ترتبط الحياة الديمقراطية بدور حقيقي وقوي للمجتمع المدني، فالمجتمع المدني هو القطاع غير الحكومي الذي يطلق عليه أحيانًا ” القطاع الثالث” لتمييزه عن الحكومة من ناحية والقطاع الخاص من ناحية ثانية، فهو يتكون من منظمات وجمعيات وروابط تقوم على العمل التطوعي ولا تسعى لتحقيق الربح , وفي اللغة الإنجليزية والتي كانت حتى وقت Civil Society تستخدم كلمة مجتمع مدني قريب تترجم في اللغة العربية إلى مجتمع أهلي لتدل على ارتباط مجموعة من المنظمات غير الحكومية التي تنشأ لتحقيق أهداف اجتماعية بالأهل والأقارب والجيران بما يوحي بما عاني التضامن والولاء وقوة الارتباط , تلك الأهمية الحيوية للمجتمع المدني تبرر اهتمام الحكومة المصرية بتشجيع هذا النوع من المنظمات وتوسيع المجال أمام حركته , فالدولة المصرية تنظر للمجتمع المدني كشريك في عملية التنمية.
تعتبر مشاركة الشباب أحد أشكال الديمقراطية التشاركية، كما أنها إحدى أشكال الحكم الصالح، وهي شكل من أشكال الرقابة الشعبية ،كما أن مشاركة الشباب سيعزز من التنمية السياسية، وتفعيل المشاركة السياسية للشباب سيقلل من حالة الفراغ السياسي التي يعيشها الشباب عبر تهميشهم وعدم الاهتمام بقضاياهم في برامج وأنشطة الأحزاب السياسية ، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في كيفية تفعيل طاقات الشباب وإعادة جذبها إلى الأحزاب والعمل العام، وتفعيل دور المؤسسات الأهلية، وذلك من خلال إعادة صياغة أولوياتها وبرامجها انسجاماً مع الأجندة الوطنية، بما يحقق التكامل في العمل بينها وبين المؤسسات الرسمية.
والمجتمع الذى تدار مؤسساته المختلفة الاجتماعية والاقتصادية وفقاً للأسس الديمقراطية فإنه يفرض ظهور النظام السياسي الديمقراطي بمعناه الحقيقي والذى يعتمد على التعددية الحزبية، ويكفل تحقيق الاستقرار السياسي.
لا شك أن قضية الشباب تطرح نفسها بكل ثقلها فى هذه المرحلة من العمل الوطنى لأسباب تتعلق بهموم الشباب نفسه ولأسباب تتعلق بمتغيرات المجتمع وتوجهاته الجديدة وافرازاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والعلمية. ويزيد من صعوبة التناول لقضية الشباب أنه ليس قطاعاً رأسياً يمكن دراسته والبحث عن قضاياه المتعددة بسهولة كما فى القطاعات الرأسية الأخرى فى المجتمع , فالشباب قطاع أفقى يتغلغل داخل كل القطاعات التى يتكون منها البنيان السكانى.
والشباب هو نتاج المجتمع بما فيه من نجاحات واخفاقات، ومن عوامل ومؤثرات وما يملك من حصاد التجربة وارث الحضارة فالشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل .
ولأن الشباب فى مصر يمثل أكثر من 60 % من مجموع السكان فهو عنصر فاعل وحاسم فى قضايا التنمية، فالتنمية لابد أن تبدأ من الشباب لأنه يملك الطاقة والقدرة على العطاء.
فنحن نملك ثروة بشرية قادرة على العمل والإنتاج, وإذا كان البعض ينظر إلى هذه الإمكانات البشرية كعبء أو كمشكلة ،فإن البعض الآخر يرى فيه الحل لكافة مشاكل المجتمع.
وإذا كانت هناك اجتهادات عديدة لبلورة اطار محدد لمفهوم الشباب، فإنه يمكن على الأقل التمييز بين اتجاهين رئيسيين في هذا المجال , احدهما يرى الشباب مجرد مرحلة محدودة من العمر، وثانيهما يرى الشباب حالة نفسية تمر بالإنسان ويمكن أن تعيش معه في أي مرحلة عمرية، وتتميز بالحيوية والقدرة على التعلم ومرونة العلاقات الإنسانية.
وطبقا للاتجاه الأول فإن المقصود بالشباب هو المرحلة العمرية التالية للصبا والسابقة للنضج فتنحصر ما بين 15 – 25 عاماً (وأحياناً 35 عاماً) وهى مرحلة مفعمة بالطاقة والنشاط وإمكانية اكتساب الجديد من المعارف والمعلومات والمهارات وتحمل المسئولية إلى جانب مرونة وعدم جمود العلاقات الإنسانية.
ويؤكد علماء النفس أن مرحلة الشباب عبارة عن مرحلة نمو وانتقال بين الطفولة والرشد لها خصائصها المتميزة عما قبلها وبعدها وقد تتخللها اضطرابات ومشكلات يسببها ما يتعرض له الشباب في الأسرة والمدرسة والمجتمع من ضغوط فهى مرحلة تحقيق ذات ونمو الشخصية وصقلها وهى نقطة ضعف وثغرة يحتاج فيها الشباب إلى مساعدته للأخذ بيده وهو يعبرها ليصل إلى مرحلة الرشد بسلام.
تستند عملية التحول الديمقراطي، على أساس إبراز أهمية دور المجتمع المدني في صيانة الحريات الأساسية للمجتمع، ففي الوقت الذي تنمو وتتبلور فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، فأنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدني، التي تسعى بدورها إلى الفعل والتأثير في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
بالرغم من ان موضوع المجتمع المدني ما زال يثير العديد من القضايا والتساؤلات على صعيد المجتمع ككل، بقواه وتكويناته ومؤسساته وانماط ثقافته، كما يثير العديد من المشاكل على صعيد الدولة، بأجهزتها وقوانينها وسياساتها في مختلف المجالات، ذلك لان طبيعة حركة الدولة وحدودها، أمام المجتمع المدني ومؤسساته، تتحدد ملامحها وسماتها من خلال تحديد انماط العلاقة بين الدولة من ناحية والقوى والتنظيمات الاجتماعية من ناحية أخرى.
وهكذا نجد تعدداً في الآراء التي تعرضت لمفهوم المجتمع المدني، وكذلك للمعطيات التي تنطوي تحت هذا المصطلح في إطار تداوله السياسي، إذ ما زال من الصعوبة بمكان إعطاء مفهوماً محدداً ودقيقاً، يكون قابلاً للاستخدام في كل زمان ومكان ليسهم في وضع التصورات النظرية لتبلور عناصر المجتمع المدني ونضجه.
وإذا كان ارتباط مفهوم المجتمع المدني بتاريخ نشأته من جهة، ومجال تطوره من جهة أخرى، فإن المجتمعات عموماً على مدى تاريخها الطويل كانت تمتلك خبراتها وموروثها الخاص فيما يتعلق بالمجتمع المدني أو الأهلي، بيد ان تطور المفهوم في سياق التطور التاريخي للحضارة الغربية، كان العامل المؤثر في تكوين بنية مفهوم المجتمع المدني ومؤسساته، ومن ثم أسلوب ونطاق الدور الذي يلعبه في تحقيقه لوظائفه في العملية الديمقراطية.
فالمجتمع المدني عند (غرامشي) هو وجود خاص خارج نطاق الدولة، بالرغم من كونه على علاقة جوهرية بالدولة، فهو يشكل مع الدولة ما يعرف (بالمنظومة السياسية في المجتمع بأحزابه ونقاباته وتياراته السياسية، فأن الدولة تحتكر السلطة السياسية عبر أجهزتها ومؤسساتها المختلفة، وبهذا المعنى تكون العلاقة بين المجتمع المدني والدولة هو كونه مسانداً لها، عندما يشكل مصدر الشرعية لسلطة الدولة عبر مشاركة مؤسساته وتنظيماته وفئاته المختلفة في صنع القرار، أو قد يكون معارضاً لها عندما تستند الدولة وتبدو وكأن المجتمع هو الذي وجد من اجلها لا العكس.
أي إن التوصيف الدقيق للمجتمع المدني يمر عبر فصله عن المجتمع السياسي وتميزه منه، فإذا كان المجتمع السياسي يشتمل على كل المؤسسات والأجهزة والمنظمات المركزية والمحلية للدولة، أي بمعنى جميع المؤسسات الحكومية على اختلاف مستوياتها المكرسة لبسط سلطان الدولة، فأن المجتمع المدني هو مختلف الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والحقوقية، التي تنتظم في إطارها شبكة معقدة من التفاعلات والعلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات الاجتماعية في المجتمع التي تحدث بصورة ديناميكية ومستمرة من خلال مجموعة المؤسسات التي تنشأ طواعية وتعمل باستقلال عن الدولة.
وبالرغم من ذلك، فقد بان النظر إلى مدلول المجتمع المدني وتحديد إطاره العام ومفهومه يتمحور حول مجتمع متكامل في دولة عصرية أو في دولة هي في طريقها إلى ان تكون عصرية، تكون قادرة على التواصل بكفاءة مع الدول الأخرى، وتكون قادرة في الوقت ذاته على تلبية الاحتياجات العصرية لمواطنيها، بوصفهم أفراداً متمايزين ولهم دور وحضور وكرامة وحريات وحقوق، وعليهم واجبات ومسؤوليات كذلك تسهم في تحقيق المطالب المعاصرة بفعل تغيير الأداء الاجتماعي، في عالم يزخر بالتطورات والمتغيرات، لكي تصبح بنى ذلك المجتمع اكثر قدرة على توفير الحماية لذاتها ومصالحها من جهة أولى، وعلى مشاركة فعالة لإفرادها في صنع القرار لجميع مجالات الحياة من جهة ثانية.
وهكذا اخذ مفهوم المجتمع المدني منذ ثمانينات القرن الماضي حيزاً مهماً في مجال أدبيات السياسة، وذلك لارتباطه بالتحولات الديمقراطية المعاصرة، حتى بان ربط المجتمع المدني والديمقراطي بعلاقة وثيقة تتراوح بين ترسيخ إنحسار، فأذا ما ترسخت أسس الديمقراطية تدعمت مؤسسات المجتمع المدني التي هي بمثابة الأرضية التي ترتكز عليها الصبغة الديمقراطية بقيمها ومؤسساتها وعلاقاتها.
وقد مر مفهوم المجتمع المدني بثلاث مراحل رئيسية هي: المرحلة الأولى: هي مرحلة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف تجديد المفهوم في السياسة وإضفاء طابع شعبي عليها، التي بدأت تفقدها بعد بقرطتها وتقنرطتها.
المرحلة الثانية: مرحلة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة، موازية للدولة وهي في الوقت عينه مشاركة في تحقيق الكثير من المهام التي تهم الدولة في التراجع عنها، وهذا المفهوم يتوافق مع انتشار مفهوم العولمة، والانتقال نحو مجتمع يحكم نفسه ويتحمل هو ذاته مسؤولية إدارة معظم شؤونه الاساسية، وقد استخدمت الدول الديمقراطية مفهوم المجتمع المدني في هذه الحالة، للتغطية عن عجزها المتزايد في الإيفاء بالوعود التي كانت قد قطعتها على نفسها، وتبرير الانسحاب من ميادين بقيت لفترة طويلة مرتبطة بها، لكنها أصبحت مكلفة في ضوء متطلبات المنافسة التجارية الكبيرة التي يبعثها الاندماج في سوق عالمية واحدة والتنافس على التخفيض الأقصى لتكاليف الإنتاج.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة طفرة المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة اجتماعية، على مستوى التنظيم العالمي بشكل خاص، في مواجهة القطب الذي تمثله الدولة، الدول المتآلفة في إطار سياسات العولمة والنازعة إلى الخضوع بشكل اكبر في منطق عملها للحسابات التجارية والاقتصادية، وبذلك يتكون في موازاة تجمع الدول والقيادة الرسمية للعالم، تآلف المنظمات غير الحكومية والاجتماعية التي تتصدى لهذه الحسابات الاقتصادية ولتأكيد قيم العدالة والمساواة بين الكتل البشرية، وفي هذه الحالة يطمح المجتمع المدني إلى ان يكون أداة نظرية لبلورة سياسة عالمية تستند إلى مجموعة من القيم والمعايير.
إذن للمجتمع المدني أدوار ووظائف متعددة تشمل جميع النواحي المتصلة بالحياة المجتمعية، والتي يبرز أكثرها أهمية في هذا المجال هو الدور السياسي، ليس القصد إيجاد معارضة سياسية في مواجهة الدولة، وانما ضبط التغيير المتواصل في بنية الدولة والمجتمع معاً، فالمجتمع المدني عندما يستند إلى مؤسسات وتنظيمات تمتلك وعياً قانونياً وثقافياً واجتماعياً مؤهلاً لهذه العملية، يكون قادراً على تحريك المجتمع وتنشيطه، بتأطير نمط العلاقة بين هذه التنظيمات والمؤسسات والأفراد.
وبذلك يمكن ان يكون للمجتمع المدني دور في حماية الحقوق والحريات إذا ما تسلطت الدولة، فهو من جهة يعمل على تحصين الأفراد ضد سطوة الدولة، ومن جهة أخرى يحصن الدولة ضد الاضطرابات الاجتماعية العنيفة.
وهذه الوظيفة التعبيرية للمجتمع المدني، من خلال إتاحة الفرصة للأفراد في التعبير عن أنفسهم والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم، تعد شكلاً من أشكال التنظيم الجماعي لحرية المشاركة والتعبير، حيث يتم اعلاء قيمة الجهود والمبادرات الذاتية، إلى صياغة تنظيمية خلاقة تؤدي إلى الارتقاء بالوعي السياسي وبالثقافة السياسية وإلى مشاركة جادة في صناعة القرار السياسي، وبالتالي يفضي هذا التفاعل المجتمعي إلى النهوض بدور فاعل ومهم في عملية التحول الديمقراطي سواء كان من خلال الإعداد والتمهيد لهذا التحول، وتوفير البيئة الاجتماعي والثقافية الحاضنة له والمانعة لانتكاسته أم المساهمة في إحداث هذا التحول.
أما من الناحية الأخرى، فإن أهمية دور المنظمات والمؤسسات غير الحكومية في الفترة المعاصرة، قد تزايدت نتيجة تبني اغلب الدول سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تعني خصخصة الهياكل والمؤسسات الاقتصادية والخدمات، ومن هذا الجانب نجد ثمة تصور يؤكد على دور المجتمع المدني في تحقيق وظيفة سياسية تساهم في عملية التحول الديمقراطي داخل المجتمع، إذ تجرد الدول من أحد أسلحتها الاقتصادية إضافة إلى تقوية قوى اجتماعية أخرى تساهم في وضع حد لهيمنة الدولة على المجتمع، وهذا يتوقف بمجمله على توظيف القدرات واستثارة الوعي بتحمل المسؤولية الوطنية لدى المواطنين، ليتبنى استراتيجية عامة تنهض بالتضامن وتقوم على إقامة نظام اقتصادي عادل يعبر عن التناغم بين متطلبات العصر ومساعدة المجتمع على الصمود في وجه السلبيات والضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن سياسات التكييف الهيكلي وتخلي الدولة عن بعض مهامها.
وعلى هذا النحو يراد للمجتمع المدني ان يقوم بأدوار أساسية ذات مضامين ديمقراطية، تتراوح بين الحد من سلطة الدولة، وتعزيز المشاركة السياسية وتجميع وتنمية المصالح، وتدريب القيادات، إضافة إلى تعزيز القيم الديمقراطية، وإشاعة الثقافة المدنية، واختراق وربط المجموعات المتنافرة في الأصل أو العرق أو الدين، ونشر المعلومات والمساهمة في الإصلاح الاقتصادي والتعزيز المتبادل للحكومة والحياة المدنية.
وبالتالي فإن تنشيط دور المجتمع المدني يعني بث المزيد من روح المسؤولية عند الأفراد تجاه التفكير والعمل على تقرير مصيرهم وعدم التسليم للدولة، بوصفها مركز (تكثيف القرار) المجتمعي وتوحيده، أو الاعتماد الوحيد عليها لتحقيق الأهداف والحاجات المطلوبة، كما يعني إعطاء المزيد من الصلاحيات وهامش المبادرة والموارد الكافية، من قبل الدولة أو من قبل أفراد المجتمع أنفسهم لمنظمات وهيئات المجتمع المدني.
ولكن ما تجدر الإشارة إليه بهذا الخصوص، هو عدم إمكانية الحديث عن دور للمجتمع من دون الحديث عن تطوير بنى الدولة ووسائل وآليات عملها وذلك من منطلق العلاقة الترابطية التي تجمع الدولة والمجتمع، أي بمعنى ان عملية تفعيل دور المجتمع تتضمن في الوقت ذاته عملية بناء الدولة، حتى تصبح دولة ملتحمة بمجتمعها ومتفاعلة معه ومعبرة عنه وليست دولة منفصلة عنه.
