مليارات الدولارات للسيطرة علي الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات والذكاء الإصطناعي.. والصراع يتنامي بين أمريكا وأوروبا والصين
كتب عادل ابراهيم
عام 2024 سيشهد علي الارجح هجرة شركات الذكاء الاصطناعي من أوروبا إلي أمريكا والصين لعدة أسباب أهمها تأييد البرلمان الأوروبي مؤخرا مشروع قانون يضع قواعد شاملة لضبط تقنيات الذكاء الاصطناعي في العالم القادرة على إنتاج النصوص والصور والوسائط الأخرى وبسعى الاتحاد الأوروبي إلى التوصل لاتفاق في هذا الإطار بحلول نهاية العام 2023.
وتسعي أوروبا لأن تكون أول جهة في العالم تضع إطارا قانونيا شاملا يحد من تجاوزات الذكاء الاصطناعي ويحمي ابتكاراته في الوقت نفسه.
هذا الأمر اغضب عدد من مسئولي شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية وقالوا في رسالة إلى الاتحاد الأوروبي أكدوا فيها أن مشروع القانون يهدد القدرة التنافسية للقارة الأوروبية وسيادتها التكنولوجية للخطر من دون معالجة فعالة للتحديات الحالية والمستقبلية وان الرقابة الشديدة في مشروع القانون يمكن أن تدفع بشركات تتمتع بحس ابتكاري قوي إلى نقل أنشطتها للخارج فضلا عن سحب المستثمرين رؤوس أموالهم من أوروبا وحذرت أكثر من 150 شركة كبرى من أن خطط الاتحاد الأوروبي الداعية إلى تنظيم تقنية الذكاء الاصطناعي تضر بالقدرة التنافسية للقارة من دون أن تقدّم حلولا كافية لمواجهة تلك التحديات.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تهيمن فيه الصين علي أكثر من نصف شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في العالم والتي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار أمريكي أو أكثر وتسعى بكين الي تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن برنامجها “الثورة الصناعية الرابعة” من أجل اللحاق بالولايات المتحدة في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية وتستفيد بكين من السوق الاستهلاكي لأكبر بالعالم حيث إنها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان ولديها 1.4 مليار مستهلك كما أن لديها قطاع إنترنت قوي.
الذكاء الاصطناعي هو واحد من أكثر التقنيات التحويلية في عصرنا ولديه القدرة على المساعدة في حل العديد من التحديات الأكثر إلحاحاً في عالمنا” كما قال الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا ويحاول قطاع التكنولوجيا في الصين منافسة الشركات الأميركية العملاقة مثل “جوجل” و”مايكروسوفت”، في السباق العالمي المحتدم للذكاء الاصطناعي رغم العقوبات التكنولوجية الأميركية والإجراءات الغربية التي تحد من التوسع العالمي لشركاتها الوطنية العملاقة.
ورغم تربع امريكا علي عرش الدكاء الاصطناعي باستثمارات أضعاف مثيلتها في الصين بلغت 26.6 مليار دولار مقارنة باستثمار 4 مليارات دولار فقط في الصين الآن أن الصين مصممة علي احتلال مكانة متقدمة في هذا المجال حيث تدرك إدارة الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الذكاء الاصطناعي مثله مثل أشباه الموصلات سيكون عاملا حاسما في الحفاظ على تفوق الصين.
وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول المهتمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي تليها الصين ثم الاتحاد الأوروبي ما يهدد بتأخر أوروبا في سباق الذكاء الاصطناعي حيث تضعف بها الحوافز الضريبية للأبحاث وعدم توسع معاهد البحوث العامة التي تعمل على الذكاء الاصطناعي واستثماراتها.
وأخذت أوروبا العبرة سريعا بعدما أقرت الولايات المتحدة قانونا لخفض التضخم يتيح تخصيص إعانات سخية لصناعات المستقبل ويهدد بجذب استثمارات كبرى على حساب القارة العجوز وتم تقديم 53 مليار دولار منح وإعانات للشركات التي تصنع أشباه الموصلات في أميركا فتعلمت المانيا أنه لا وقت لديها لإضاعته، فالآخرون في العالم ليسوا نائمين” وبدأت أوروبا حرب توطين الشركات وخاصة بعد جائحة كورونا لكن رغم ذلك فإن مشروع القانون الجديد يهدد هذه الجهود.
وفي الأساس، لجأت الولايات المتحدة إلى هذا القانون ردا على سياسة صينية تقوم على تخصيص إعانات ضخمة لهذه الصناعات. بعد عامين ونصف من النقص، استمرت مخاوف صناعة الرقائق العالمية في التراكم، وسط قلق متزايد حيال ضعف الطلب من قبل المستهلكين، والإفراط في التخزين من قبل الشركات المصنعة والتغييرات الأخيرة في سياسات تصدير الرقائق الأميركية وأن ألمانيا نحو 10 مليارات يورو إلى مجموعة “إنتل” الأميركية لإنشاء مصنع لإنتاج أشباه الموصلات وسارت علي نهجها كل من فرنسا وايطاليا
الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين بدأت في عهد الرئيس الامركي الاسبق بارك أوباما، من أجل منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة عن طريق منع نقل التكنولوجيا وتعظيم الفجوة التكنولوجية بينهما حيث تعتمد أنظمة الدفاع الأميركية والصينية اعتمادا كبيراً على أشباه الموصلات لكن شركة التكنولوجيا الصينية أوجدت بدائل صينية محلية لأكثر من 13 ألف مكون في منتجاتها التي تأثرت بالعقوبات التجارية الأميركية، التي فرضها دونالد ترامب وأعادت تصميم أربعة آلاف من لوحات الدوائر الكهربائية لمنتجاتها، كما صعّدت إدارة الرئيس بايدن حربها الاقتصادية بشكل كبير في أكتوبر 2022 من خلال سن عقوبات بتقييد عملية تصدير أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق إلى الصين.
وتخطط الصين لضخ استثمارات نحو 143 مليار دولار في صناعة الرقائق المحلية، في خطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات ولمواجهة تحركات أميركية تستهدف إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني. حيث تتضمن خطط بكين إعفاءات ضريبية وحزم حوافز لمدة 5 سنوات، وإعانات وقروض لدعم أبحاث وإنتاج أشباه المواصلات، فيما ترصد واشنطن 280 مليار دولار لتسريع البحث وتصنيع أشباه الموصلات وبلغت حصتها في سباق أشباه الموصلات في السوق العالمية أكثر من 200 مليار دولار في عام 2020، وهي تقوم بتصدير أشباه الموصلات بنسبة 50 % من السوق العالمية، وتعد أشباه الموصلات أكبر الصادرات من الولايات المتحدة وتستثمر أكثر من خمس المبيعات في البحث والتطوير، ولا تزال أميركا تعتمد على تايوان لتصدير أشباه الموصلات لكن الصين أصبحت الآن مشاركاً رئيسياً في سباق أشباه الموصلات، وتتوسع فيها بقوة منذ عام 2015، وقد تصل مبيعاتها إلى 114 مليار دولار بحلول عام 2024. وأتوقع أن تتفوق الصين على تايوان بحلول عام 2030.
الرقائق الإلكترونية هي مكونات صغيرة دقيقة تنتج من السليكون وتدخل في معظم الصناعات المتطورة، مثل الهواتف والحواسب والسيارات وغيرها، وتشكل أساس الدائرة التي تمنحها قدراتها الفائقة، حيث يستغرق تصنيع الرقاقة أكثر من 3 أشهر، وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرف بتجهيزات خاصة وآلات بملايين الدولارات وتوجد القليل من الدول التي تستثمر في صناعة الرقائق “أشباه الموصلات” حيث يتطلب الدخول في هذا المجال الكثير من الاستثمارات، وبالتالي تخصصت بعض الدول إما في التصنيع أو البحث والتطوير، ونجد أن المنتجون الرئيسيون لأشباه الموصلات هم: دولة تايوان ودولة كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية وباقي العالم لا يوجد به إلا القليل من المصانع الصغيرة التي لا تؤثر علي الصناعة، وفي نفس السياق نجد أن قارة أوروبا بأكملها ركزت على الأبحاث ولا تملك سوى قدرات إنتاج ضئيلة.
وعن أهم القطاعات المتضررة من أزمة أشباه الموصلات نجد أن أكثر القطاعات تأثرا بأشتداد أزمة نقص أشباه الموصلات هي صناعة أجهزة الاتصالات مثل مشغلات الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والهواتف وصناعة الألعاب وصناعة السيارات في جميع أنحاء العالم وهذه الأزمة في نفص الرقائق سوف تؤثر علي إنتاج السيارات عالميا وسوف يتراجع حجم الإنتاج.
أما عن أسباب أزمة نقص أشباه الموصلات فيرجع السبب الأول الي وجود زيادة كبيرة ومفاجئة في الطلب علي الرقائق الإلكترونية نتيجة لتجهيز المنتجات الإلكترونية مع ارتفاع الطلب على أجهزة الكمبيوتر ومشغلات الألعاب الإلكترونية في ظل انتشار وباء كوفيد-19 وما واكبه من عمل عن بعد وزاد احتياج الأشخاص إلى شبكات هواتف الجيل الخامس، التي تعتمد بشكل كبير على الرقائق الإلكترونية، أتجهت شركات كبرى في عام 2020 إلى تخزين كميات كبرى للحد من وطأة العقوبات، وهناك الكثير من المواد الخام والغازات اللازمة لإنتاج أشباه الموصلات والرقائق مثل النيون والأرجون والهيليوم غير متاحة بسهولة عالمياً في الوقت الراهن بسبب تضرر سلاسل الامداد والتوريد بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ ان روسيا واوكرانيا يستحوذان على جزء كبير من سوق غاز الكريبتون – وهو غاز يستخدم في إنتاج الرقائق، ويعد النيون أيضاً أمراً مهماً لعملية صناعة الرقائق ويتم إنتاج أكثر من نصف نيون العالم من قبل عدد قليل من الشركات في أوكرانيا وأيضا روسيا التي فرضت قيودا على تصدير الغازات اللازمة لإنتاج الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات كاجراء مماثل لنظيره الامريكي والتايواني، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، فإن هذا التباطؤ “سيؤثر على الصناعة”، كما كان لازمة الجفاف الذي ضرب تايوان ور كبير في التاثير علي درجة نقاء المياه التي يتمّ استخدامها في تنظيف السيلكون والآلات التي توجد في المصنع، والتي يتم استخدامها في تصنيع هذه الرقائق.
ومنذ بدء الأزمة ارتفعت العديد من أسعار السلع التي تدخل فيها أشباه الموصلات، مما أدي ضجة عالمية أدت إلي قيام العديد من الشركات العاملة في صناعة الرقائق إلي الإعلان عن استثمارات كبري لسد الفجوة بين العرض والطلب ولكن حذر العديد من المحللين أن الأزمة لن يتم حلها في يوم أو شهر، حيث أن إنشاء مصنع جديد لإنتاج أشباه الموصلات يستغرق سنتين إلى أربع سنوات، فإن القدرات الإنتاجية الجديدة لن تصل إلى الأسواق قبل عام، وترجم هذا التأثير السلبي على صناعات التكنولوجيا والسيارات إلى عواقب اقتصادية مدمرة وكلف النقص العالمي فى الرقائق الولايات المتحدة 240 مليار دولار فى عام 2021 بناء على تقديرات الخبراء.
الاستثمارات العالمية في المركبات الكهربائية تضاعفت 18 مرة في 6 سنوات، وسط توقعات بتجاوز استثمارات المركبات الكهربائية حاجز الـ129 مليار دولار) إذ تعزز الشركات المصنعة حول العالم إنفاقها لتلبية الطلب المتزايد، ارتفاع مبيعات المركبات الكهربائية إلى 14 مليون وحدة في 2023.