اذا كنت تبحث عن الفرح او السعادة الحقيقية فاحتفل بالعيد.. فالعيد مركز وقاعدة صناعة الفرح والبهجة ..لا تستسلم لغواية الضغوط والظروف وطوفان الهموم والغلاء والوباء وغير ذلك من منغصات تفرضها مجريات الحياة المعاصرة ..
يأتي العيد ليمنح الجميع قوة جديدة للمقاومة وتجديد خلايا الحب والمودة والرحمة الانسانية وليضيف عوامل جديدة للانتصار على القوى الشيطانية المعززة للياس والقنوط والنظرات السوداء للحياة والمستقبل او كل ما يقتل روح الامل والتفاؤل والاقبال على الحياة..
قد يندهش البعض عندما يعرف ان ثقافة الفرحة وصناعة السعادة مبدا اسلامي اصيل يبلغ ذروته في العيد الموسم الكبير الشامل للفرحة والغبطة في ربوع الكون..الا ترى ان كثيرا من العبادات تؤسس لمبدأ الفرحة وصناعة السعادة ليس فقط على مستوى الافراد ولكن على مستوى المجتمع باكمله وبكل عناصره..ومن يتأمل قاعدة فعل الخيرات بكل صنوفها سيجد انها في الاصل شحنات حقيقية للفرح والسعادة للفاعل والمفعول..والمدهش في هذه الصناعة انها تتم تعبدا وتقربا الى الله تعالى وبحالة من الرضا التام والحرص على الا ينزع احد ايا كان مفعول السعادة والفرحة منها ولو لاهون واتفه الاسباب او لمجرد الرياء والسمعة او التباهي والتفاخر..فاكتمال الفرحة والسعادة ونشر عبيرها يتطلب التخلص من اي شائبة تعكر صفوها على اي مستوى..فبعد موسم حافل بكل الخيرات والقربات وكل ما يهذب النفس ويطهرها يأتي العيد.. موسم الحصاد ليشيع الفرح والبهجة بين الجميع..ولتتأمل التوجيهات النبوية الحكيمة ” اغنوهم عن ذل المسألة في ذلك اليوم “.. الحرص على الا يتسبب احد في ايذاء او اغضاب او بكاء يتيم او مسكين..
يضاف الى ذلك مبدأ التوسعة على الاولاد والاهل عموما في العيد وغيره من مناسبات دينية وهي كلها جليلة وعظيمة..والتوسعة فيها قدر كبير من الراحة يناسب قدر الوسع ولها ظلال نفسية مريحة وتشع الوانا متعددة من البهجة والفرح على الجميع.والتوسعة تكون في المأكل والملبس وغيرها من تصرفات تجلب السعادة وتبث حالات من الرضا المادي والمعنوي..
ولعل هذا ما يفسر لنا ظواهر الابداع في الاحتفاء والاحتفال بالاعياد وفقا لقدرات العقل البشري..يدخل في هذا صناعة انواع مخصوصة من الحلوى واصناف من الاطعمة المرتبطة بالاعياد وهي من مظاهر اعلاء الفرحة واذكاء الرغبات في التوجه نحو صناعة السعادة ..
على ما يبدو فان الابداع في الاحتفاء والاحتفال بالعيد فطرة انسانية ابتكر لها الانسان مناهج تؤصل للرغبات الحقيقية والصادقة في البحث عن السعادة وتاكيد الفرح.. ويقال ان المصري القديم هو اول من اجاد في صناعة البهجة باحتفالاته المبتكرة في كل مناسبات حياته سواء الدينية منها او الزراعية او الاجتماعية وغيرها من ذلك على سبيل المثال عيد الحصاد عيد حرث الارض عيد وفاء النيل عيد جلوس الملك على العرش وغير ذلك وما يصاحب ذلك من طقوس واعمال خاصة ومخصوصة للتعبير عن الفرحة والابتهاج بالمناسبة..
واستقراء حياة الشعوب والامم يكشف عن ابداعات حقيقية لاظهار الفرح بالاعياد عموما بل وتميز بعضها عن بعض.. وما العادات والتقاليد الخاصة بكل شعب او امة الا شهادة توثيق لذلك الفرح ومحاولة لترسيخ صناعته..يتجلى ذلك في الاكلات الشعبية وانواع مخصوصة من الحلويات وابداع اغان معينة ورقصات وملابس معروفة ومشهورة.. ولا ننسى الالعاب المخصوصة للسمر والتسلية والتى يبدعون فيها سواء للكبار او للاطفال حتى البعض يسميها العاب العيد صراحة وكل منطقة لها ما يميزها..
نعم ان ما يجري على الارض من تصرفات ووقائع لا تخطئوها عين ما هي الا علامات تؤكد ان هؤلاء الناس في عيد حقيقي..
** الفرح بالعيد واظهار هذا الفرح والحرص عليه ضرورة حياة وايمان ايضا فهو قوة المسلمين المتجددة واحد اهم محطات تجديد الطاقة الحيوية ونفض غبار الخمول ووقوة حقيقية للانقاذ وانتشال النفس من هموم الحياة ومشاغلها ومتاعبها..
لذلك يزعجني دائما تلك الاحاديث اليائسة التى تتعرض للاعياد وتحاول ان تنزع منها قوة الفرح وتفرغها من مضامين السعادة ويقولون العيد كان زمان.. لم تعد للاعياد طعم وغير ذلك من اقاويل مغلفة بظلال حزينة قد تجد صدى لدى بعض النفوس المثقلة بهموم الحياة والمتعبة من كثرة الضغوط. والبعض قد يجد ملاذا او متكئا في استدعاء اقاويل فخيمة مثل تلك التى صكها شاعر العربية الكبير ابوالطيب المتنبي عن العيد:
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ *** بما مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم *** فليـت دونـك بيـدًا دونهـم بيـدُ
وقد وقع كثيرون في فخ الحالة المزاجية للمتنبي هذه التى غضب فيها على سيده كافور الاخشيدي وعلى ما يبدو فان السلطان الادبي للمتنبي وقوة شاعريته قد اسرت وسحرت عقول كثيرين فاستسلموا له وصار العيد عندهم حالة حزينة يجترون فيها الاسى والمآسي ويقولون ياية حال عدت ياعيد!!مع ان تلك القصيدة العابسة المكفهرة لاعلاقة لها بمآسي الزمان ولا سوء الأحوال واعتبر النقاد انها كانت مجرد منشور سياسي اختطه المتنبي في خضم صراع شخصي وانتهازي وساذج مع أبي المسك كافور الإخشيدي (905م-968م)وانه باختصار كان يريد عطايا ومناصب من حاكم مصرفلم يحصل عليها ففرّ منه وهجاه بهذه القصيدة!!
والحقيقة ان حالة عيد المتنبي هذه اثارت جدلا كبيرا وصل حد السخط عليه ولم يتوقف الامر عند حد التحذير من عيد المتنبي وعدم الاصغاء له والدعوة الصريحة الى عدم تصديقه بل وصل الامر الى ان اصدر بعض الدعاة والمشايخ فتاوى بتوقيع عقوبة على من يرددون ابيات المتنبي هذه في العيد !!
المدهش ان للمتنبي ابياتا مهمة في العيد مدح بها سيف الدولة الحمداني وهنأه فيها بالعيد ولكنها لم تنل شهرة هجاء العيد عند كافور.. قال مخاطبا سيف الدولة:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده –
وعيد لمن صلى وضحّى وكبرا
فذا اليومُ في الأيّامِ مثـلكَ في الورى
كما كنتَ فيها واحداً كانَ أوحدا
** ملمح مهم يرتبط بصناعة الفرح والسعادة يكمن في التهنئة بالعيد والقول المشهور عندنا في مصر كل عام وانتم بخير وهو دعاء جميل ومهم قد لا يدرك الكثيرون مغزاه ومقاصده لكثرة شهرته وسهولة ترديده وبطريقة عفوية..
وقد توقف المفكر الكبير عباس محمود العقاد امام دلالة التهنئة بالعيد وترديد القول كل عام وانتم بخير ولفت الاذهان الى المعاني الكامنة فيها وسجل ذلك في برنامجه الاذاعي الشهير على الاثير والذي ضمنه كتابا يحمل الاسم نفسه قال :”الخير هو المعدن الذي لا يقبل تزييفًا ولا خداعًا ولا يكون خيرًا إلا وهو شيء يختاره الإنسان الفاضل على كل حال.
فمن كان في خير فهو في صحة ورضا وراحة ضمير وهو سعيد والناس به سعداء..وهو بعيد عن الشر أو الشر منه بعيد وهذه هي الأمنية المثلى التي نبحث عن أمنية نتمناها لأحبائنا حين نتبادل التمنيات الحسان في الأعياد فلا نهتدي إلى أمنية أكرم منها ولا أعز وأغلى وكل عام إذن وأنتم بخير.”
وكان العقاد يقارن بين تهاني الغربيين والشرقين في الاعياد واعتبر ان تهنئة المصريين كل عام وانتم بخير أجمل تهنئة بين تهانئ الأمم بالأعياد.كما قال نصا..
فأكثر الأمم تتبادل التهنئة في أعيادها بتمني السعادة للمهنئين.. ويوم سعيد أو عام سعيد أو عيد سعيد -هو الاصطلاح الذي يتبادله معظم الغربيين في أمثال هذه المناسبات، وهي أمنية جميلة محبوبة.
لكن أمنيتنا نحن الشرقيين أجمل منها وأحب إلينا. لأن الخير أعظم من السعادة وهو يشملها ويحتويها.ولكنها لا تشمله ولا تحتويه.قد يكون الإنسان سعيدًا وهو مخدوع في سعادته. كأولئك الذين يحيط بهم الشقاء وهم يجهلونه ويجهلون أنفسهم ويحسبون أنهم سعداء.وقد يكون الإنسان سعيدًا بما لا يشرفه ولا يجلب السعادة إلى غيره كأولئك الأشرار الذين يسعدون بما يُشقي الآخرين ويرتفعون في أعين الدهماء وهم حقيقون بالضعة والإسفاف.
وقد يكون الإنسان سعيدًا لأنه فارغ من المتاعب لا يشغل نفسه بواجب ولا مروءة ولا يتطلع إلى مجد ولا فضيلة. فالسعادة جميلة محبوبة ولكنها معدن قابل للتزييف والخداع.أما الخير فهو المعدن الذي لا يقبل تزييفًا ولا خداعًا ولا يكون خيرًا إلا وهو شيء يختاره الإنسان الفاضل على كل حال.
**من بديع ماجاء في وصف العيد ماقاله شاعر الازهر محمد الأسمر:
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به / وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر تزرعه / وعند ربي يخبي المرء ما زرعا
فتعهدوا الناس فيه: من أضر به /ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم / دعــا الإله لهذا والرسول معا
واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم /بــدرًا رآه ظلام الليل فانقشعا
&& احتفلوا بالعيد تصحوا.. وكل عام وانتم بخير ..
..والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com