أي بمعنى ضرورة ان تأخذ علاقة المجتمع المدني بالدولة معاني جديدة، تقوم على تعظيم البعد السياسي الإرادي والطوعي على صعيد الممارسة السياسية والحركات الثقافية والفكرية، حتى تتوسع دائرة الثقافة السياسية المتأصلة في البنية الذهنية، والقائمة على تقاليد من السياسة (التسلط العنف) التي تحكم بصفة دائمة علاقة الدولة بالمواطن.
وبذلك تكون للمجتمع المدني الأهلية الكاملة في رفد عملية التحول الديمقراطي حينما تغدو شؤون المجتمع (شأناً شعبياً) فلا تقتصر مهمة تسيير أمور المجتمع على الحاكم أو الدولة، وانما يتمكن الشعب من المشاركة الفعالة في تدبير شؤون المجتمع والدولة، من خلال مجموعة التنظيمات والمؤسسات التي تقاوم هيمنة وتسلط الدولة على المجتمع، التي اعتادت فرض هيمنتها على المجتمع من خلال السيطرة على هذه التنظيمات والمؤسسات، حديثة كانت أم تقليدية.
ويترتب على ما سبق، لا بد من الاستدراك بأن طرح تصورات ومعالجات افتراضية تخص الفعل السياسي الإنساني، تلزم المساهمة في رفد المجتمع المدني بالروابط الجدلية بين الفكر والواقع، ليساهم بصورة فعالة في تقديم مجموعة مبررات تضغط باتجاه تيسير عملية التحول الديمقراطي، وهو يتمثل في مدى تغلغل الثقافة السياسية في ذلك المجتمع، وهذا النمط كما هو في سائر الثقافات لا يجري تشريعه ولا صياغته بقوانين وتشريعات، إنما يجري تراكمه وترسيخه دائماً من خلال مؤسسات المجتمع المدني عموماً.
فالثقافة السياسية هي منظومة معنوية من القيم والروى والأفكار والاتجاهات الأساسية، التي تتصل بالنظام السياسي والممارسة السياسية وتؤثر فعلياً في توجيه سلوك أفراد المجتمع سواء كانوا حكاماً أم محكومين، بالرغم من ان تغيير هذه المنظومة يمر عبر فترة زمنية ممتدة، إلا انه من الممكن إخضاع الثقافة السياسية السائدة لمؤثرات مضاعفة سيما تحت تأثير النزاعات والصراعات الممتدة مع الأخر. وتمثل إمكانية قبول ثقافة سياسية جديدة تدعم التحول الديمقراطي المنشود، إحلال النزعة النسبية التوافقية في وعي ووجدان الأفراد ومن ثم مبدأ المشاركة الطبيعية للمجتمع محل التسلط والاحتكار والإلغاء.
وبذلك فإن إعادة صياغة أسس ومرتكزات وقيم الثقافة السياسية السائدة، وتعميم نمط جديد من الثقافة السياسية، لا ينال بالتغيير التوجيهات السياسية للأنظمة الحاكمة وحدها، وإنما يشتمل ذلك على تغيير نمط القيادة السياسية وأشكال العلاقات السياسية ومجموعة القيم والتقاليد المرتبطة بها، بما يوسع من مساحة العمل السياسي ليبرز الدور والمكانة الطبيعية للمؤسسات في سياق عملية ممارسة السلطة، وعلى وجه الدقة مؤسسات المجتمع المدني.
وترتيباً على ما سبق، فأن أهم ما يعنيه الحديث في موضوع علاقة المجتمع المدني بالتحول الديمقراطي، ينصرف إلى ضرورة تعزيز التماسك بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وتقريب المجالات المجدبة التي تحول دون قيام مجتمع مدني عضوي ودولة عضوية قوية، ذلك من خلال تفعيل مسارات الديمقراطية وتأسيس دولة القانون والمؤسسات، بالشكل الذي يخدم المواطن، حتى يكون هذا المواطن خير سند ودعم للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، بحيث لو تعرضت تلك المنظومة لأي تهديد خارجي وانهارت السلطة بأجهزتها، فأنه من المحتمل ان ينهار كيان الدولة برمته من دون وجود المجتمع المدني الذي يحتضن مؤسسات الدولة وكيانها.
وبذلك فأن تحقيق درجة معقولة من الحرية وممارسة الديمقراطية في ثنايا المجتمع، لهي مؤشرات لظواهر مستقبلية جديدة، فإذا استحال بناء شكل للعلاقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوعي والإدراك المجتمعي، فأنه من العسير تجنب ما هو قادم ضمن احتمالات المستقبل.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان