أذكر في صغري سمعت صديقا لي في المدرسة يحدثني ويحدث مجموعة من رفاقه بأنه اكتشف أخيرا ما الذي يريده حارس المدرسة ، حتى يتمكن هو وغيره من الهرب من المدرسة بالوقت الذي يناسبهم ، وكان هذا الحارس فقير الحال وفي رقبته عائلة كبيرة ، وكانت الرشوى عبارة عن علبة سجائر لأنه مدخن شره لا تفارق يده السيجارة أو وجبة طعام يأخذها معه إلى بيته حتى يسد جوع أفراد عائلته ، وبالفعل كان صديقي يهرب من المدرسة كل أسبوع و رشوته جاهزة بين يديه.
كانت هذه أول مرة أتعرف بها عن الرشوى ، وفي بداية التسعينات بدأت أكتب في وسائل الإعلام وأقرا مختلف الأخبار عن الرشاوى التي تقدم هنا وهناك ، حيث في السابق كنت الرشوى عبارة عن مبلغ مادي يقدم للموظف الحكومي خصوصا حتى ينهي أوراقك ، ويختلف المبلغ بين “بسيط أو مبلغ ضخم” حسب المنصب الحكومي وما الذي تريده، لكن الآن لا فلقد تطورت الرشوى لتأخذ أبعادا مختلفة وبعضها طريف للغاية وتدعو للضحك.
مسؤول تم الكشف عنه لا يقبل الرشوى المادية بتاتا ، لكن الموظفين الذين يحيطون به ويريدون كسب المال عن طريقه أكتشفوا أنه عاشق لليالي الحمراء وللمحرمات بمختلف أنواعها ونادرا ما يستيقظ مبكرا خصوصا بعد أن حصل على منصبه ، فلهذا أضطر الموظفين للسير في نفس طريقه المقزز وتلبية احتياجاته مهما كانت للحصول على توقيعه الكريم .
أما مسؤول آخر فهو يقبل الرشاوى بأسلوب مختلف عن الذي ذكرته أولا ، حيث رشوته عبارة عن رحلات هنا وهناك ليس له وحسب بل مع كل أفراد عائلته وأقاربه ، مع مرور كل شهر يذهب إلى رحلة مختلفة ولقد ذهب إلى إداء مناسك “العمرة ” في الديار المقدسة كثيرا بـ “المال الحرام” ،وبعدها يذهب إلى تركيا للترفيه وماليزيا في فصل الشتاء هربا من البرد ،ومن يدفع الرشوى هو متكفل بالرحلة للجميع من البداية وحتى النهاية .
حتى في مجالنا الإعلامي أذكر قصة ممتعة رواها لي صحفي من “الطراز الثقيل” في العراق ، حيث في السنوات الأولى من الحصار الخانق الذي كان مفروض على كل العراقيين ، كان يعمل في مجلة حكومية شهيرة في وقتها ، وكان رئيس التحرير يفرض دعاية لمطعم شهير في الصفحة الأخيرة من كل عدد ، وأضطر صديقي للعمل كصحفي استقصائي لأن الشكوك والظنون كانت تسيطر عليه ، وإذ أكتشف أن رئيس التحرير “المبجل” كل أسبوع يذهب للمطعم مع أسرته ويتناولون وجبة دسمة من “المشاوي” ، والأجر هي الدعاية المجانية التي ينشرها عن مطعمهم في الصفحة الآخيرة بالمجلة بثمن بخس للغاية…!!