في الصبحِ زفّهاٰ – فُجاءَةً – ركبُ الربيعْ .
كانت مواويلُ الغيابِ تملأ الرِّحابَ ،
بالصدى الرجيعْ .
ولا تكفُّ عن تتبّعِ الأثرْ .
. . . .
الباقة الفيحاءُ في اليدينِ ،
تستنيمُ كالطفلِ الرضيعْ .
والغيمةُ الدكناءُ تحجبُ الوجهَ القمرْ .
. . . .
ولم يكد يمضي علىٰ باقتِهاٰ ،
بضعةُ أيامٍ ،
وأعيادْ .
ولم يكد يمضي علىٰ غيبتِهاٰ ،
بضعُ سنين في السفَرْ .
حتى استفاق الوردُ بعدماٰ غفاٰ ،
وعادْ .
يُعلنُ عن جمال أوبةِ الحبيبِ ،
دون تمهيدِ المَعادْ !
. . . .
كانتِ مدينةُ المُجرَّحِين في الهوىٰ .
تنوءُ بالآهاتِ والحِمْلِ الثَّقَالْ .
وكانتِ الوديانُ تحمل الصديٰ ،
يرتدّ في التلولِ والحقولِ ،
والبحارْ .
. . . .
الأمسُ عادْ !
وفجأةً ، تلطّف الجوُّ ،
فلا الشمسُ تطفَّلَت على الحِمىٰ ،
ولا الليلُ تسلَّلَت خيوطهُ إلى الجدارْ .
. . . .
واستشكل الوقتُ أمامناٰ ،
واشتَبه الإدراكُ بالإِبصارْ .
فلم نعد ندري نهاراً مِن عشيٍّ ،
أو عَشيَّاً مِن نهارْ !
. . . .
كان الصباحُ حالمِاً ، كأنه الأصيلُ ،
كان ساهِماً ،
كأنهُ أوائلُ الأسحارْ .
. . . .
الأمسُ عادَ ،
واستطاب الوردُ همسَناٰ ،
ولانتِ الحروفُ في كلامناٰ ،
واسترختِ النمارقُ الملساءُ بينناٰ ،
تعالجُ الدُّوارْ .
. . . .
لا شيءَ غير لغةِ العينينِ ،
والومض الذي يقدحُ في القلبينِ ،
مِن نورٍ ونارْ .
. . . .
وفجأةً تبسّمَ البدرُ القسيمْ .
وانزاحتِ الغيومُ عنهُ ،
غَيمةً وراءَ غيمةٍ ،
وانقشعَ الضبابُ مِن أمامهِ ،
وارتفع السديمْ .
. . . .
والتمعت مِن حولهِ النجومُ ،
في رائعةِ النهارْ .
وسيطر البدرُ على المَزارْ .
. . . .
والتمعت عينانِ في خِدرِ الهوىٰ ،
كنجمتينِ تاهتاٰ بين الهضابْ .
فاحتدّتاٰ بالضوءِ ،
سعياً بالنجاةِ مِن تكاتفِ الدجىٰ ،
ومِن تكاثفِ الضبابْ .
. . . .
عينان تاقَتاٰ لكِلمةٍ مِن العِتابْ .
فباحتاٰ مُرغمتَينِ بالجوىٰ ،
وأفشتاٰ سرائرَ الهوىٰ ،
والهجر والغيابْ .
. . . .
عينانِ قالتَاٰ لناٰ ،
ما لم تقلْه أنّة العِيدان للعشاقِ ،
أو حمحمةُ الربابْ .
. . . .
عينانِ قالتاٰ لناٰ ،
ما لم يقلهُ النبعُ للعصفورِ ،
عاد ظامئاً من رحلة الهجيرِ ،
في السرابْ .
ليرتمي في آخرِ الشوطِ ،
علىٰ غِلالةٍ ، من السحابْ .
. . . .
عينانِ سوداوانْ
سبحتُ في بحرَيهماٰ ،
فما لمحتُ شاطئاً ينشلني ،
أو موجةً تدفعني إلىٰ سفينةِ الإيابْ
ولا لمستُ فيهما نهايةً لرحلتي ،
ولا بدايةً لمقتلي ،
علىٰ حشيَّةِ اليبابْ .
. . . .
فما الذي رأيتُ في قَوليهماٰ ،
سوىٰ متاهةٍ من الهوىٰ ،
وغابةٍ مِن الخطرْ .
. . . .
وهٰكذاٰ انتهيتُ حيثما ابتديتُ فيهما ،
أُعالجُ القمرْ
لأنتهي بلاٰ بدايةٍ ،
وأبتدي بلاٰ نهايةٍ مع القَدرْ .
.