كان النبى صلى الله عليه وسلم يهنىء أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول : ” قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم “.
لكن الناس فى زماننا يختلفون في استقبالهم لشهر رمضان، منهم من يجعل همه الأكبر تخزين أكبر كمية من الطعام والشراب والياميش، ليكون رمضان بالنسبة له شهر الأكل والتلذذ بالمشهيات والمقبلات، ومنهم من يجعل همه الأكبر برامج القنوات الفضائية لمتابعة المسلسلات والمسليات والفوازير، ليكون رمضان بالنسبة له شهر اللهو والمتعة وتسرية الوقت، ومنهم من يجعل همه الأكبر الاستعداد لموسم الطاعات وأداء الفرائض والتقرب إلى الله عز وجل، وعقد النية على أن يغتنم الفرصة ليضيف إلى رصيده من الحسنات ما يثقل الميزان ويقرب الغفران .
ومن فضل الله علينا أن جعل الطاعات في رمضان مفتاح الخير كله، فهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ومن منا ليس بحاجة إلى الرحمة والمغفرة والعتق من النار؟!
والطاعات ليست في الصلاة والصيام فقط، وإلا كانت طرقها شاقة وضيقة على الناس، ولكنها برحمة الله متعددة الألوان والأشكال، وطرقها واسعة فسيحة، وأعظم الطاعات ما كان منها في الالتزام بالقيم الإنسانية الرفيعة، التي تشتاق إليها النفوس، وتميل إليها الفطرة السليمة، ورغم أن الالتزام بهذه القيم صار لدى فئات عديدة من الناس عادة، إلا أنه في الواقع وفي الأصل عبادة، وأعظم الطاعات ما انتقل من العبادات إلى العادات، فذلك يعنى مباشرة أننا اعتدنا على العبادات، وجعلناها نهجاً لحياتنا لا نتكلفها، وإنما نأتيها طائعین راغبين .
فصلة الرحم ـ مثلا ـ من أروع العبادات، وأكثرها طلباً لصلاح البلاد والعباد، وهي عبادة لها مكانة عالية عند الله وعند رسوله، لكى تجعل من المجتمع الإنساني مجتمعاً للمتآلفين والمتحابين والمتواصلين، ولذلك جعل الله ثوابها في الأيام العادية عظيما، لكنها في رمضان أكثر بركة وأعظم أجراً، ويكفينا فى هذا الصدد أن الله سبحانه وتعالى وعد الرحم – على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ـ بأن يصل من وصلها ويقطع من قطعها .
والصدقة في الأيام العادية عظيمة الأجر عند الله، لكنها في رمضان أعظم أجراً، وقد جعل الله للصدقات في رمضان أشكالا عديدة، منها ما يعطى للنفقة أو للكسوة أو للإطعام أو للإيواء، ثم توجها سبحانه بزكاة الفطر التى لايتحقق ثواب الصيام إلا بها .
كذلك الأمر بالنسبة لكفالة اليتيم وإكرام الضيف وإفطار الصائمين وعيادة المريض وقضاء حوائج الناس وجبر الخواطر وتخفيف الأعباء عن المثقلين، والصلح بين المتخاصمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشهادة الحق، هذه كلها قيم إنسانية نبيلة واجبة الأداء على الناس جميعا، في رمضان وفى غير رمضان، لكننا يجب أن نتذكرها أكثر في رمضان، ونحرص عليها، فنصعد بها إلى حالة من الرقي الإنساني خلال الشهر الفضيل، حتى نقول إن رمضان قد أثر فينا وغيرنا للأفضل، وأننا استفدنا من الصيام والقيام .
لم يجعل ربنا جل شأنه الصيام مجرد حرمان من الطعام والشراب، وإنما جعله مدرسة تربوية شاملة، لتهذيب النفوس وحرمانها من شهواتها المنكرة، وفى السنة المطهرة : ” من لم يدع قول الزور والعمل به، فلا حاجة لله فى أن يدع طعامه وشرابه ” .
ورمضان شهر التصافي والتسامح، شهر المودة الخالصة وغفران الذنوب والخطايا، يذكرنا بأن نسارع إلى العفو والرحمة، أن يعفو بعضنا عن بعض حتى يعفو الله عنا، وأن يرحم بعضنا بعضا حتى يرحمنا الله سبحانه وتعالى، فمن لا يرحم لايرحم .
ورمضان شهر الاختبار، والأذكي فينا هو الذي يعمل بجد ومثابرة من أجل النجاح في هذا الاختبار، حتى يفرح في النهاية بالجائزة، ولا يخرج من رمضان صفر اليدين، ولذلك جعله الله سبحانه أياماً معدودات، كأنه يذكرنا بحياتنا على الأرض، فهي أيضا أيام معدودات، وهى أيضا اختبار كبير نعيش فيه، ونحن ندرك أن الحساب في النهاية، بعضنا يهمل وبعضنا يضيع وقته وجهده وعمره فيما لا يفيد، وبعضنا يتنكب الطريق، ثم عندما تحين الساعة وتنتهي الحياة، نبكى ونندم على ما فرطنا، في لحظة لا ينفع فيها الندم .
کلنا خطاءون نعم ، وخير الخطائين التوابون، وقد أعطانا الله عز وجل فـرصـة جديدة للتوية، وفتح أمامنا أبواباً جديدة للخلاص من خطايانا، وهذا فضل منه سبحانه نحمده عليه، لأنه يتيح لنا أملاً جديداً في أن نبرأ من ذنوبنا كما نحب أن نبرأ من أمراضنا، ونعيش ما تبقى من أعمارنا حياة هانئة صافية .
تعالوا إلى فرصة جديدة، وبداية جديدة، تعالوا نتضرع إلى الله العلي القدير أن يجعلنا من المقبولين عنده في هذا الشهر العظيم، تعالوا نجعل من الشهر الكريم تجربة للعيش على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول : ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك “.
تعالوا نبك على خطايانا، ونطلب من الرحمن الرحيم أن يغفرلنا ذنوبنا، لقد وعدنا سبحانه بالرحمة والمغفرة والعتق من النار فى رمضان، وجعل المقابل لذلك شيئاً يسيراً جداً، أن نستجيب له فيما أمر به وما نهى عنه، فيقول تعالى : “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بی لعلهم يرشدون “.