من حكمة المولى عز وجل أنه أخفى عن البشر موعد الوفاة والرحيل عن الدنيا, تخيل حياتك لو كنت تعرف أنه يتبقى أمامك فى العمر فترة معينة, عام أو عامان أكثر أو أقل, فى تلك الحالة سيموت كل منا نفسياً وصحياً فى كل لحظة يعيشها قبل أن يحين وقت رحيله الفعلى, لذا كانت الحكمة الإلهية فى إخفاء موعد الرحيل حتى يستطيع كل منا ان يعيش حياته التى هى أصلاً ابتلاء من المولى عز وجل تماماً كما الموت, «الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور (الآية 2 سورة الملك). ومع تسليمى التام لتلك الحقيقة إلا أنى وجدت نفسى وقد شطحت بخيالى وفكرت لو أنى رأيت فى المنام أنه يتبقى لى من العمر عشرة أيام فقط. ماذا سيكون رد فعلى وهل يمكن أن أمتلك من الثبات الانفعالى الذى سيمكنى من استغلال العشرة أيام الأخيرة لى فى الدنيا لترتيب الأولويات التى أحتاجها استعداداً للرحلة الطويلة؟
سؤال صعب والأصعب منه هو محاولة الإجابة عنه فالحقوق كثيرة, وعشرة أيام هى فترة هينة جدا لا تكاد تكفى لسداد كل الفواتير واجبة السداد والتى لو لم نسددها ونحن على قيد الحياة فسيكون أمامنا مشكلة كبيرة عند الممات, رزقنا الله واياكم حسن الخاتمة. المهم أننى وبينما أنا مستغرق فى تلك الأسئلة, خطر ببالى أن أغير صيغة السؤال ليكون عن العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان المعظم والتى ستبدأ خلال سويعات قليلة. افضل عشرة أيام فى السنة ولا ينافسها فى الفضل سوى العشر الأولى من شهر ذى الحجة التى أجمع العلماء على أنها المقصودة فى قوله تعالى «والفجر وليال عشر» (1,2 الفجر).
سأحاول – وانصحكم بنفس المحاولة – بأن أعتبر تلك الايام العشر الاخيرة من شهر رمضان المعظم هى آخر عشرة ايام فى حياتى كلها. لعلى لو فعلت ونجحت لكنت من الذين قال عنهم المولى عز وجل: «فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور» (185 آل عمران). وما أجمل أن يختم الإنسان حياته بأيام عشر نزل فيها القرآن الكريم وفيها ليلة القدر التى هى خير من ألف شهر, ولست مع الرأى الذى يقول انها تعادل ثلاثة وثمانين عاماً فالله سبحانه وتعالى قال هى أفضل من ألف شهر ولم يقل تعادل ألف شهر, ثم إنها الأيام التى كان رسولنا الكريم كما أخبرت عنه السيدة عائشة «إذا دخل العشرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله». كما قالت فى موضع آخر قالت «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فى العشرة الأواخر، ما لا يجتهد فى غيره».
اللهم بلغنا العشر الأخيرة من رمضان, وأعنا فيها على طاعتك على الوجه الذى يرضيك عنا واجعلنا وكل من يقرأ هذا المقال من عتقائك من النار آمين.