حديقة الحيوان بمحافظة الجيزة، والتي تم إنشاؤها عندما أمر الخديوي إسماعيل بإنشاء حديقة تحتوي على النباتات النادرة والطيور لتلطف جو القاهرة، بإشراف من متخصصين في تنسيق البساتين جلبهم الخديوي من الأستانة.
وعلي الرغم من أنها ثروة تراثية عالمية إلا أنها غير موجودة علي خريطة الأماكن السياحية في مصر ولم تهتم شركات السياحة بوضعها في جداول السياحة العائلية الترفيهية كمصدر دخل وعامل جذب سياحي.
وفي ظل هذه الإمكانيات المتاحة، للأسف لم يتم استغلال الحديقة على الوجه الأمثل، وهو ما يتطلب على وجه السرعة العمل على الاستغلال الأمثل لحديقة الحيوان كمزار سياحي وترفيهي يستقبل عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف المحافظات يوميًا.
ظلت الحديقة مسطحا أخضر بها بعض الأشجار النادرة وملاه للأطفال وكانت متنفسا هاما لأبناء المدينة إلى أن طالها الإهمال منذ قرابة ربع قرن من الزمان واستمر هذا الإهمال حتى الآن رغم أن قيمة أرضها تزيد على المليار جنيه حيث تبلغ مساحتها حوالى 11 ألف متر مربع وبات استغلالها وإعادة الحياة إليها مطلبا ملحا لأبناء المدينة.
وبعد عقود من الإهمال الطويل التفتت الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الإهمال الجسيم الذي تعاني منه تلك الثروة، فوافقت لجنة الصناعة بمجلس النواب المصري خلال العام الماضي على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الثروة المعدنية والقانون الصادر به رقم 198 لسنة 2014، بهدف وضع ضوابط واضحة لاستغلال ثروة مصر المعدنية من محاجر ومناجم وملاحات، بما يسمح بالاستغلال الأمثل لهذا المورد الطبيعية، ويحقق أكبر عائد ممكن لصالح الدخل القومي.
الأزمة الكبرى في مصر أن ثرواتها المعدنية بشكل عام والمحاجر بشكل خاص لا تتم الاستفادة منها، ولا تتحول تلك الثروة لصناعات هامة قادرة على إفادة خزينة الدولة، ولا يمكن الحصول على معلومات دقيقة عن حجم الدخل الذي توفره للبلاد أو الكميات التي نجحت مصر في تصديرها، رغم أن تلك الثروات تدخل في صناعات عدة يتعطش لها السوق المصري من ناحية، ويمكنها ضخ مليارات الدولارات إلى الدخل القومي لمصر من ناحية أخرى، إذا أحسن استغلالها.
والمطلوب هو تحويل تلك المواد الخام المتوفرة في مصر إلى صناعات متطورة يمكنها تصدير الزجاج والأدوية ومواد البناء وغيرها إلى السوق العالمي، مما ينقل الاقتصاد المصري نقلة نوعية إلى الأمام، ويساهم في القضاء على البطالة وتحقيق انتعاشة في الدخل المصري عبر ثورة صناعية قادرة على التحول إلى قاطرة تقود البلاد نحو مستقبل مشرق.
تقوم فكرة الاستثمار علي بناء الدولة اقتصاديا والعمل علي تحقيق التنمية وهو الذي يتعلق بالإنفاق على المشروعات في قطاعات المرافق العامة والبنية التحتية كتمديدات المياه والصرف والمخططات العمرانية البناء والإسكان والكهرباء والطاقة ومشروعات التنمية الاجتماعية كالتعليم والصحة والسياحة، بالإضافة إلى المشروعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي لإنتاج السلع والخدمات كالصناعة والزراعة، وتوظيف الأموال في مشروعات اقتصادية تعود بالمنفعة العامة على الاقتصاد القومي، مما يعود بالنفع علي المجتمع، هذا هو الاستثمار وبدون اضرار بالثروة الطبيعية بالطبع، مهما كان نوع هذا الاستثمار والمخاطر المحيطة به وان كان المستثمر يسعى دوما لتحقيق الاهداف الاقتصادية المنشودة،
بتحقيق أعلي عائد اقتصادي ممكن، فهدف المستثمر هو تحقيق الربح والعمل على استمرار المشروع الاقتصادي علي اي وجه من الوجوه، وضمان استمرارية الربح وزيادته دون النظر الي خسارة الثروة الطبيعية واستهلاكها
والتي تساهم في اقامة مشروعه أو هي عموده الفقري كما هو الحال في مشروعات البتروكيماويات التي تقوم بالأساس علي تبديد الطاقة سواء الغاز أو الكهرباء أو المياه واهدار الثروة الطبيعية الي جانب كمية التلوث الصناعي الناتجة من اقامة هذه المشروعات مع تبديد هذه الثروات الطبيعية واهدارها وبدون النظر الي الخسارة الناتجة عن التلوث سواء اكانت خسارة الثروة المائية
مُتمثلة في الثروة السمكية او ملوثات التربة التلوث الزراعي وما ينتج عنها من عمليات متتالية وهو ما يصيب الاقتصاد بالتدهور، ويصبح هدف الاستثمار هنا ليس التنمية بقدر ما هو اهدار الثروة والاستثمار الخاص الذي يقوم به اشخاص طبيعيون ومعنويون يسعون الى تحقيق الربحية المرتفعة دون النظر الي اي اعتبارات اخري.
