تستضيف جمهورية مصر العربية الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022، خلال الفترة من 7 – 18 نوفمبر 2022 والذي يقام في مدينة شرم الشيخ. وسيعمل على تقدم المحادثات العالمية بشأن المناخ، وتعبئة العمل، وإتاحة فرصة هامة للنظر في آثار تغير المناخ في أفريقيا. وتتولى مصر رئاسة مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ COP 27 في توقيت بالغ الحساسية. إذ يأتي في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد العالمي بعد من تبعات جائحة كورونا، ويشهد فيه العالم توترات جيوسياسية مؤسفة ستكون لها -فضلًا عن أبعادها الإنسانية- تأثيرات سلبية بدأنا نلمسها بالفعل على الاقتصاد العالمي وعلى إمكانيات تحقيق النمو الاقتصادي المستدام المطلوب، مما يحتم كله تكاتف الجهود لإنجاح هذا المؤتمر وإحرازه التقدم المنشود على طريق خفض الانبعاثات ووقف الارتفاع في درجات الحرارة المسبب للاحتباس الحراري والمؤدي بدوره لتلك الآثار السلبية.
كما ينعقد مؤتمر شرم الشيخ بعدما نجح المجتمع الدولي خلال مؤتمر جلاسجو عام 2021 في إتمام الاتفاق على تفاصيل تنفيذ اتفاق باريس وحشد الإرادة السياسية نحو الحفاظ على معدل الزيادة في درجات الحرارة عند درجة ونصف مئوية، إلا إنه يبقى لزامًا على كل الدول الأطراف العمل بقدر أكبر من الجدية للتوصل لتوافقات حول مسألة تمويل المناخ والتكيف مع آثاره السلبية.
وتأتي قضية تغير المناخ على رأس التحديات التي تواجه العالم حاليًا، بعدما ثبت بالدليل العلمي أن النشاط الإنساني منذ الثورة الصناعية وحتى الآن تسبب، ولا يزال، في أضرار جسيمة تعاني منها كل الدول والمجتمعات وقطاعات النشاط الاقتصادي، مما يستلزم تحركًا جماعيًا عاجلًا نحو خفض الانبعاثات المسببة لتغير المناخ مع العمل بالتوازي على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ. لذلك وضعت مصر قضية تغير المناخ في مقدمة جهودها نظرًا لموقعها في قلب أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ. فرغم أن القارة الأفريقية هي تاريخيًا الأقل إسهامًا في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا إنها من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من آثار تغير المناخ مثل: تزايد وتيرة وحدة الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع منسوب البحر، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، مع ما تمثله هذه الظواهر من تهديد لسبل عيش الإنسان ونشاطه الاقتصادي وأمنه المائي والغذائي وقدرته على تحقيق أهدافه التنموية المشروعة والقضاء على الفقر.
فالدول المتقدمة لم تف حتى الآن بالتزامها توفير 100 بليون دولار سنويًا لتمويل جهود الحد من آثار التغيرات المناخية والتكيف معها في الدول النامية علمًا بأن هذا الرقم يقل كثيرًا عن الوفاء بالاحتياجات الفعلية للدول النامية لتنفيذ إسهاماتها في جهود التعامل مع تغير المناخ، كما أن قضية التكيف مع الآثار السلبية تحتاج لإجراءات وخطوات عملية ملموسة لدعم الدول النامية في تعاملها مع تلك الآثار.
وعلى الرغم من أن الانبعاثات التي تصدر عن مصر لا تتجاوز 0.6% من اجمالي انبعاثات العالم تعد مصر واحدة من أكثر الدول عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من القطاعات مثل السواحل والزراعة والموارد المائية والصحة والسكان والبنية الأساسية والبيئة، وهو ما يؤدي الى إضافة تحدي جديد إلى مجموعة التحديات التي تواجهها مصر في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤيتها لتحقيق تلك الأهداف بحلول عام 2030، حيث تولي رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر.
وفي هذا السياق أطلقت مصرالاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ فى مصر 2050 ، والتى تعد بمثابة خارطة طريق لتحقيق “الهدف الفرعي الثالث من إستراتيجية ورؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 المحدثة وهو “مواجهة تحديات تغير المناخ” ، حيث تمكّن الإستراتيجية مصر من تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والإنمائية المرغوبة للبلاد، وذلك بإتباع نهج مرن منخفض الانبعاثات.
وعلى صعيد مساهمة مصر في جهود خفض الانبعاثات، فقد تم اتخاذ العديد من الخطوات مثل وضع إطار استراتيجية تنمية منخفضة الانبعاثات حتى عام 2030 والتي جري تحديثها حتى عام 2050 لتتناول خطط التنمية الوطنية وخطط تغير المناخ في إطار متسق ومتناغم، ووضع استراتيجية الطاقة المستدامة لمصر 2035 والتي تستهدف زيادة مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة في توليد الكهرباء وتحسين كفاءة الطاقة، وتنفيذ العديد من مشروعات الطاقة المتجددة (مثل مشروعات طاقة الرياح، مشروعات الطاقة الشمسية بقدرة 1,6 جيجاوات في بنبان بأسوان)، والنظرة المستقبلية لتصبح مصر مركزًا إقليميًا للطاقة من خلال إنتاج وتصدير الطاقة النظيفة مباشرة أو من خلال الهيدروجين الأخضر والأمونيا وغيرها، ومشروعات النقل المستدام كمترو الانفاق والمونوريل وتحسين كفاءة الطاقة في الصناعة، وكذلك زراعة الغابات باستخدام ماء الصرف الصحي المعالج، ومشروعات الإدارة المستدامة والذكية للمخلفات، كما يجري الانتهاء من البنية التحتية لمنظومة المخلفات لاستيعاب كميات المخلفات، والأخذ فى الاعتبار نسبة الزيادة السكانية المستقبلية.
ومع التحديات التى يعانى منها الاقتصاد المصري حاليا بسبب تغير المناخ تسعى الحكومة المصرية للإنضمام لمسار الدول التى تعمل على الاستفادة من هذه المحنة من خلال تشجيع الاستثمارات الصديقة للبيئة والمناخ، ولعل أهم المبادرات للحكومة هى السندات الخضراء والتى تتيح تسهيلات لتنفيذ تلك المشروعات حيث نجحت مصر في الإصدار الأول للسندات الخضراء بقيمة 750 مليون دولار بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام، كما تم إعداد الإطار الارشادي لإدماج البعد البيئي بنسب معينة فى مشروعات وخطط الدولة.
أن الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ تضع جودة حياة المواطن المصري كأولوية، وهو ما يتماشى مع الهدف الاستراتيجي الأول ضمن إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030، و تتشكل رؤية الإستراتيجية بطريقة تضمن حماية المواطنين من تأثيرات تغير المناخ، مع الحفاظ على تنمية الدولة بطريقة مستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية وتتمثل رؤية الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في:”التصدي بفاعلية لآثار وتداعيات تغير المناخ بما يساهم في تحسين جودة الحياة للمواطن المصري، وتحقيق التنمية المستدامة، والنمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولي في مجال تغير المناخ”.
أن الإستراتيجية الوطنية المصرية لتغير المناخ 2050 ستسهل عملية تخطيط وإدارة تغير المناخ على مستويات مختلفة بطريقة تدعم تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية المرغوبة للدولة بإتباع نهج منخفض الانبعاثات، مشيرةً إلى أن رؤية مصر 2030 تعتبر المظلة الاستراتيجية للتنمية فى الدولة، حيث تدمج الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 جميع الأهداف الرئيسية و الفرعية المتعلقة بتغير المناخ الموجودة بها.
أهم مكتسبات استضافة مصر لمؤتمر (27 COP )
1- على المستوى الاقتصادى سيساهم فى الترويج السياحي لمصر، وسيكون جاذبا للاستثمارات من شراكات دولية وإقليمية.2- سيعمل على الترويج للصناعة والمنتجات المصرية والحرف والصناعة التقليدية، التى ستعرض على هامش المؤتمر.3- المستوى السياسى سيتم توظيفه للدفع بأولويات القضايا المصرية، على رأسها الأمن المائي المصرى، وكيفية تأثير تغير المناخ عليه.4- سيساهم فى دعم الثقل الرئاسي والتواجد المصرى في المحافل الدولية الرئيسية ومنها G20 ، وطرح مبادرات في مجال تغير المناخ والمياه، والآثار العابرة للحدود لجهود التكيف وخفض الانبعاثات.5- سيقوم بتعزيز العلاقة مع بعض من الشركاء الرئيسيين، وتوسيع مجالات التعاون، لتأكيد ثقل مصر وقدرتها على استضافة وإدارة المؤتمرات الدولية.6- على المستوى سيتم إتاحة الفرصة لإبرام شراكات، اضافة لتوفير مصادر تمويل إضافية من المنظمات الدولية لتمويل مشروعات للتصدي لتغير المناخ في مصر.7- على المستوى البيئى سيكون للمؤتمر دور بالغ الأهمية، لتعزيز جهود الدولة في تنفيذ استراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030 ، حيث إن البعد البيئي، يعد بعداً رئيسيا للاستيراتيجية، بالتوازى مع مساعى مصر وجهودها للتعافي الأخضر.8- سيساهم المؤتمر فى تسليط الضوء بشكل واسع ومكثف على مصر ودورها وسياساتها ومشروعاتها القومية، من خلال وسائل الإعلام العالمية. بسبب الإهتمام الكبير على المستوى العالمي بقضية تغير المناخ.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان استاذ – عضو اللجنة العلمية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم .