناحية أُخرى، تشجيع الإنتاج البحثي التطبيقي لخدمة المجتمع ومتطلبات التنمية، وإيجاد البدائل الملائمة لتمويل براءات الاختراع،
وتبنى سياسات رامية إلى دعم الابتكار في قطاعات الإنتاج السلعي والخدمي، وتعظيم عائد الملكية الفكرية من التصاميم الصناعية، والعلامات التجارية، والبرمجيات ونظم المعلومات، والصناعات الثقافية والإبداعية، والأصول غير الملموسة الأخرى. كما يتطلب الأمر تكثيف السياسات الوطنية من أجل دعم التعاون البحثي بين الجامعات ومراكز البحث العلمي من ناحية، وقطاعات الإنتاج السلعي والخدمي من ناحية أخرى. وأخيرا، فإن بناء إطار مؤسسي لإنتاج ونقل وتوطين التكنولوجيات الحديثة، يُعد من العناصر الداعمة للتحول إلى اقتصاد المعرفة.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان