القذف في جميع حالاته جريمة عمدية ولذلك يتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي وقد استقر القضاء على اعتبار القصد المتطلب في القصد قصدا عاما فاذا كان القذف متطلبا القصد في جميع صوره فمؤدى ذلك ان الخطأ غير العمدى في اجسم صوره لا يكفى لقيامه ولقد قيل ان عناصر القصد لابد ان تنصرف الى جميع اركان الجريمة أن النصوص القانونية تمثلت في المادة 302 من قانون العقوبات التي تنص على أنه ” يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة أحدي الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عن أهل وطنه” .
ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفه نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل أسنده إليه ، ولا يغني عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل “.
وتنص المادة 308مكررا من قانون العقوبات على أنه “كل من قذف غيره بطريق التليفون يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 302 وكل من وجه إلي غيره بالطريق المشار إليه بالفقرة السابقة سبا لا يشتمل علي إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجها من الوجوه خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب بالعقوبة المنصوص في المادة 306 وإذا تضمن العيب أو القذف أو السب الذي أرتكب بالطريق المبين بالفقرتين السابقتين طعنا في عرض الإفراد أو خدشا لسمعة العائلات يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 308 مادة 309 لا تسري أحكام المواد” .
وتنص المادة 70 من القانون رقم 10 لسنة 2003 بشأن إصدار قانون تنظيم الاتصالات أن “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في المواد التالية بالعقوبات المقررة فيها” .
كما أنه من المقرر بنص المادة 76/2 من ذات القانون “مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات” .
أنه من المستقر عليه فقهاً أن “الفقرة الثانية من المادة 76 من القانون جرمت فعل الإزعاج العمدي أو المضايقة المتعمدة للغير عن طريق إساءة استعمال أجهزة الاتصالات والمقصود بالإزعاج أو المضايقة هنا هو أن يقوم أحد الأشخاص باستعمال أجهزة الاتصالات بطريقة يزعج بها الطرف الآخر أو يضايقه وجرم المشرع هذا الفعل،
إذا ما وقع عن طريق أي جهاز اتصالات سواء كان التليفون أو جهاز الحاسب الآلي المستقبل للبيانات والمعلومات أو البريد الإلكتروني أو الرسائل الإلكترونية أو الإنترنت أو الاتصال التليفزيوني أو غيرها من وسائل الاتصالات الأخرى فأي إزعاج أو مضايقة تتم عبر جميع هذه الأجهزة يشكل جريمة طبقاً للمادة 76 في فقرتها الثانية من قانون الاتصالات فمن يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الإنترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاج أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكبا لهذه الجريمة
وعلى القاضي تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجا أو مضايقة للمتلقي من عدمه فهي مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى حالة أخرى تنص الفقرة الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات على أنه : “ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامه لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وبشرط ان يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل اسند اليه” .
ومن ثم فان القانون يشترط لعدم العقاب على القذف الموجه إلى الموظف أو من هو في حكمه توافر ثلاثة شروط :
الشرط الاول :- هو حسن النية
الشرط الثاني:- ان تكون العبارات خاصه بأعمال الوظيفة
الشرط الثالث :-إثبات صحة وقائع القذف كلها.
عدا ان تعلق القذف بموظف عام او زي صفة نيابية يختلف لما يتم تقديره في محكمة النقض اذ جاء في حكمها انه ” يشترط قانوناً لأباحه الطعن المتضمن قذفاً و سباً في حق الموظفين ان يكون صادرا عن حسن نية عن اعتقادا بصحة وقائع القذف و لخدمة المصلحة العامة “
( مجموعة احكام النقض س 20 ق 96 ص 458 ، س 8 ق 37 ص 122 )
اذا فلا بد من توافر القصد لتعيين جريمة القذف فالقصد هنا قصد خاص بغرض الاساءة . اذ انه لا يكفي القصد العام و حده لتتوافر جريمة القذف بل يجب ان يتم اثبات ان المتهم كان دافعه من اسناد الواقعة للمجني عليه الاساءة فقط اليه .
و هذا ما استقر عليه قضاء النقض في ان ” كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو ان يكون الطعن عليها صادر عن سلامة نية اي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف و لخدمة المصلحة العامة لا عن قصد التشهير و التجريح شفاء لضغائن او دوافع شخصية .
( مجموعة احكام النقض س 17 ق 19 ص 106 ، و س 21 ق 92 ص 273 )
و عليه فان القصد الجنائي لا يتوافر بمجرد توافر الركن المادي بل يجب البحث في جميع ظروف الدعوي ككل حتي يتبين قصد القاذف من كونه للمصلحة العامة ام لمجرد الاساءة لشخص المجني عليه .
الا ان قانون العقوبات قد اختص من جرائم القذف الطعن الواقع علي الموظف العام او الاشخاص ذوي الصفة النيابية وذلك طبقا لنص المادة 302 منه علي اباحة هذا الطعن عند توافر شروط ثلاثة هي :
الأول: ان يكون الطعن قد وقع بسلامة نية اي لمجرد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة الطعن و قت إذاعته .
الثاني : الا يتعدى اعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة .
الثالث : ان يقوم الطاعن بأثبات حقيقة كل امر اسند الي المطعون فيه .
( نقض 8/5/1944 مجموعة القواعد القانونية ج6 ق 350 ص 483 ) ، ( نقض 22/5/1939ج4 ق 398 ص 557 ) .
و بتطبيق الشروط السابقة علي وقائع دعوانا الماثلة ينجلي لنا توافرها في حق المتهم وذلك طبقاً لما يأتي 1. المدعي بالحق المدني شخص ذي صفة نيابية يؤدي اعمالاً اجتماعية تهم المجتمع لذا اباح القانون الطعن علي اعماله ابتغاء تحقيق المصلحة العامة .
- الوقائع المسندة الي المدعي بالحق المدني من الاعمال المتعلقة بأعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة وحياة الموظف العام او من في حكمه تنقسم الي جانبان :
الاول منهما و هو الجانب العام و تعلق بأعمال الوظيفة او النيابة او الخدمة العامة و هو جانب من مصلحة المجتمع معرفته لتأثيره علي المصلحة العامة .
أما الجانب الثاني و هو الجانب الخاص اي المتعلق بحياته الشخصية كونه فردا عاديا في كل ما يتعلق بتنظيم حياته العائلية علي انه يصعب التمييز بين الاعمال – في بعض الاحوال – التي تدخل في نطاق الوظيفة العامة وتلك المصلحة بالحياة الخاصة للموظف العام و من في حكمه لما قد يكون بينهما من ارتباط وثيق .
و تقدير توافر ذلك الارتباط هو امر يدخل في نطاق السلطة التقديرية لقاضي الموضوع تبعا لظروف كل دعوي علي حدة و تحت رقابة محكمة النقض .
- توافر حسن النية في المتهم ، وقد قضت محكمة النقض في هذا الصدد بان ” حسن النية ليس بالمعني الباطني بقدر ما هو موقف او حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف يتشوه حكمه علي الامور ، رغم تقديره لها تقديراً كافياً و اعتماده في تصرفه علي اسباب معقولة . ( نقض 11/12/1946 مجموعة القواعد ج 7 ع 22 ص 199 )
و عليه و طبقا لما سبق فانه من الثابت ان المتهم لم يتطرق الي قصد الاساءة الي المدعي بالحق المدني ، و ما قام بنشره كان من قبيل النقد المباح المتوفر فيه حسن النية ولما كانت مواد الاتهام في مجموعها تتطلب قصدا جنائياً خاصا وهو غير متوفر في دعوانا المطروحة . الامر الذي معه يتعين القضاء ببراءة المتهم لانتفاء وجود ثمة قصد جنائي لديه في نقده للمدعي بالحق المدني .
ثالثاً : توافر سبب من اسباب الاباحة ” النقد المباح ” :
حق النقد في اعمال الموظف العام او ذي الصفة النيابية وفقا لنص المادة 302 /2 ع علي الرغم من ان المقال محل الاتهام لم تتوافر به الفاظاً تعد سبا او قذفاً في حق المدعي بالحق المدني و كذلك لم تتجه ارادة المتهم الي اقتراف افعال مؤثمة قانونا في حق المدعي بالحق المدني بل اتجهت نيته في مقالاته التي اعتبرها المدعي بالحق المدني سبا وقذفاً الي توجيه نقدا بناءً لشخص ذي صفة نيابية يمثل بها بني وطنه في مجلس تشريعي برلماني و كانت نية المتهم تتجه الي تحقيق الصالح العام و ليس لوجود مارب شخصية كما اعتقد المدعي بالحق المدني بها في نفسه الامر الذي معه يعفي المتهم من الوقوع تحت طائلة القانون .
كما يمكن ان يكون القذف مباحا حتي لو استعمل فيه قوارص الكلم مادام النقد بناء و تتحقق فيه المصلحة العامة للمجتمع ويرجع ذلك دور الموظف العام او الشخص ذي الصفة النيابية . اذ ترجع علة ذلك في اهمية دور الموظف العام او من في حكمه و من المصلحة العامة وضعهم تحت الرقابة الصحفية وذلك لمنع تواجد ثمة اية انحرافات او فساد في اعمال الموظف العام او من في حكمه .
كما يقصد بحق النقد في اعمال الموظف العام او من في حكمه الحق الطبيعي المقرر لكل فرد في ان يتناول اعمالهم بالنقد والتعليق ابتغاء للمصلحة العامة في حدود حياتهم العامة اياما قست صيغته او اشتدت حدته . كما وان مفهوم النقد يستبعد فكرة العقاب طالما يلبس الناقد يرسل نقده بين غايتين هما صدق الرواية وشرف الغاية .
( جرائم النشر – نجاد البرعي )
رابعاً : مخالفة مواد الاتهام للدستور المصري و المواثيق الدولية و المادة 19 من العهد الدولي والقانون 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم مهنة الصحافة :
- عرفت المواثيق و المعاهدات و الاتفاقيات الدولية الحق في حرية الراي والتعبير وتداول المعلومات منذ صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10/12/1948 من الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يعد المصدر الاول فقد قررت المادة 19 منه علي ان لكل شخص حق التمتع بحرية الراي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة او قيد وفي التماس الانباء والافكار ونقلها الي الاخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود . و ايضا تنص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية علي ان ” أ. لكل انسان الحق في اعتناق اراء دون مضايقة .
ب. لكل انسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف الضروب والمعلومات والافكار وتلقيها ونقلها الي الاخرين دونما اعتبار للحدود سواء علي شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او بأية وسيلة اخري يخترها ” .
و تعد مصر من الدول التي قامت بالتوقيع والتصديق علي تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية و من ثم اصبحت قانونا واجب التطبيق طبقا لنص المادة 151 من الدستور و التي نصت علي أن ” رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات الدولية ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان و تكون لها قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة ” و علي الدولة العمل بها ضمن النظام القانوني المصري .
و عليه يتمسك الدفاع بتطبيق ما ورد من نصوص ومبادئ بتلك الاتفاقيات الدولية و تطبيقها والاخذ بها سواء في حالة الاتهام محل الدعوي او كافة قضايا النشر .
- الدستور يعد القانون الأعلى الذي يرسى القواعد والاوصول ويحدد السلطات العامة ووظائفها و كذا يقرر الحريات و الحقوق العامة و ترتب الضمانات الاساسية لحمايتها . و قد كفل الدستور المصري الحماية لحرية الصحافة في عدة مواد منه و هي المادة 47 ،48 ، 206 ، 207 ، 210 و التي اشارت جميعها الي ان حرية الراي مكفولة ولكل انسان التعبير عن رايه و نشره و ذلك لضمانة سلامة البناء الوطني وايضا نصت علي ان الصحافة تمارس رسالتها بحرية و استقلال في خدمة المجتمع وايضا علي ان من حق الصحفيين الحصول علي الانباء والمعلومات و الحق في تداولها بكافة السبل .
- و قد جاءت نصوص القانون رقم 96 لسنة 1996 للتأكيد علي حرية الصحافة و حقوق وواجبات الصحفيين حيث جاء في المادة الاولي منه و التي نصت علي ان ” الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسئولة في خدمة المجتمع تعبيرا عن مختلف اتجاهات الراي العام و اسهاما في تكوينه و توجيهه من خلال حرية الراي و التعبير عنه ، وممارسة النقد و نشر الانباء ، وذلك كله في اطار المقومات الاساسية للمجتمع و احكام الدستور وايضا في ظل ديمقراطية حقيقية .
كما نصت المادة (3) علي ان ” تؤدي الصحافة رسالتها بحرية وباستقلال و تستهدف تهيئة المناخ الحر لنمو المجتمع و ارتقائه بالمعرفة المستنيرة و بالإسهام في الاهتداء الي الحلول الافضل في كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين .
و اكد في المادة (5) من ذات القانون علي حظر مصادرة الصحف او تعطيلها او الغاء ترخيصها بالطريق الاداري . و ايضا جاءت المادة (6) لتؤكد علي ان الصحفيون مستقلون لا سلطان عليهم في اداء عملهم لغير القانون . و ما جاءت به المادة (7)
من انه لا يجوز ان يكون الراي الذي يصدر من الصحفي او المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس به او بأمنه ، كما لا يجوز اجباره علي افشاء مصادر معلوماته أيضا ما جاء بنص المادة (8) من ان للصحفي حق الحصول علي المعلومات و الاحصاءات و الاخبار المباح نشرها طبقا للقانون من مصادرها سواء كانت مصادر حكومية او عامة لذلك وطبقا لما سبق فان ما نشر كان استنادا لحق قد منحه الدستور والقانون و متأصلا بالمواثيق والاتفاقيات الدولية للصحفي و حرية الصحافة .
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان