كلما جاء رمضان بسرعة وذهب بنفس السرعة أتأمل قول الله عزل وجل « قال كم لبثتم فى الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلًا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم («113-116 المؤمنون ). ورغم أن كثيرا من التفاسير يرون أن الخطاب هنا للعصاة المذنبين فقط إلا أننى أميل لتفسير ابن كثير الذى يرى أن الخطاب موجه لكل الناس حيث ورد فى معنى الحديث أن الله إذا أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قال يا أهل الجنة كم لبثتم فى الارض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قال: لنعم ما أتجرتم فى يوم أو بعض يوم, رحمتى ورضوانى وجنتى امكثوا فيها خلدين مخلدين بينما قال لأهل النار عندما ردوا بنفس الرد: بئس ما أتجرتم فى يوم أو بعض يوم نارى وسخطى امكثوا فيها خالدين مخلدين.
إذا كان العمر كله الذى يقضيه الانسان منا – إلا من رحم ربى – فى ذنوب وعصيان وبعد عن الطاعة يراه الانسان عندما يبعث من قبره مجرد يوم أو بعض يوم فما بالك بالسرعة التى يمر بها شهر رمضان المعظم الذى ما أن يبدأ ويهل علينا بالطاعات والبركة والرحمة والمحبة بين الناس وحب الخير إلا ويرحل عنا لنعود إلى ما كنا فيه من شو وعصيان وتباغض وتشاحن وصراعات دنيوية لا طائل من ورائها. تخيل أنك تكتشف يوم القيامة أنك قضيت عمرك كله سواء ستين أو سبعين عاما أكثر أو أقل فى صراع على لاشىء لدرجة حتى أنك لا تتذكر كم عشت بالظبط وتجيب قائلاً: ربما عشت يوما وربما أقل من يوم وعندما تعجز عن التحديد بالظبط تضيف قائلًا لله: فاسأل العادين, أى الحاسبين للعمر, دون أن تدرك أن مغزى سؤال المولى عز وجل لنا هو قوله: إن لبثتم إلا قليلًا لو أنكم كنتم تعلمون, فذلك اليوم أو بعض اليوم الذى لخصت عمرك فيه حتى لو كنت من المعمرين فى الأرض هو قليل جدا ولا يستحق أن تبذله فى أشياء تجعلك خالدًا مخلدًا فى النار والعياذ بالله.
الآن ونحن نتحسر على رمضان الذى تفلت من بين أيدينا فى ثانية أو ربما فيمتو ثانية, فلنتذكر أنا وأنت أن العمر يتفلت من بين أيدينا كيوم أو بعض يوم, ولنسأل أنفسنا أنا وانت كل يوم: كم يتبقى من سويعات فى العمر,وهل تلك السويعات تستحق أى نختلف أو نتصارع, وتذكر معى نظرية كان يقولها لنا مدرس الرياضيات زمان تقول إن أى رقم مقابل ما لاناهية يساوى صفرًا فمهما عشت فى الدنيا هو صفر, فاجعل كل همك أن يكون ذلك الصفر سببًا لأن تكون ممن يخاطبهم الله يوم الحساب قائلا: يا عبدى تعالى وأقبل على جنتى خالدًا مخلدًا فنعم أجر العاملين.