سبحان الله، شاءت الأقدار أن أسمع بوفاة الأخ والصديق العزيز المصرفى الكبير جمال محرم فى نفس المكان الذى تعرفت عليه لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عامًا هنا فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كنت مرافقًا لبعثة طرق الأبواب التى كانت غرفة التجارة الأمريكية تقوم بها فى واشنطن. كان جمال محرم وظل إلى آخر رحلة نظمتها الغرفة منذ سنوات أحد الأعمدة الرئيسية للبعثة. كان يتمتع بحضور قوى وكاريزما غير عادية تجعله شخصية جاذبة خاصة لنا نحن معشر الصحفيين، أضف إلى ذلك صراحته الشديدة وتحليلاته المتعمقة ما جعله مصدرًا مهمًا يحرص الصحفيون على الاتصال به دائماً لمعرفة الجديد من أخبار المال والاقتصاد وما وراء تلك الأخبار من كواليس.
منذ أن عرفته لم يتغير جمال محرم أبداً سواء عندما كان موظفًا صغيرًا فى البنوك المصرية ثم تجربته الخارجية فى بنك أوف نيويورك إلى أن ترأس بنك بيريوس، شطارته دفعت به دائمًا إلى مراكز القيادة. لم يتخل أبدًا عن صفاته الحميدة فقد كان دائمًا هو نفسه جمال محرم ابن البلد الجدع الشهم الخدوم، صاحب صاحبه فعلًا وليس قولًا. كتبت منذ عدة أشهر منتقدًا موقف رجل الأعمال محمد منصور وتبرعه السخى للحزب الحاكم فى بريطانيا وشراءه لأحد الأندية الأوروبية. فوجئت بمال محرم يطلبنى وهو على سرير المرض فى لندن، مؤكدًا أننى قد تحاملت كثيرًا على محمد منصور، داعبته قائلاً له: أنت تدافع عن صديقك لمجرد أنه صديقك، فقال: أنت تعرفنى جيدًا يا هشام، ثم أوضح لى بعض الجوانب الخاصة بقرارات محمد منصور التى ربما كانت خافية عنى وسرد لى بعضًا وليس كل ما قدمه محمد منصور لمصر وطلب منى عدم نشرها والتزمت طبعًا برغبته، لمعرفتى أنه بالتأكيد يكلمنى من نفسه وليس بتدخل من محمد منصور. هكذا كان جمال محرم الذى يدافع عن الحق مهما كانت النتائج.
أتذكر مرة أنه كاد أن يتسبب عن غير قصد وبحسن نية فى ظلمى، لكنه بمجرد أن تنبه لذلك بذل كل جهده ليرفع ذلك الظلم عنى، وظل الرجل كلما لقينى يعتذر لى ويطلب منى أن أسامحه مع أن الأمر لم يكن يستدعى كل ذلك، لكن كانت هذه دائمًا شخصيته الرائعة. اقتربت منه أكثر خلال قيادته لغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة سنوات عديدة. كان نموذجاً مشرفاً وشخصيته أضافت للمنصب ولم تأخذ منه. لم يتخل عن مرحه وروح الدعابة التى لم تكن تفارقه حتى وهو فى أشد لحظات المعاناة. أتذكر مرة مثلًا وبعد انتهاء يوم من أيام بعثة طرق الأبواب فى واشنطن جلس كل أعضاء البعثة فيما يشبه حفلة سمر فى لوبى فندق الريتز كارلتون بواشنطن فقال جمال إنه سيعطى كل عضو من أعضاء البعثة اسماً من يشبهه من الفنانين وبدأ بنفسه قائلًا: أنا مثلًا الشاويش عطية، وانفجر الجميع بالضحك.
اتصل بى معزيًا عندما سمع بخبر وفاة العزيز الغالى محمود سالم، مدير تحرير أخبار اليوم، وتواعدنا على اللقاء عندما يتعافى ويعود سالمًا لأرض الوطن، لكن الله لم يقدر اللقاء، سوف أفتقد فيك الشهامة والرجولة والجدعنة، ولن أنسى تشجيعك الدائم لى بالاستمرار فى الكتابة الساخرة، وحرصك على مكالمتى عقب كل مقال. جمعنا الله بك فى مستقر رحمته يا أيها الفارس النبيل، الوداع يا جمال يا حبيب الملايين وإنا لله وإنا إليه راجعون.