«روبين هود» شخصية أسطورية ظهرت فى التراث الشعبى الانجليزى، بطلها فارس شجاع متهور كان يوظف طيشه فى خدمة الفقراء والمساكين. كان يسرق الأغنياء ويقوم بتوزيع الحصيلة التى سرقها على الفقراء. ولم يكتفِ بذلك بل كون عصابة لمساعدته فى مهمته. تشم رائحة روبين هود عندنا فى التراث الشعبى المصرى فى شخصية أدهم الشرقاوي الذي بدأ حياته كقاطع طريق قبل أن يتحول إلى بطل شعبى يحارب الإنجليز المحتلين للبلد، كما لا تخلو شخصية كمال الطبال, بطل رائعة ثروت أباظة هارب من الأيام, من بعض تلك الملامح وإن كان الطبال يسرق المقتدرين انتقاماً لنفسه لأنه كان محط سخرية واستهزاء الجميع. تكاد تكون ظروف روبين هود وأدهم الشرقاوى وحتى كمال الطبال متشابهة إلى حد كبير، تلك الظروف المتشابهة تتمثل فى انقسام المجتمع فى تلك الفترات الزمنية المتباينة بين ثلاث فئات؛ الأولى فئة قادرة تستولى على كل مقاليد ومقدرات البلاد, وفئة ثانية متمثلة فى فقراء مطحونين أهلكم العوز, والفئة الثالثة التي يمثلها روبين هود وأدهم والطبال وهم الخارجون على القانون الذين يعتمدون على البلطجة وفرض الإتاوات على المقتدرين؛ بحجة حماية ممتلكاتهم وعلى الفقراء ايضاً بحجة حمايتهم من الأغنياء.
تذكرت تلك النماذج من الشخصيات الأسطورية الخيالية وأنا أتابع قصة لص مدينة المنزلة الذي سرق 112 ألف جنيه من أحد محلات السوبر ماركت. ولأن كاميرات المراقبة رصدت عملية السرقة تم تحديد شخصيته والقبض عليه بعد يومين من الواقعة، حيث تبين أنه قام خلال هذين اليومين بشراء عجل وذبحه ووزعه على الفقراء من أهل البلدة ومع كل كيس لحمة وزع أرزا وخضراوات، لذا لم يتبق لديه سوى 1200 جنيه فقط. طبعاً تم حبسه على ذمة القضية وهو يؤكد أنه سوف يسدد لصاحب المحل فلوسه عندما يخرج من السجن. لفت نظرى أن الرجل ساق سبباً غريبا لقيامه بالسرقة أو بمعنى أدق لقيامه بتوزيع لحوم العجل على الفقراء وهو أنه يريد أن يغسل ذنوبه, حيث إنه لص محترف ومسجل خطر سرقات وقرر أن يبدأ طريق التوبة بتلك السرقة الكبرى! لا أدرى كيف توصل تفكير الرجل أن غسل الذنوب يمكن أن يتم من خلال واقعة سرقة جديدة؟ ومن الذي أوحى له أن قيامه بتوزيع لحوم عجل تم شراؤها بأموال مسروقة يصلح لأن يكون كفًارة لذنوبه السابقة؟
أتمنى ألا تمر واقعة «روبين هود» المنزلة مرور الكرام. لا أحد طبعاً يقر السرقة مهما كانت مبرراتها، حتى لو كاد المرء أن يهلك جوعا فلا يبرر ذلك أن يسرق ولا حتى أن يمد يده طالباً من الناس، وقد امتدح القرآن الكريم تلك الفئة التي تحسبهم أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا. لكن الواقعة تحتاج إلى تحليل من علماء النفس والاجتماع، لقد ناشد صاحب السوبر ماركت، وهو تاجر متوسط وليس من الأغنياء كل من نال كيلو لحمة من ذلك العجل المسروق ثمنه من محله، أن يسدد له قيمة ذلك اللحم فتلك الأموال ليست ربحا بل قيمة بضاعة ليس أكثر, وهو ما يضع أيضا كل هؤلاء الذين حصلوا على اللحمة فى اختبار صعب، فلا أحد لديه احصائية بأسمائهم مثلا ولا عناوينهم ولا أحد يستطيع أن يجبرهم على تسديد ثمن اللحمة، حيث يبدو اقتراح رد اللحمة نفسها ضرباً من الخيال، حيث غالباً قام هؤلاء بطبخ اللحمة وأكلها وهضمها قبل ان يكتشف أى يعرف أي منهم أنه حصل على لحمة عجل تم شراؤه بفلوس مسروقة! لذا يبقى الرهان الوحيد على المعدن الحقيقي للمصريين الذي لن يقبل هدايا روبن هود المزيف كما لن يقبل -بالتأكيد- بظلم ذلك التاجر المكلوم.
Hisham.moubarak.63@gmail.com