تزايدت أهمية التزامات المطابقة للبضائع في الأنظمة القانونية المختلفة مع التطور الذي طرأ على اقتصاد السوق, وفي الوقت الذي أصبحت فيه التجارة أكثر أهمية في حياة الشعوب, أمست مشاكل عدم المطابقة تحتل الصدارة في عقود بيع البضائع.
وفي ظل اتفاقية فيينا 1980 نلاحظ أن النصوص المتعلقة بالمطابقة استندت على مفهوم موحد في هذا المجال, على الأقل فيما يتعلق بالجوانب المادية لتسليم البضائع ” جودتها, كميتها, مطابقتها للوصف والاستعمال المعتاد لها في الأغراض الخاصة”.
والعمل على توحيد أشكال المعالجة لمشاكل المطابقة يمكن تحقيقه فضلاً عن وجود الرغبة الأكيدة له. ولم تتضمن الاتفاقية قواعد مباشرة تعنى بتطابق البضائع مع معايير السوق المحلية لدولة المشتري, ومن ثم فأنها لم تشكل إخلالا جوهرياً للعقد, مالم يعتمد عليها المشتري في تعاقده.
كما أن توجيه أخطار عدم المطابقة يمكن ان يكون بطرق مختلفة طالما أنها تفيد في أثبات الطرف الذي اخل بالتزاماته عند تنفيذ العقد, ويلعب شكل الأخطار والوقت المحدد لتوجيهه ومحتوياته دوراً في بروز مشاكل عدة تكمن أهمية هذه الدراسة في تحديد التزام البائع في حالة عدم مطابقة البضاعة للمواصـفات التـي اتفق عليها المتعاقدان أثناء إبرام عقد البيع الدولي، وكذلك فـي حالـة عـدم صـلاحية البـضائع للاستعمال في الأغراض التي تستعمل من أجلها عادة بضائع من النوع نفسه.
هذا المبدأ منـصوص عليه في المادة 35 من الاتفاقية، والأحكام القانونية المطبقة في حالة عدم المطابقة أو أن البضاعة غير مقبولة أو إذا كانت غير صالحة للاستعمال الخاص الذي يقصده المشتري هي محددة في المواد اللاحقة وخاصة من حيث تحديد الميعاد الذي يجب على الطرف الآخر الادعاء خلاله حـسب نـص المادة 39 من الاتفاقية. وإذا تضمن العقد نقل بضائع فيؤجل فحص البضاعة إلى حين وصولها إلـى المكان المرسلة إليه، ويرتبط التزام المشتري بالفحص التزامه بإخطار البائع بعيب عدم المطابقـة،
وإلا فقد حقه في التمسك بالضمان. كما يجب على البائع أن يسلم بضاعة خالصة من أي ادعاء للغير في حالة التعرض القانوني والتعرض في حالة الملكية الصناعية أو الملكية الذهنية عندما يتعلق بالبضاعة حق من هذه النوعية.
