إذا كانت خدعة إبليس بزيادة يقين (المؤمن)، أو توهمه الخادع بوصوله إلى عين اليقين؛ لإيهامه بامتلاك الحقيقة المُطلقة، وفهمهُ الحصري للدين، هي إحدى إبداعات إبليس الفكرية في إضلال بني آدم وإفساد إيمان العُبّاد، فإن شياطين الإنس لا يقلّونَ خطورة عن إخوانهم شياطين الجِن، فبعضهم يوحي إلى بعضٍ زُخرُف القولِ غروراً، وقد جاء نتيجة لهذا الوحي المتبادل الآثم كل الحركات الإيديولوجية الدوجماتية (الجامدة)
المتطرفة الدينية والقومية والشيوعية والعنصرية، التي يجمعها أدعاء امتلاك الحقيقة المُطلقة، وتنزعها عن الآخرين كُليّاً، وتذهب أبعد من ذلك بإخراجهم من دائرة الدين بتكفيرهم، ودائرة الوطن بتخوينهم. بل تذهب إلى إخراجهم من دائرة الإنسانية فتضعهم في مرتبة دون الإنسان وأقرب إلى الحيوان أو الشيطان…،
أليس هذا ما تفعله داعش وأخواتها في إطلاق مصطلحات الكفار والمرتدين والرافضة وغيرها على كل من لا ينتمي إليهم ويدخل في جماعاتهم، وقد يكون هذا أيضاً ما يفعله بعض خصومهم بهم غير المبرئين من التطرف المضاد.
إذا نظرنا إلى الحقد وجدناه يتألف من: بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه. فالحقد إذاً هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتقام ممن حقد عليه.
ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمةً تنساق لأحدٍ رضيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقرَ عبادهِ إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحداً من خلق الله رَثَى له، ورجا الله أن يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضياً عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى.
هذا الاعتقاد المنحرف والفكر الفاسد الذي يستحوذ على عقول المتطرفين؛ فيوهمهم بامتلاك اليقين الكامل، واحتكار الحقيقة المُطلقة، وحيازة حصرية للدين، يمنحهم شعوراً مريضاً بالأفضلية والتميّز، وإحساساً خادعاً بالتفوّق والاستعلاء… يتطور إلى مرضٍ مُركّب من العُجب والكِبر، العُجب بالذات الفردية والجمعية، والكِبر على الآخرين- أفراداً وجماعات- فينتهي بهم المطاف إلى الغرور واحتقار ما عداهم من البشر،
ويتحوّل الاحتقار إلى حقد وضغينة ورغبة في الانتقام وهوّس في سفك الدماء، تحت غطاء شرعي يُخرج غير المسلمين من دائرة الإنسانية، ويُخرج المسلمين المُخالفين من دائرة الإسلام، تمهيداً لاستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فيكون إبليس بذلك قد نجح في حيلته، وأفلح في خديعته، بعد أن جمّلَ لهم معتقداتهم الشريرة فرأوْها خيّرة، وزيّنَ لهم سوءَ أعمالهم فرأوْها حسنة، وأغراهم باتخاذ فتاوي جُهّالهم ديناً بدلاً من دين الله، وأهواء سفهائهم آلهةً تُعبدُ من دون الله. إذا كانت خدعة إبليس بزيادة يقين (المؤمن)، أو توهمه الخادع بوصوله إلى عين اليقين؛ لإيهامه بامتلاك الحقيقة المُطلقة، وفهمهُ الحصري للدين، هي إحدى إبداعات إبليس الفكرية في إضلال بني آدم وإفساد إيمان العُبّاد، فإن شياطين الإنس لا يقلّونَ خطورة عن إخوانهم شياطين الجِن، فبعضهم يوحي إلى بعضٍ زُخرُف القولِ غروراً، وقد جاء نتيجة لهذا الوحي المتبادل الآثم كل الحركات الإيديولوجية الدوجماتية (الجامدة)
المتطرفة الدينية والقومية والشيوعية والعنصرية، التي يجمعها أدعاء امتلاك الحقيقة المُطلقة، وتنزعها عن الآخرين كُليّاً، وتذهب أبعد من ذلك بإخراجهم من دائرة الدين بتكفيرهم، ودائرة الوطن بتخوينهم. بل تذهب إلى إخراجهم من دائرة الإنسانية فتضعهم في مرتبة دون الإنسان وأقرب إلى الحيوان أو الشيطان…، أليس هذا ما تفعله داعش وأخواتها في إطلاق مصطلحات الكفار والمرتدين والرافضة وغيرها على كل من لا ينتمي إليهم ويدخل في جماعاتهم، وقد يكون هذا أيضاً ما يفعله بعض خصومهم بهم غير المبرئين من التطرف المضاد.
ويدخل في هذا الإطار كل الجماعات التكفيرية المتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام، والتي يعود جذورها التاريخية منذ صدر الإسلام، عندما استحل حفنة من المتمردين قتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وعندما ابتكر الخوارج بدعة تكفير المسلم التي قادتهم إلى قتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – واستحلوا دماء وأموال وأعراض كل مخالفيهم من المسلمين..
. لتنتهي هذه البدعة الشريرة والفرية الأثيمة إلى القاعدة وداعش وأخواتهما التي خرجت جميعها من لهيب الصحراء حيث خرج قرن الشيطان، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الشيخان- البخاري ومسلم – وأخبرنا فيه عن مكان خروج الفتن ومعها قرن الشيطان، وكما أخبرنا الإمام علي بن أبي طالب – كرّم الله وجهه- قبل أربعة عشر قرناً عنهم وكأنه يشاهدهم عياناً « قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة… يدعون إلى الحق وليسوا من أهله، أسماؤهم الكُنى ونسبتهم القُرى، شعورهم مُرخاة كشعور النساء…..».
إن الأمراض الاجتماعية التي ذكرناها، هي نقائص أخلاقية وشرور، تسمى أيضا ً “أمراض القلوب”، وهي ليست أمراض بدنية تعتري القلب، تهدد سلامته ومن ثم حياة صاحبه، لكنها أمراض تجسد فساد الإنسان من الناحية النفسية والسلوكية، وقد وصفها الإمام عليه السلام أنها أعلى درجة من درجات البلاء والمصيبة التي تصيب الإنسان بعد الفقر ومرض البدن.
كما أن أمير المؤمنين، وضع علاجا ً لهذه الأمراض، بالتقوى، أي تقوى القلب، بطاعة الله والابتعاد عن محارمه. وهذه التقوى، عندما يصل لها الإنسان يكون في قمة نِعم الله. فهي أعلى درجة من درجات هذه النعم، بعد سعة المال، وصحة البدن، لذا يقول عليه السلام في القصار من كلماته: “ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة، مرض البدن،
وأشد من مرض البدن، مرض القلب. ألا وإن من النِعم سعة المال، فأفضل من سعة المال، صحة البدن، وأفضل من صفبدلا من أن يتحمل إبليس المسؤولية عن خطيئته ويستغفر ربه، استسلم لها وحملها ربه، وحمل في نفسه الحقد والرغبة في الانتقام فيمن ظن أنه كان السبب وراء غوايته آدم وذريته. “قال ربي بما اغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين”، وقد كان طريقا بائسا ما اختاره ابليس لنفسه مع أنه قد عرف ما يؤدي إليه، “لأملآن جهنم منكم أجمعين”، ولذلك حذرنا الله من اتباع خطوات الشيطان، وقد قال”ولا تتبعوا خطوات الشيطان”، والتي هي الغرور والعجب بالنفس من قبل، والتنصل عن مسؤلية الخطأ والاستكبار عن الاستغفار من بعد، والحقد والرغبة في الانتقام بعد كل ذلك.. ظلمات بعضها فوق بعض.
وفي ذات الحبكة أيضا إلى جانب الطريق الذي اختاره الشيطان، ثمة مسلكين آخرين كل منهما يؤدي إلى صراط الله المستقيم، الأول وهو المثال وما ينبغي أن نطمح للاقتراب منه دائما وأبدا وهو الاقتداء بعزم الملائكة وتسليمهم الكامل والمطلق لأمر الله، والثاني وهو الواقعي ضعف آدم وندمه واستغفاره..
فآدم وعجزه عن مقاومة الغواية والخطئية، وأكله من الشجرة التي نهي عن الأكل منها هو الأصل في حقيقتنا كبشر، ولا عون لنا على ذلك إلا بالله، وطريقنا إليه هو ذاته ما كان طريقا لادم، الندم” فأكلا منها فأصبحا من النادمين”، ” وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه”، التسبيح والاستغفار وطلب العون منه عز وجل.حة البدن تقوى القلب”.
إنَّ هذا كان من إبليس مستندًا إلى ما رآه من عوامل ضَعف الإنسان في تكوينه، وتأثير أهوائه وشهواته وغرائزه على إرادته، وإمكان استهوائه بها.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان