يتمثل الفساد من وجهة نظر المجتمع بسعي الموظف الى تحقيق المكاسب الشخصية باستغلال المنصب والوظيفة، وذلك بتفضيل الأقارب والمعارف ومنحهم الامتيازات دون غيرهم من ابناء المجتمع بغض النظر عن الكفاءة والاولوية، وتفضيل دعم القطاع الخاص المستفيد من المشاريع على حساب تنمية المجتمع وبإزدراء واضح للمنظومات الادارية والاخلاقية والقانونية والمجتمعية.
يمثل الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تمس جميع البلدان وتعيق سيادة القانون. وهو يقوِّض أركان المؤسسات الديمقراطية ويضعف الاقتصادات ويسهم في زعزعة الاستقرار السياسي. ورغم عدم وجود تعريفٍ للفساد متفقٍ عليه دوليًّا، فثمة أفعال كثيرة يُعتَرف بأنها تشكل فساداً.
وهي تشمل، على سبيل المثال، إساءة استعمال السلطة والرشو واختلاس الأموال العمومية والتدخُّل المُغْرِض في نظام العدالة وإخفاء المكاسب المالية المتأتية من الفساد.
ويرتبط التصدي للفساد في المجتمع بتعزيز النزاهة الفردية والاجتماعية. إذ إنَّ كثيراً من أحوال الحياة اليومية يمثل تحدياً لنزاهتنا وأحكامنا الأخلاقية – ابتداءً من عدم الالتزام بالطابور إلى استغلال المنصب لمنح شخص ما مَزِيَّة غير مستحقَّة على آخرين.
ويختلف الفساد من مجتمع الى اخر، وأشد انواع الفساد ضررا تلك هي التي تقع في المجتمعات النامية التي تفتقر الى وجود مؤسسات المجتمع المدني، ذلك أن هذه المؤسسات تساعد على كشف الاثار السلبية للفساد، وتؤدي حالات الفساد الى الافتقار الى عنصر الاحساس بالمسؤولية الوظيفية من قبل الموظف والقائم على الادارة وسط تزايد وتفاقم المشكلات الاقتصادية في المجتمع، وبذلك تنهار النظم الادارية، فالظروف الاقتصادية تؤثر على منظومات القيم الاجتماعية وبالتالي على المنظومات الادارية المختلفة، ما ينجم عنه تلاشي آمال المجتمع تجاه قضايا الاعمار والبناء،
واختلال موازين الفرد تحت وطأة الظروف الصعبة وعدم توفر القدرة على المساءلة القانونية، حيث يتمتع المسؤولون بحرية واسعة من التصرف مقابل قليل من المساءلة، مما يجعل اولئك المسؤولين يسعون لاستغلال المواقع الادارية لتحقيق المكاسب الشخصية وتلقي الرشوة والعمولات من القطاع الخاص مقابل تسهيل اعطاء المشروعات على حساب المجتمع،
ويأتي المسؤولون بأقاربهم ومعارفهم الى الوظائف ويساعدوهم في الحصول على مشاريع الدولة ليقبضوا مقابل ذلك مبالغ دون اتخاذ اجراءات قانونية بحقهم، وبالتالي يفكر الموظف الفاسد في تحقيق المكاسب الشخصية بغض النظر عن تأخر المجتمع وتوقف خطط التنمية الفعالة في الوقت الذي يكون فيه المجتمع بأمسّ الحاجة الى برامج النهضة الحقيقية لإنقاذه وتطويره وتقدمه . وتؤدي الممارسات الفسادية الى تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة على المجتمع، فتزداد الامراض النفسية وتتفاقم الازمات الاجتماعية والتوترات الاسرية ويدب اليأس في صفوف افراد المجتمع وتصطدم برامج مكافحة الفساد بعقبات كثيرة لنقص دعم المجتمع وغياب المساءلة المجتمعية.
كما تؤدي الممارسات الفسادية في المجتمع الى تهديد مباشر للقيم الاخلاقية ذات العلاقة بالتنشئة الاجتماعية للاجيال الناشئة، وذلك لعدم الاهتمام بالجانب السلوكي لممارسات المسؤولين اثناء استغلال مناصبهم لتحقيق المكاسب الشخصية، والتي تنعكس هذه الممارسات على سلوك الاجيال الجديدة حينما يتعلمونه خلال المشاهدة والملاحظة اذا لم توضع العلاجات اللازمة لتصحيح الاوضاع.
إن قضية الفساد تحتاج إلى اكثر من جهدٍ واستراتيجيات عمل لتوضيح الخطوط الرئيسية التي من الممكن من خلالها السير في مكافحة الفساد، ورغم خطورة الفساد واستشرائه، مع صعوبة وضع خطوات محددة لمكافحته والتيقن بأنها ستقضي عليه، إلا أن المسألة لا تبدو مستحيلة، ولا يجب علينا إزاءه إلا وضع ما نجده فعالاً حقيقياً في مكافحته لو اتبع وبطريقة منطقية وعقلانية.
تبدأ جهود الدول في العادة لمكافحة الفساد، برفع الوعي بضرورة محاربة الفساد والقضاء عليه، ومن ثم إجراء تغييرات بجعل الحكومة اقل قابلية للفساد، ثم التصدي لمشكلة الأنظمة الفاسدة.
وتقوم مكافحة الفساد على طريقتين، الأولى على أساس العقاب والثانية على أساس الوقاية، وهناك تكامل بين الطرفين، ودرجت الدول النامية على تطبيق العقاب دون التطرق لأصول وجذور المشكلة
ولمكافحة الفساد يجب إتباع ما يلي:
1- معاقبة بعض كبار المخالفين، إذ أن من الاستراتيجيات الناجحة هو (قلي قليل من السمك الكبير)، فعندما تكون هناك مشاركة كبيرة في أعمال الفساد مع الإفلات من العقاب يكون الحل الوحيد هو إدانة ومعاقبة عدد من كبار الشخصيات الفاسدة، ويبقى للحكومة أن تكشف وبسرعة عن بعض المتهربين من الضرائب ومانحي الرشاوى الكبيرة ومتعاطي الرشوة على المستوى الداخلي والخارجي في الحكومة، وعليه فربما تكون أول سمكة يتم قليها تكون من الحزب الحاكم في السلطة
2- اختيار الموظفين من ذوي الكفاءات المهنية والاختصاص
3- وضع نظام عصري وعادل لتقييم أداء الموظفين
4- إصلاح الحوافز: حيث تكون معدلات الأجور في القطاع العام منخفضة في العديد من الدول، إلى الحد الذي لا يستطيع معه الموظف من إعالة أسرته دون العوز، إضافة إلى أن القطاع العام يفتقر إلى مقياس النجاح، فما يتقاضاه الموظف لا علاقة له بما ينتجه
5- ضرورة تطبيق أسس العقلانية الإدارية والتي من شأنها أن تلغي المحسوبية والرشوة وما إلى ذلك. 6- تعزيز أجهزة مكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بالكفاءات العالية والأجهزة، وهذا يتطلب وجود إدارة ضريبية على درجة عالية من الكفاءة
7- التعريف بعقوبات التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بشكل واضح، باعتبار ذلك أحد وسائل الردع.
8- التركيز على الفساد الموجود في القطاع الخاص، حيث درجت العادة بالاعتقاد بأن الفساد خلق في رحم القطاع العام وخرج إلى النور من مشاكله، إلا أن الفساد في القطاع الخاص ليس اقل حجماً وأثراً، لذلك يجب مكافحته
9- إقامة لجان نزاهة من كفاءات معروفة لمراقبة سير العمل الوظيفي في مؤسسات الدولة، ويشمل ذلك حتى المسؤولين الكبار في الدولة.
10- إشراك المواطنين في تشخيص الأنظمة الفاسدة، حيث يتمثل ذلك بإقامة الحملات الناجحة ضد الفساد ومشاركة المواطنين فيها، حيث انهم خير دليل للكشف عن مواقع الفساد وحدوثه
11- يجب أن تتخذ الحكومات دوراً فعالاً في الحد من الفساد، وذلك من خلال إرساء دعائم الديمقراطية وزيادة مشاركة المواطنين في المساءلة العامة والرقابة لإجراءات وأعمال الحكومة، وذلك بدوره يؤدي إلى تلافي الفساد والوقاية منه
12- اعتماد الشفافية في تعامل الشعب مع الحكومة والمنظمات والأحزاب، ليكونوا على علم تام بما تقوم به هذه الجماعات، وذلك لغرض إتاحة الفرصة للجماهير لمساءلة كل من يسيء لها وتعويدهم على الأسلوب الحضاري في المحاسبة ؛ مما يؤدي إلى اجتثاث الفساد
13- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في المساهمة بالحد من الفساد وبأشكاله المختلفة.
14- تفعيل الجهاز الإعلامي لما له من اثر كبير في الكشف عن عمليات الفساد الصغيرة والكبيرة، ودوره في توجيه الجماهير نحو محاربة الفساد والتعريف بمؤثراته وما ينجم عنه من أضرار.
15- تعزيز الاتفاقيات الدولية التي من شأنها أن تكافح الفساد العالمي والجريمة المنظمة وتوفيق التشريع الوطني بما ينسجم معها
16- ضرورة قيام تحالفات دولية بين بعض الدول والدول المجاورة لها لمراقبة الفساد عبر الحدود الدولية وضبطه.
17- إقامة المؤتمرات وإعداد البحوث والدراسات بشكل مكثف لتسليط الضوء وبشكل واسع على الفساد وآثاره المختلفة، لغرض تطويقه ووضع الآليات المناسبة للحد منه.
الخاتمة
إن الفساد بأوجهه المختلفة المحلية والعالمية هو آفة ما تلبث أن تفتك بالمجتمعات التي تنتشر فيها، وما ازدياد الأزمات والتقلبات في اقتصاديات الدول وازدياد الفقر والعوز، إلا وكان الفساد أحد أسبابها المباشرة، فالقضاء على الفساد الصغير غير مجدي مع بقاء الفساد الكبير، فالعملية تستوجب القضاء على كليهما، كما إن المسألة هي ليست المناداة بالقضاء على الفساد دون وضع الأسس العقلانية والممهدة فعلياً للقضاء عليه، فلا ننادي بضرورة القضاء على الفساد في الدولة دون وضع السبل الكفيلة في بادئ الأمر للوقاية منه، فبقاء الفساد وتوسعه معناه وقوع المجتمع في الفقر والتعرض للاضطرابات التي لا تنفك عنه إلا وتحيله حطاماً.