تحتل التجارة الدولية دون منافس مركز الصدارة في العلاقات الحديثة ، وذلك لما تنطوي عليه من تبادل للثروات والخدمات وعمليات الانتاج ولما تتضمنه من نقل المواد الأولية والبضائع والسلع المختلفة من اسواق الانتاج الى اسواق الاستهلاك والاستثمار . ويتم النشاط التجاري الدولي في الغالب من خلال عقد البيع الدولي . فإذا كان لعقد البيع في ميدان التعامل الداخلي دوراً اساسياً ، فأن هذا الدور يتعاظم وتزداد اهميته في ميدان التعامل التجاري الدولي . وبغية تحقيق الهدف الذي يسعى اطراف عقد البيع الدولي للبضائع الى تحقيقه ، فلا بد من اتمام تنفيذ الالتزامات العقدية لهم وكما مثبت في العقد . فعقد البيع الدولي في الواقع ليس بمفرده ، بل ان هناك سلسلة من العقود الدولية والعمليات المصرفية المرتبطة به (1) والتي تشكل معه وحده واحدة لاتقبل التجزئة .فأذا انفسخ ذلك العقد فأن ذلك سينتج اثره السلبي على كافة العقود الاخرى المرتبطة به. وعندئذ نجد ان العقد الذي تكمن وظيفته الاساسية في استقرار المراكز القانونية لأطرافه خلال مدة التنفيذ وتحقيق قدر من الفائدة لهم قد أصبح محكوماً عليه بألا يقوم بهذا الدور المعهود به. لذلك فقد حرص واضعوا الاتفاقيات الدولية المنظمة لعقد البيع على الحفاظ على العقد قدر الامكان وانقاذه من الزوال والتقليل من الحالات التي تبرر اللجوء الى الفسخ ، حتى في حالة اخلال احد طرفيه بالتزاماته العقدية سواء تجسد هذا الاخلال في عدم تنفيذ تلك الالتزامات أو تنفيذها على نحو معيب. وقد تجلى هذا الحرص في ان اغلب الاتفاقيات قد اشترطت في الاخلال الذي يبرر اللجوء الى الفسخ ان يكون على درجة كبيرة من الخطورة ، وهو ما اطلق عليه المخالفة الجوهرية للعقد . عليه فأن الاخلال بالعقد اذا كان يشكل مخالفة جوهرية فأنه يكون مبرراً للفسخ وبخلافه لايكون للمضرور اللجوء الى الفسخ بل عليه اللجوء الى الحلول الاخرى كالمطالبة بالتنفيذ العيني أو التعويض .
واذا أمعنا النظر في النصوص القانونية الوطنية ، فأننا سنجد بأن فكرة المخالفة الجوهرية غريبة – الى حد كبير عنها -. اذ ان الاخلال بالعقد والذي يخول المضرور حق اللجوء الى الفسخ يتخذ مفهوماً محدداً الى حد بعيد عن مفهوم المخالفة الجوهرية للعقد .
ويثير موضوع المخالفة الجوهرية الكثير من التساؤلات ، فما هي عناصر المخالفة الجوهرية للعقد ؟ وما الذي تثيره تلك الفكرة من اشكاليات في التزامات كل من البائع والمشتري ؟ واذا كان الفسخ هو مايترتب من جزاء على ارتكاب احد الطرفين مخالفة جوهرية ، فكيف يتم ايقاع الفسخ ؟ وماهي القيود الواردة على استعمال حق الفسخ والآثار المترتبة عليه ؟ لذلك فقد تم تقسيم هذه الدراسة الى مبحثين ، تناول الاول مفهوم فكرة المخالفة الجوهرية من خلال التعرف اولاً على مفهوم الاخلال المبرر للفسخ في القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ، ومن ثم التعرف على العناصر المكونة للمخالفة الجوهرية وايراد تطبيقات عملية لها في التزامات البائع والمشتري .اما المبحث الثاني فقد خصصناه لدراسة الجزاء المترتب على ارتكاب المخالفة الجوهرية ، وهو فسخ العقد من خلال دراسة كيفية ايقاع الفسخ والقيود الواردة على استعمال حق الفسخ ، والآثار المترتبة على الفسخ .
هذا ولم يحظ موضوع المخالفة الجوهرية للعقد بما يكفي من البحث ، ولم تُبذل الجهود الكافية لأعطاء الموضوع ابعاده اللازمة والاحاطة بجميع جوانبه القانونية النظرية منها والعملية والوقوف على معطياته المختلفة وبما ينسجم مع خصوصيته . وقد اعتمدنا في هذه الدراسة منهجاً مختلطاً فكان منهجاً مقارناً تأصيلياً وتحليلياً . فهو منهج مقارن حيث عمدنا الى دراسة الموضوع في تشريعات وطنية متعددة تنتمي الى نظم قانونية مختلفة ، وعلى الصعيد الدولي قمنا بعقد المقارنة بين الاتفاقيات الدولية التي تبنت مفهوم المخالفة الجوهرية لاسيما اتفاقية فينا للبيع الدولي للبضائع (1980 )، واتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية 1964 ، ومبادئ العقود التجارية الدولية ( اليونيدروا ) . وهو منهج تأصيلي حيث قمنا برد الفروع الى اصولها والرجوع الى النظرية العامة للعقد في اكثر من موضع ، اذ ان تجارية العقد ودوليته لاتخرج به عن فلك النظرية العامة للعقد . وأخيراً ، كان منهجنا في البحث تحليلياً ، حيث تم تحليل ودراسة كل جزئية وكل اشكالية ترد ، وفي ضوء مختلف اوجه الطروحات الفقهية والقضائية وكذلك تحليل القواعد القانونية الداخلية والدولية وبيان ابعادها وآثارها .
المبحث الاول
مفهوم المخالفة الجوهرية للعقد
تعد فكرة المخالفة الجوهرية من الافكار الجديدة التي لم تعرفها قوانين دول عديدة ، ومنها العراق . فالاخلال المبرر للفسخ في التشريعات الوطنية يتخذ مفهوماً محدداً يختلف الى حد بعيد عن مفهوم فكرة المخالفة الجوهرية والتي تجد اساسها في اتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية 1964 . وقد استلهم واضعوا هذه الاتفاقية الفكرة المذكورة من القانون الانكليزي تحديداً ومن خلال التمييز بين ما يعرف بالشرط Condition والضمان Warranty في هذا القانون .
الا ان التنظيم القانوني الواضح لفكرة المخالفة الجوهرية نجده في اتفاقية فينا 1980 ، اذ تعرضت فكرة المخالفة الجوهرية في اتفاقية لاهاي لنقد شديد آثار نقاشات طويلة استمر على مدى سنوات عديدة من الاعمال التحضيرية التي سبقت اقرار اتفاقية فيينا عام 1980 ،مما تمخض عنه تبني مفهوم جديد للمخالفة الجوهرية من خلال نص المادة (25) من اتفاقية فيينا (2) .
ويتجسد التنظيم القانوني لفكرة المخالفة الجوهرية في اتفاقية فيينا بوضع مفهوم محدد للمخالفة الجوهرية يقوم على عناصر متعددة ، وينعكس على تنفيذ الاطراف لالتزاماتهم في عقد البيع وهو ما يجسد تطبيقات حية لهذه الفكرة .
لذا فأننا سنقسم هذا المبحث الى مطالب ثلاثة نتناول في الاول الاخلال المبرر للفسخ في كل من القانون العراقي والقانون الانكليزي واتفاقية لاهاي 1964 ثم نعرض في الثاني لعناصر المخالفة الجوهرية للعقد ، واستكمالاً لترسيخ فكرة المخالفة الجوهرية فأننا سنفرد مطلباً ثالثاً لأيراد تطبيقات لفكرة المخالفة الجوهرية للعقد في التزامات كل من البائع والمشتري .
المطلب الأول
الأخلال المبرر للفسخ في بعض الانظمة القانونية
تخلو القوانين المقارنة في الواقع من فكرة المخالفة الجوهرية للعقد والتي تبرر فسخه ، فالقانون المدني العراقي يجيز في العقود الملزمة للجانبين – ومنها عقد البيع – لأحد الطرفين طلب فسخ العقد متى تخلف الطرف الآخر عن تنفيذ التزاماته . وبهذا الصدد تنص المادة (77) مدني /عراقي على انه : ( في العقود الملزمة للجانين اذا لم يوفِ احد العاقدين بما وجب عليه بالعقد جاز للعاقد الآخر بعد الاعذار ان يطلب الفسخ مع التعويض ان كان له مقتضى . على انه يجوز للمحكمة ان تمهل المدين الى اجل كما يجوز لها ان ترفض طلب الفسخ اذا كان مالم يوفِ به المدين قليلاً بالنسبة للالتزام بجملته ) (3) .
هذا ولم يحدد القانون درجة الجسامة التي ينبغي ان يتصف بها الاخلال بالالتزام تاركاً ذلك للسلطة التقديرية لقاضي محكمة الموضوع . فكل مايشترطه القانون في الاخلال هو ان يكون قد وقع بالفعل ، سواء في ذلك أكان اخلالاً كلياً بالالتزام أم أخلالاً بجزء منه فقط (4). بل ان الاخلال قد يتحقق قبل حلول أجل تنفيذ الالتزام متى اعلن المدين جازماً انه لن يقوم بتنفيذ التزاماته عند حلول أجله ، وهو ما يسمى بالاخلال المبتسر بالعقد (5).
والواقع في الامر ، فأنه لايجوز للدائن التقدم بطلب الفسخ الى القضاء لأرتكاب المدين اخلالاً بالتزاماته العقدية الا بتوفر شرائط ثلاثة ، الاول هو قيام الدائن بتوجيه اعذار للمدين بضرورة التنفيذ . وعندئذ فأن القاضي لايكون ملزماً بأجابة طلب الفسخ، فقد يقضي بفسخ العقد مع تعويض الدائن عما اصابه من ضرر اذا تبين له من ظروف القضية ان المدين قد تعمد عدم التنفيذ أو انه اهمل في ذلك اهمالاً واضحاً وجلياً . وقد يقضي بالأبقاء على العقد ورفض طلب الفسخ اذا كان ما لم يقم المدين بتنفيذه لايشكل الاجزءً يسيراً بالنسبة لمجمل التزامه . وعندئذ فأن القاضي قد يمنح المدين أجلاً جديداً لتنفيذ ما تبقى في ذمته من التزام(6) .
والشرط الثاني هو ان لايكون عدم التنفيذ راجعاً الى السبب الاجنبي أياً كانت صورته (7) . اذ تنتهي مسؤولية المدين عن عدم التنفيذ وينقضي التزامه والالتزام المقابل له ، وينتهي العقد من تلقاء نفسه (8) .
أما الشرط الثالث لأجابة طلب الفسخ فهو أن يكون طالب الفسخ مستعد لتنفيذ التزامه وقادر على ذلك . فأذا كان هو ايضاً لم ينفذ التزامه بعد أو أن ظروفاً معينة طرأت بعد أبرام العقد وجعلت التنفيذ غير مستطاع بالنسبة اليه ، فلا يجوز عندئذ أجابة طلب الفسخ(9) .
وقد ثار التساؤل حول تحديد المعيار الذي يستند اليه القاضي في تقدير مدى اخلال المدين بألتزامه . اذ يتنازع المساءلة معياران . اولهما شخصي قوامه الاعتداد بنية الدائن حول جدوى الالتزام الذي لم يتم تنفيذه .فأذا ادى عدم التنفيذ الى ضياع المنفعة التي كان يرجو الدائن تحقيقها من تنفيذ المدين التزامه عُدَّ عدم التنفيذ عندئذ ، موجباً للفسخ (10) . أما المعيار الثاني فهو موضوعي يستند الى النظر الى ما لم يتم تنفيذه من التزام المدين كماً أو نوعاً . اذ يرى البعض بأنه اذا كان مقدار ما لم يتم تنفيذه يصل الى درجة من الأهمية بحيث يترتب عليه فوات المنفعة المرجوة من العقد كان للقاضي الحكم بالفسخ (11) . في حين يرى البعض الآخر بضرورة التمييز بين الالتزامات الجوهرية أو الرئيسية وهي التي يكون وجودها لازماً لوجود العقد ، والالتزامات التبعية التي لاتعد كذلك ، اذ يؤدي الاخلال بالالتزامات الأولى الى اجابة طلب الفسخ(12) .
وقد حسم المشرع العراقي الامر من خلال نص الفقرة الاولى من المادة (177) ، اذ اعتمد المعيار الموضوعي في شقه الاول عندما أجاز للقاضي رفض طلب الفسخ اذا تبيَّن أن مقدار ما لم يتم تنفيذه من التزام المدين قليلاً بالنسبة للالتزام في جملته . كأن لم يقم المشتري بوفاء جزء يسير من الثمن ، ام لم يقم البائع بتسليم جزء بسيط من البضاعة(13) .
نخلص الى القول بان الاخلال المبرر للفسخ في القانون المدني العراقي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه كلاً او جزءا” عن عمدٍ أو عن اهمال مع استبعاد السبب الاجنبي.
أما القانون الانكليزي فأنه يعتمد نظاماً آخر للفسخ يعتمد بالدرجة الاساس على اهمية الاشتراطات العقدية التي يتم الاخلال بها ، وهو ما يعد تمهيداً لفكرة المخالفة الجوهرية للعقد . ففي القانون الانكليزي ومنذ أمد بعيد ،نجد أن الاشتراطات العقدية أي التي تدخل ضمن تركيب العقد وأحكامه بما ترتبه من التزامات على عاتق اطرافه ليست على درجة واحدة من الأهمية . وعليه فانها تختلف ايضاً من حيث الأثر المترتب على الاخفاق في تنفيذها(14) .والتفرقة الاساسية هي بين مايسمى بالشرطCondition (15) وهو كل حكم يتصل مباشرة بجوهر العقد الى الحد الذي يعتبر معه الطرف الآخر ان عدم الوفاء به هو اخفاق في تنفيذ العقد برمته ، بما يبرر فسخ العقد بأرادته المنفردة (16) ، وبين مايسمى بالضمان Warranty وهو اشتراط عقدي ايضاً ولكنه قليل الأهمية ، فلا يكون عدم القيام به متصلاً بجوهر العقد . وتعرفه م (62/1) من قانون بيع البضائع الانكليزي لعام 1979 بأنه : (( اتفاق متعلق بالبضاعة محل عقد البيع ، ولكنه اتفاق جانبي بالنسبة للغرض الأصلي لمثل هذا العقد ))(17) . فأذا حدث الاخلال بالضمان ثبت للدائن الحق في المطالبة بالتعويضات ولايجوز له اللجوء الى الفسخ . هذا ويتم الركون الى تفسير بنود العقد للوصول الى قصد المتعاقدين فيما يعد شرطاً ومايعد ضماناً في ضوء ظروف وملابسات القضية .
وعلى سبيل المثال يعد شرطاً وفقاً لقانون بيع البضائع الانكليزي ، الزمن وكذلك التزامات البائع المتعلقة بنوعية البضاعة وصلاحيتها ، والتزامات المشتري المتعلقة بقبول البضاعة أو استلام المستندات وفقاً للبيع سيف C.I.F ، لانها التزامات جوهرية، فالاخلال بتنفيذ هذه الالتزامات يجيز للمضرور فسخ العقد . أما وقت سداد الثمن فهو لايتعدى ان يكون ضماناً ما لم يتفق على خلاف ذلك(18).
بالاضافة لما تقدم فقد صدرت العديد من الاحكام القضائية في انكلترا تؤكد وجود نوع آخر من الالتزامات العقدية تفوق اهميتها الضمان ولكنها لاترقى الى مرتبة الشرط ، فهي اذن في مرتبة وسط بين الشرط والضمان وتسمى بالشروط المتوسطة (19).
والاخلال بشرط من الشروط المتوسطة لايخول المضرور اللجوء الى فسخ العقد الا اذا وصل الى درجة من الجسامة تبرر الفسخ ، وقد استعمل القضاء الانكليزي مصطلح ( المخالفة الجوهرية ) لوصف هذا الاخلال . بعبارة اخرى فأن الاخلال بشرط من الشروط المتوسطة لايبرر فسخ العقد الا اذا كان جسيماً بحيث يشكل مخالفة جوهرية للعقد (20) . عليه ، فأن الاخلال الجسيم بشرط من الشروط المتوسطة يجيز فسخ العقد كالاخلال بالشرط Condition . وتجدر الاشارة الى انه لايجوز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية الناجمة عن الاخلال بشرط من الشروط المتوسطة في حين يجوز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية الناجمة عن الاخلال بالشرطCondition .ويبدو ان الهدف من ابتكار هذه التفرقة هي الحد قدر الامكان من انتشار شروط الاعفاء من المسؤولية غير العادلة(21) .
اما على الصعيد الدولي فقد اعتمدت اتفاقية لاهاي للبيع الدولي للمنقولات المادية المنعقدة في عام 1964 جسامة الاخلال وليس اهمية الالتزام للقول بأرتكاب مخالفة جوهرية . فقد يكون الالتزام رئيسياً ومهماً ولكن لايترتب على الاخلال به سوى ضرر يسير . اذ تعرف م (10 ) من الاتفاقية المذكورة المخالفة الجوهرية بأنها : ( تكون مخالفة العقد جوهرية في حكم هذا القانون(22) اذا كان المتعاقد الذي تخلف عن التنفيذ يعلم او كان ينبغي ان يعلم وقت ابرام العقد ان شخصاً عاقلاً من صفة المتعاقد الآخر وفي مركزه ، ما كان ليرضى بأبرام العقد اذا علم بالمخالفة وآثارها ).
فمعيار المخالفة الجوهرية اذاً مكون من شقين :
الاول : ان يكون من شأن المخالفة ان تجعل شخصاً عاقلاً من صفة المتعاقد الآخر يمر بنفس ظروفه ما كان ليقدم على التعاقد لو انه قدر وقوع هذه المخالفة وما يترتب عليها من آثار وقت ابرام العقد . فالمخالفة وآثارها يفقدانه المصلحة التي كان يرجو تحقيقها من ابرام العقد، فالمعيار هنا هو معيار موضوعي بحت قوامه الشخص العاقل موضوعاً في مركز المتعاقد المضرور وفي نفس ظروفه(23).
ويؤخذ على المعيار المتقدم امران ، الأول هو اشتراط البحث عن علم المتعاقد المضرور وقت ابرام العقد ، متجاهلاً المتغيرات والظروف التي قد تطرأ وقت ارتكاب المخالفة وتؤدي الى حدوث اخلال او ارباك في ظروف السوق واقتصادياته وبما يؤثر في النظر الى اهمية المخالفة وجسامتها . والثاني هو انه من غير المتصور ان يقدم التاجر – بائعاً كان أو مشترياً – على ابرام عقد البيع رغم علمه ان ثمة اخلال بالعقد سوف يحدث ، وهو ما تشترطه م (10 ) من الاتفاقية في شقها الأخير ، فلو توقع مثل هذا الاخلال لما اقدم على التعاقد أصلاً (24).
الثاني : أن الطرف الذي ارتكب الاخلال بالعقد ( المخالفة ) يعلم أو كان يفترض به ان يعلم ان الشخص العاقل المشار اليه في اعلاه ما كان ليقدم على التعاقد لو علم بالمخالفة وآثارها . فالاتفاقية هنا لم تكتف بالعلم المحقق بل اعتمدت أيضاً العلم المفترض من جانب المتعاقد المتخلف عن تنفيذ الالتزام وفقاً لظروف التعاقد(25) .
ومن امثلة المخالفة الجوهرية للعقد وفقاً لما تقدم ان يتعاقد تاجر مواد غذائية على شراء وحدات كهربائية للأنارة لأستعمالها في أنارة معرض يقوم بتنظيمه خلال فترة معينة ويذكر ذلك في العقد ثم يتأخر البائع عن تجهيز المشتري بوحدات الأنارة الى ما بعد انقضاء فترة اقامة المعرض . فالمخالفة المرتكبة من البائع هي مخالفة جوهرية لأنه يعلم يقيناً – والعلم اليقيني قد تحقق من خلال ذكر الغرض من شراء الوحدات الكهربائية في العقد – أن المشتري لو كان يعلم بهذا التأخير وقت التعاقد لما أقدم عليه. وليس من المتصور ان يقدم أي شخص عاقل من صفة المشتري وفي نفس مركزه وظروفه على التعاقد طالما انه لن يحقق فائدة من الحصول على الوحدات المبيعة بعد انقضاء المعرض ، ولن يتمكن من بيعها مجدداً طالما انه ليس بائعاً لمثل هذا الصنف من البضائع.