لا يخفى على أحدٍ حجم الأعباء المُلقاة على كاهل المجلس الأعلى للإعلام، منذ تحمَّل المهمة الثقيلة التى كُلف بها من قِبل الرئيس، فما بين قطاعٍ مُنهكٍ مُثقلٍ بالديون، تتواصل خسائره مرتفعةً يومًا بعد يومٍ، يصرخ جميع أبنائه لإنقاذه وانتشاله من عُثرته، وتوفير رواتب موظفيه، والحفاظ على الصرح العريق، بعد أن كان مبنى ماسبيرو يُقدِّم الأجود والأفضل والقيِّم دون منافسٍ له على قنواته الأرضية والمُتخصصة، حتى اعتلت الراية قنوات رجال المال والأعمال، وأنفقت ببذخٍ فى سعىٍّ حثيث للربح بغض النظر عمَّا يُقدمونه للمواطن، فرقصوا على أخلاقه بما تقيأت شاشاتهم وطفحت من فنٍ مبتذل، ودراما ساقطة، وحوارات وبرامج خادشة للحياء العام، وأغانٍ هابطة تذهب بالأسماع، وتُلوث الأفواه، وبين صحافة صفراءٍ فتحت صفحاتها للفتن، والزوابع، ورؤوس الأموال، وتلميع المجرمين والبلطجية، وتسويق الرخيص والذى ليس له قيمة.
إن انتشال مؤسسات الدولة الإعلامية الوطنية من كبوتها، كان بحاجةٍ ماسةٍ لإزاحة العقبات من أمامها، والاستعانة برجال الخبرة الوطنيين الذين يعملون لصالح هذا البلد وأهله، ويمتلكون من المهارة والقوة؛ ما يعوده بثقافة المواطن المصرى وذوقه الرفيع، ويحفظ له هُويته و وطنيته، ولغته التي يحيا بها، وأعرافه وتقاليده التي شبَّ عليها، وأيضًا تكاتفه وتعاونه وقت المحن والأزمات، وشهامته ونخوته المعروفة عنه.
وللحق أقول إن ما نشهده اليوم من تطويرٍ للمحتوى، واهتمامٍ بمُؤدى الرسالة، وتحديثٍ للوسائل المستخدمة فيها، يدفعنا للقول بأننا أمام عهدٍ إعلامىٍّ جديدٍ، سوف يتفوَّق وينتصر على كبرى الوسائل الإعلامية العالمية، ويمحو ما تركت آثاره أزمنة الفوضى والتخريب، ويقضى على تلك المشاهد التي أعمت العيون وأصمت الآذان، وأفسدت الأذواق والأخلاق، وشردت الأسر، وأضاعت الأجيال، وألقت بغالبية الشبان والفتيات خلف الجدران، وانتهكت الحُرمات.
منذ أيامٍ فجَّر فيديو لفتاة تُلقى بنفسها من أعلى أحد المولات جدلاً حول جواز نشره إعلامياً ونشر صور المنتحرين، ويُحسب للمجلس الأعلى للإعلام قراره الحالى وعلى إثر هذه الحادثة، وضع بنود كود جديد؛ لتغطية حوادث الانتحار ومحاولاته، وطرحها للمناقشة، على أن يصدر خلال أسبوعين بعد استطلاع جميع الآراء.
وكان من محددات هذا الكود تقديس الحق فى الحياة، والتعامل مع المنتحر على أنه مريضٌ نفسي يحتاج للاحتواء، إضافةً إلى عدم الإسراف فى نشر فيديوهات المنتحر، وإضفاء البطولة على شخصه، حفاظًا على حياة المرضى النفسيين واحترامًا لآلام أسرهم والمتابعين لأحوالهم.
وقد رأى المجلس أن بعض وسائل الإعلام تاجرت بقضية انتحار هذه الفتاة، وقد أحسنت لجنة الإعلام بالبرلمان موافقتها على قرار المجلس الأعلى للإعلام، والشد على يديه لتطبيقه، ومن ثمَّ نشره بالجريدة الرسمية بعد التوافق المجتمعى.
كان مما تضمَّنه الكود الإعلامى المُقترح بنودًا كان أبرزها تغطية حوادث الانتحار فى إطار تقديس واحترام الحق فى الحياة، والمحافظة على النفس البشرية، وعدم تغطية تلك الحوادث، والنظر لها على أنها أمرٌ عادىٌّ أو طبيعىٌّ أو إيجابىٌّ، بل يجب دوماً بث رسالة صحفية أو إعلامية على أنها أمرٌ سلبىٌّ ومرفوضٌ ومُضرٌ؛ لتجنُّب تكرارها من الآخرين، وعدم اتخاذها وسيلةً لزيادة المشاهدة أو التفاعل أو المبيعات، بل يتعيَّن أن يكون الهدف دائماً من النشر منع هذه المحاولات أو الحالات والتقليل منها، والحذر عند صياغة العناوين والمانشيتات المتعلِّقة بها، أو استخدام اللغة المثيرة أو الرنَّانة، وتجنُّب أى شائعات حولها، كما يُمتنع على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بث مقاطع الفيديو أو روابط التواصل الاجتماعى لحوادث الانتحار ومحاولاته كأصلٍ عام، وعند وجود ضرورة قصوى لتغطية حوادث الانتحار، وضرورة وضع رسالة تحذيرية تُنبِّه الجمهور للمحتوى شديد الحساسية، وعدم التشغيل التلقائي لمقاطع الفيديو أو روابط التواصل الاجتماعي، وعدم تكرار بث أو نشر الخبر دون داعٍ، وعدم تثبيت الخبر على الشاشة، وعدم إبراز حوادث الانتحار أو إعطائها مواقع الصدارة فى النشر أو البث، بل يجب إعطاؤها أولويةً متأخِّرة فى حالة المواقع الإلكترونية فى ترتيب العرض أو مكان النشر، واتخاذ حوادث أو محاولات الانتحار مناسبةً لتحذير المجتمع من خطرها وأثرها السلبى على الفرد والأسرة.
إن إعلامنا بهذه الصورة وتلك الوضعية يسير على الطريق الصحيح، ويمضى بقوةٍ مع الدولة الجديدة فى سياستها الداخلية والخارجية الناجحة، ويبعث برسالة للعالم أجمع أننا دولة مؤسسات، ولدينا القدرة على صناعة المحتوى الذى يليق بحضارتنا، والخبرة التى تُؤدى المضمون وزيادة، وأن صحافتنا وقنواتنا الشرعية تتمتع بالمصداقية والشفافية والنزاهة، وفى الوقت نفسه تُراعى الحق فى الحياة وتُقدِّسها، عامةً وخاصةً، وسوف تُمارس دورها التثقيفى والتنويرى القديم، بأدوات ومهارات جديدة، اكتسبتها من قيادتها السياسية التي أعطت الانطلاقة لأيقونة النجاح، شباب مصر وعزتها، ونحيى المجلس الأعلى للإعلام الذي أصبح محل ثقة الجميع، ومطمئنون على أبنائنا وأجيالنا المقبلة فى ظل حقبة إصلاحية جديدة تدور فى أروقة الإعلام، الذى هو المؤثر الأول فى عقول صغارنا وكبارنا، أولادنا وبناتنا.