في زيارة لاوغندا أصر صديقي د.جمال شاكر رئيس بعثة الري في كمبالا آنذاك على أن تكون وجبة الغذاء سمك من بحيرة فيكتوريا لانه سيكون مفاجأة مذهلة وبالفعل اصطحبنا ومجموعة من المهندسين المصريين الجدعان الذين يعملون في مشروعات تطوير البحيرة ومساعدة الاوغنديين على استغلال ثرواتها وخاصة السمكية واستخدامها في النقل وأخذنا السمك العجيب من مركب صيد صغير مشبك في شنكار ذكرني بما يفعله هواة الصيد من الترع عندنا عندما يدخلون الخيط في خياشيم السمك حتى يتم وضعها في الماء فتظل حية حتى نهاية يوم الصيد حيث لم يكن مشهورا صناديق الثلج المعروفة وغيرها من أدوات ووسائل الحفظ..
بحيرة فيكتوريا رهيبة في مساحتها وخيراتها فهي ثاني أكبر مسطح مياة عذبة في العالم في قلب افريقيا.السمك بلا حساب اشكال وألوان وأحجام كبيرة جدا قد تصل البلطية أو قشرالبياض الواحدة عدة كيلوجرامات.السمك توحش في البحيرة.
اخذنا السمك الملعبط وتوجهنا إلى احد الفنادق الرائعة في منطقة ساحرة أعلى نقطة المياة على نهر النيل في مدينة جنجا حيث توجد محطات قياس النيل.مشهد مبهر وانت معلق على منطقة شاهقة الارتفاع تشاهد المصب الرئيسي المياة المنطلقة والمتدفقة إلى نهر النيل من نقطة البداية نقطة الصفر للرحلة الطويلة لمياه النيل حتى يصل إلى بحيرة السد العالي.
المشهد والأحداث تأخذ عقلك حتما إلى السد العالي والبحيرة وتتداعى الأفكار والمقارنات والمقترحات وتتوه مع الاماني والاعمال وتغرق في الاحلام وشكل المستقبل السعيد والخيرات الوفيرة الهابطة من السماء والمتدفقة من الأرض يروضها النيل بسحره وجماله وشدة عنفوانه وتطاوله من أعالي البحيرات بقدر ماتروضه شلالات مياة قدسية حديثة عهد بالسماء تمنحه سرا علويا في التطهر والتطهير مؤكدا الوعد والمنحة الربانية “وأسقيناكم ماء طهورا”.
من فوق حاجز على قمة السد في اسوان جلست أتأمل حالة سكون وصفاء سماوي يمتد على مدى البصر زرقة الماء الرهيبة الموحية والمستريحة من مشوار الثلاثة أشهر من جنجا استدعت على الفور مشاهد بحيرة فيكتوريا بخيراتها وغاباتها وشالالاتها والخيرات المطورة تحت السطح وعلى جوانبها في كل مكان في الفضاء الفسيح.
السؤال الكبير متى تبوح البحيرة بأسرارها وتكشف اللثام عن خيراتها لتتدفق وتنعش عروق التنمية الممتدة والمتطاولة وتقف على شواطئها شبه حائرة رغم كثرة الغواصين والمحبين.
في مخزون الذاكرة وعلى هوامشها مشروعات حالمة عن مصائد ومصانع للاسماك واعلاف وتجارة تعانق التماسيح التى توحشت على اسماك مستوحشة تأكل اسماك لم تضل بعد الطريق الى أفواه المصريين المتشوقين إلى كل ذيل والمتطلعين إلى كل زعنفة من سمكة تقاوم اسنان الهوامير تحت الماء وعلى الشواطىء الخلفية!
الثراء الذي تمتلكه البحيرة ومناطق الجنوب من فوقها وتحتها وحواليها يضفي على احاديث التنمية والمشروعات الكبرى عنها أهمية خاصة ليس فقط لقيمة العوائد الاقتصادية ولكن لدلالات وطنية حضارية.
في الجنوب يعني نقاط ارتكاز على حجر صوان شديد الصلابة حسا ومعنى.استعادة لدور حضاري فريد في موقع شديد الأهمية افريقيا وعربيا وهي الملامح التى أدركها وتعامل معها المصري القديم بذكاء وحكمة ورشاد.فجعل المنطقة عاصمة الدولة ومركز الحكم وإدارة شئون البلاد. بل كانت مركزا علميا مرموقا يقصده القاصدون من بلاد العالم إلى ام الدنيا.المصري القديم كان يدرك سر الاسرار التى أشار إليها سيدنا يوسف الصديق حين قال بوضوح وثقة “اجعلني على خزائن الأرض” نعم هناك خزائن الخيرات البرية والبحرية وغيرها.
هناك في الجنوب ارض الذهب وكل مايذهب اللب.من الخطأ بل الخطيئة أن تنحصر الأمور في سياحة لاتزال ضعيفة رغم المقومات على هذا الصعيد وفي تسويق مشاتي لم يتجاوز الخطوات الأولى أو حدود الفكرة التي تنشط حينا وتترنح دائما.
من المبشرات في الآونة الأخيرة أن تتجه افكار المشروعات الكبرى صوب الجنوب تحوم وتحلق حول البحيرة بعدا وقربا في توشكى واخواتها وما شابهها.
آن الأوان أن نقترب ونقتحم المجال الحيوي للبحيرة بالجدية المطلوبة والحرص الواجب الذي يبدد اي مخاوف من اي نوع لم يعد لدينا ترف الوقت لتضيع سنوات وسنوات في التأمل والاستغراق في مهاترات التخويف وأوهام القلق..أحاديث الأسماك ومشاريعها والتماسيح وانصارها والمتربصين ولعاملين عليها امور تحتاج إعادة إحياء بفكر عصري متطور يحقق أقصى فائدة للبلاد والعباد.
أسعدني أكثر ما سمعته وقرأت عنه من مشروعات في قلب البحيرة وكأني ببحيرة السد وقد بدأت أو تستعد لأن تبوح بأسرارها المخبأة منذ عشرات السنين.
يتحدثون الان عن مشروع الذهب أو مشروع القرن يعتمد على الطمي الراكد في قلب البحيرة.وهو في الحقيقة كان ولايزال يمثل مشكلة كبرى بعد أن ارتفعت الترسبات إلى درجة كبيرة تضغط بإلحاح للبحث عن طريقة فعالة للتخلص منه.وهو ما حدث بعمليات تكريك بتحريكه لينصرف جزء منه مع المياة العابرة لبوابات السد .الدراسات العلمية تؤكد أن كمية الطمي المترسبة حوالي ٢٠٠ مليون طن ومشرعة بالمعادن والذهب.
والمعروف أن الجبال والمناطق المجاورة للبحيرة غنية بالذهب وهو على سطح الأرض ويستخرجه المهربون بوسائل بدائية في مناطق معروفة ومحظورة ايضا.
الدكتور محمد علي حسن أستاذ هندسة الفضاء والنانو في الجامعات اليابانية قدم أفكارا مهمة لاستغلال الطمي وإقامة مشروع كبيرعليه سماه مشروع الذهب..واقترح للبدء فيه انشاء “قطار اٍلطمي” لنقل 140 مليون طن طٍمي مشبعة بالٍمعادن والذهب محتجزة خلف السد العالي وإنشاء خط أنابيب لنقل المياه من توشكٍى إلى منخفض القطارة وإنشاء شٍركة وطنية للتكريك يكونٍ عملها الأساسي إخراج الطمي من بحيرة ناصر للزراعةٍ واستخلاص الذهب والمعادٍن منه..مؤكدا ان كمية الطمي تكفي لاستصلاح الصحراءٍ الغربية بأٍكملها كما يؤكد الخبراء وأساتذة كليات الزٍراعة.
الطمي سيم نقله عبر خط سكة حديد ويتم توزيعه على طول طريقه الذٍى يبدأ من البحيٍرة وينتهيٍ فى منخفضٍ القطارةً و يحصل المٍستثمرون والشركات الوطنية على الطمي مقابل دفع ثمن معقول لتحسين خصائصٍ تربة الأراضى الذينٍ أشتروها حول خطٍ القطار ٍوانبوب المياهً
المشروع العملاق يساعد في زراعة ملايين الأفدنة بمحاصيل تحتاجها مصر وقابلة للتصدير بإستخدٍام أحدث طرق الري مثل التنقيط والزراعة فى صوب زراعية وٍبدون أسمدة كيمائية (زراعات عضوية -اورجانيك) وعليها طلب كبير ومتنامي فى أوروبا وأمريكا واليابان وبأسعار مرتفعة.
إضافة إلى إعادة توطٍين الٍملايين من المٍصريين خارج وادي النيل الضيق وخلق مجتمعات سكانية حول بحيرة السد تعمل فى صيد الأسماك يمكن نقلها بثلاجات فى القطار وكذلكٍ صيد ملايين التماسيح التى تلتهم كمية كبيرة من الأسماك والاٍستفادة من جلودها الثمينة.
وتخفيف الأحمال الٍميكانيكية على جسم السد بسبب تراكم الطمي خلفه منذ أكثر من 50 سنة والذى حرم وادي النيل من طمي الفيضان المغذي للتربة وأدي إلى تآكل شواطئ الدلتا.
نقطة مهمة أخرى يشير إليها د.محمد على وهي أن ملء منخفضٍ القطارة تدٍريجيا بالمياه العذبٍة ليكون مستودع ٍماء عذب لتعمير الساحل الشمالي والعلمين ٍومطروح وبرج الٍعرب الصناعية بالإضافة للمجتمعات السياحية والعمرانية وٍالصناعية التى ستنشأ حول المنخفض.
الخير قادم..والله المستعان..
Megahedkh@hotmail.com