كما هو الحال في الاستثمار الاجنبي وهو الاستثمارات الخارجية التي اصبحت من مصادر التمويل لمشاريع التنمية الاقتصادية في البلدان النامية ودول أوربا الشرقية وقد ساعد على تطور وتوسع دور الاستثمار الاجنبي في اقتصاد الدول النامية عوامل عديدة اقتصادية منها حاجة الدول النامية لرؤوس الاموال بهدف تحقيق مشاريع تنموية ووجود نقص هائل في العملة الأجنبية وغيرها من العوامل مما يجعل الدول التي تتلقي هذا الاستثمار تقوم بتقديم التسهيلات والمزايا والاعفاءات والضمانات لتشجيع وجذب رؤوس الاموال الاجنبية
والتي تؤدي الي اهدار كثير من الثروات الطبيعية لهذه الدول حسـب معيـار النشاط الاقتصادي سواء اكان استثمار زراعي أو صناعي أو خدمي فالاستثمار الذي يبدد الثروة الطبيعية هو هدم في اقتصاديات الدول علي المستوي البعيد طالما انه لا يحافظ علي الثروة الطبيعية ويعمل علي تبديدها واستهلاكها بالنظر الي هامش الربح والعائد من اقامة هذه المشروعات ولا يسعي الي إضافة طاقات إنتاجية جديدة إلى الأصول الإنتاجية الموجودة في المجتمع بإنشاء مشروعات تحافظ علي الثروة الطبيعية بدلا من استغلالها واهدارها ،
ويبقي نموذج مشروعات البتروكيماويات التي تحقق أعلي هامش ربح من استغلال الغاز والهواء والماء في مركب كيمائي، لإنتاج الأسـمدة الكيماويـة وهي مركبات كيماوية تُحضر صناعيا و تحتوي على عناصر غذائية للنبات منها الأسـمدة الآزوتيـة وهي التي تحتوي علي عناصر الأزوت (النتروجين) اليوريا والنشادر والأسمدة الفوسفاتية، لكن تأتي في المرتبة الأولي الاسمدة النيتروجينية حيث تُعدُّ الأمونيا المصدر الرئيسي لهذه الأسمدة وتصنع باتحاد النيتروجين الموجود في الهواء بالهيدروجين الموجود في الغاز الطبيعي أما ما ينتج عنها من تلوث فهو لا يحتاج الي دليل،
إن استخدام الأسمدة يؤدي إلى تلوث الماء بالقطع حيث يُحمل السماد إلى المصارف أثناء انجراف التربة، وتزيد العناصر الغذائية من نمو الطحالب مما تُخلِّف نفايات تعمل على استهلاك الأكسجين عند تحللها، وينتج عن ذلك موت الأسماك والنباتات
وتظل الأثار البيئية السلبية نتيجة إحداث تراكمات مختلفة من المواد الكيماوية وحدوث تفاعلات عديدة تترك خلالها آثاراً سلبية على عناصر البيئة الثلاثة الماء والهواء والتربة مع زيادة النمو الخضري واصابة النباتات بالأمراض مثل نمو الأدغال وتلوث المياه الجوفية المستعملة لأغراض الشرب والسقي للمزروعات والحيوانات.
كالكميات الزائدة من النترات التي تؤدي الي تقليل الإزهار وتأخير النضج وكذلك تلوث الجو وتأثيراتها السلبية فضلاً عن اهدار كميات كبيرة من المياه مما يسبب خسارة اقتصادية كبيرة جراء رفع تكاليف الإنتاج بدون مبرر ويصبح الفائض الاقتصادي هو خسارة من جانب اخر لا تعادل هامش الربح ،
كما أن الملوثات لهذا النوع من الاستثمار يؤدي إلى مشاكل بيئية عديدة أخرى منها الارتفاع في تركيز النترات في المياه الجوفية كونها ايونات متحركة مما يؤدي لتسربها إلى اعماق بعيدة في التربة يسبب أمراضا للنبات والحيوان وبالضرورة للإنسان) وتظل الأسمدة النيتروجينية خاصة مركبات الأمونيوم مسئولة بشكل مباشر عن الأضرار البيئية والتي لا تحافظ على التوازن في العناصر الغذائية وخاصة في التربة الملحية.
كما هو الحال في دمياط ، واستخدام مادة اليوريا علي الرغم من الحقائق العلمية التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك خطورة هذه المادة علي صحة الإنسان كمادة مسببة للسرطان, وعلي النباتات, ومزارع الأسماك التي تستخدم اليوريا مضافة إلي غذاء الأسماك, فإن مصر مازالت تعتمد عليها كسماد وتنتج شركات مثل شركة مصر لإنتاج الأسمدة المعروفة ب موبكو كميات هائلة منها
وتعتبر ان ذلك الاستثمار هو فائض اقتصادي مُذهل بينما المردود والعائد الاقتصادي من التلوث وحده يسبب خسارة فادحه علي الاقتصاد القومي علي المدي البعيد بخسارة التربة واهدار الثروة المائية، حيث تستخدم موبكو المياه العذبة المرشحة في تشغيل وانتاج اليوريا والامونيا، الي جانب محطة مياه من النيل مباشرة الي التصنيع ،
مما يعد اهدار اموال عامه، ويعني المال العام مختلف الثروات التي يملكها الشعب وتقوم الدولة بإدارتها ، فماهية هذه الثروات مُختلف الثروات الطبيعية كالثروات المائية وثروات باطن الأرض والغابات والنباتات والرمال. وتدخل ضمن هذه الثروات الممتلكات العمومية التي تمتلكها الدولة، الي جانب تفويت مبالغ خيالية علي الدولة من الخدمات المقدمة لهذا الاستثمار كأسعار الغاز والكهرباء واستغلال المرافق العمومية واسعار الارض المقام عليها المشروعات وغيرها التي تستغل المرافق العمومية
و تستغل الثروات الطبيعية بحرمان الشعب من العائدات التي تدرها هذه المرافق ، هناك أيضا القروض التي تقترضها هذه المؤسسات باسم الشعب وتسدد من أموال الشعب. وهي كما نعرف في شركة مثل موبكو تتجاوز فوائدها السنوية ( فوائد القروض ) 50مليون جنيه سنويا ، إن كل هذا الاستغلال والإهدار للطاقة والمال العام وحساب ما يسببه من خسارة فادحة علي الاقتصاد القومي ليترك كثير من علامات الاستفهام والشك في الجدوى والقيمة الاقتصادية التي تقدمها هذه المشروعات
وما يعود علي المواطن منها ازاء تراجع اسعار هذه المنتجات مثلا كما أنها لا تستطيع فعل أي شيء إزاء تراجع الاقتصاد العالمي وانخفض الطلب على منتجاتها . فتذبذب أسعار هذه المنتجات وبالتالي تذبذب الأرباح …
يؤثر في هذا النوع من الاستثمارات …… ويبقي السؤال المطروح هل الجدوى الاقتصادية من مشروعات تهدر الثروة وتبدد المال العام ، باستثمارات أجنبية هي الاقرب للاقتصاد القومي في الوقت الراهن ؟ وهل نحن بحاجة لمثل هذه المشروعات التي تقوم علي التلوث، مقارنة بمشروعات مثل قناة السويس الجديدة علي سبيل المثال ،
إن الاقتصاديات الوطنية تلك التي تحافظ علي الثروات الطبيعية هي التي علينا الحفاظ عليها ومساندتها لأنها تخدم الطاقة الانتاجية وتحرص كل الحرص علي الثروة التي هي ملك للشعب وللشعب وحده دون منازع بلغت واردات مصر من الحديد المسلح عام 2016 نحو 1.8 مليون طن بقيمة مليار دولار، طبقا لإحصائيات غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات .
بينما نمتلك احتياطيات الحديد تقدر بحوالي ٤٠٠ مليون طن في أسوان، والواحات البحرية، والصحراء الشرقية ويشير الخبراء الى سهولة استخراجه لأنه موجود بالقرب من سطح الارض. وقف الاهدار والاستثمار الصحيح للثروات الطبيعية والبشرية يحتاج إدارة مستقرة وقوية تتمتع بالخبرة والاخلاص . فهل نحن فاعلون؟!.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان