الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، بكل الوسائل السياسية والعسكرية والأمنية والمادية والإعلامية وغيرها، تشاركه في الجريمة، وتتحمل معه كامل المسؤولية، وقد هبت لنجدته منذ الساعات الأولى لصبيحة يوم السابع من أكتوبر،
ليقينها أن الكيان قد اهتزت أركانه، وتصدع بنيانه، وتفككت جبهته الداخلية، وأصبح آيلاً للسقوط والانهيار، فغدا في أَمَسِ الحاجة لقوةٍ تحميه، ودولةٍ تدعمه، وحلفٍ يسانده، قبل أن تنهار المنظومة الأمريكية وتسقط بانهيار الكيان، إذ أنه عمدة نفوذها في المنطقة وعمادها، وناظم وجودها فيها ومبرر بقائه، وركيزته التي تبني عليه استراتيجيتها في المنطقة
“مخزون الاحتياطي الحربي” الأمريكي هو مجموعة من الأسلحة والذخيرة والمعدات الحربية وغيرها من المواد الخام التي يتم تخزينها مسبقا لاستخدامها عند الحاجة. وتختار الولايات المتحدة أماكن تخزين استراتيجية حيث تعتقد أنه سيكون هناك حاجة إليها في المستقبل.
ويضاف إلى كل ذلك، الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، ويشمل زيادة في الذخيرة والصواريخ الاعتراضية لتجديد نظام القبة الحديدية الإسرائيلي. كما طلب البيت الأبيض من الكونغرس مبلغ 14 مليار دولار لدعم إسرائيل، معظمه للأسلحة، علماً أن الجيش الإسرائيلي يحظى أصلاً بسنوات طويلة من المساعدات العسكرية الأميركية، تصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً، مع مليار دولار من مبيعات الأسلحة المباشرة.
إن الشعب الفلسطيني يستحق دولته الخاصة ومستقبلا من دون تأثير حماس. وإنني لأشعر بحزن عميق إزاء الصور المؤلمة القادمة من غزة والخسارة المأساوية للعديد من الأرواح البريئة، بما في ذلك الأطفال. الأطفال الفلسطينيون يشعرون بالحزن على والديهم المفقودين، بينما يلجأ الآباء إلى كتابة اسم طفلهم على أيديهم أو أرجلهم في حالة حدوث الأسوأ. يعمل أخصائيو الرعاية الصحية الفلسطينيون بلا كلل وبموارد محدودة لإنقاذ كل حياة ثمينة يمكنهم إنقاذها. إن كل حياة فلسطينية بريئة تُفقد هي مأساة تؤلم القلب وتمزق العائلات والمجتمعات.
لا ينبغي أن يكون هدفنا ببساطة وقف الحرب اليوم، بل يجب أن يكون إنهاء الحرب إلى الأبد، وكسر دائرة العنف المتواصل، وبناء وضع أقوى في غزة وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط حتى لا يستمر التاريخ في تكرار نفسه.
قبل أسابيع فقط من السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، التقيت في نيويورك برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان الموضوع الرئيسي الذي تناولناه في حديثنا يتركز حول جملة من الالتزامات الجوهرية التي من شأنها أن تساعد إسرائيل والأراضي الفلسطينية على الاندماج بشكل أفضل في الشرق الأوسط الكبير. وهذه هي أيضا الفكرة وراء الممر الاقتصادي الإبداعي الذي سيربط الهند بأوروبا عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، والذي أعلنت عنه مع شركائي في قمة مجموعة العشرين في الهند في أوائل سبتمبر/أيلول. والفكرة الرئيسية وراء هذه الجهود هي تعزيز التكامل بين هذه الدول. وهذا بدوره يؤدي إلى أسواق أكثر قابلية للتنبؤ بها ويجذب المزيد من الاستثمار ويساهم تحسين الاتصال الإقليمي، الذي يشمل البنية التحتية المادية والاقتصادية، في ارتفاع معدلات التوظيف وخلق المزيد من الفرص، وخاصة للشباب. إن هدفنا في الشرق الأوسط هو العمل من أجل تحقيق هذا المستقبل، الذي لا يتسامح مع العنف والعداء الذي تمارسه حماس. وفي اعتقادي أن حماس هي التي حرضت على الأزمة الحالية في محاولة لتقويض الأمل في مثل هذا المستقبل.
ومما لا لبس فيه أن حل الدولتين هو الوسيلة الوحيدة لضمان الأمن الدائم لكل من السكان الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من أن هذه الأزمة تبدو في الوقت الحالي بعيدة المنال أكثر من أي وقت مضى، إلا أن هذه الأزمة جعلتها أكثر ضرورة من أي وقت مضى.
إن حل الدولتين، الذي يتميز بوجود شعبين متميزين يتعايشان مع المساواة في الحصول على الحرية والفرص والكرامة، هو الطريق نحو السلام الدائم. ولا شك في أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التزامات من الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك من الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا. ومن الضروري أن يبدأ هذا العمل على الفور.
وسعيا لتحقيق هذا الهدف، طرحت الولايات المتحدة مبادئ أساسية لتجاوز هذه الأزمة، حيث قدمت إطارا أساسيا يمكن للعالم البناء عليه.
بداية، يجب ألا تُستخدم غزة مرة أخرى كمنصة للإرهاب. ويجب ألا يكون هناك تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، ولا إعادة احتلال، ولا حصار، ولا تقليص في الأراضي. وبعد انتهاء هذه الحرب، يجب أن تكون أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب الحكم بعد الأزمة في غزة.
وفي سعينا الحثيث من أجل السلام، لا بد من إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل هيكل حكم واحد، في نهاية المطاف في ظل سلطة فلسطينية متجددة، بينما نعمل جميعا نحو حل الدولتين. لقد كنت أؤكد في لقاءاتي مع قادة إسرائيل أن العنف المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية يجب أن يتوقف، ولا بد لأولئك الذين يرتكبون أعمال العنف من أن يخضعوا للمساءلة. والولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ خطواتنا الخاصة، بما في ذلك إصدار حظر على تأشيرات الدخول ضد المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين في الضفة الغربية.
ويجب على المجتمع الدولي تخصيص الموارد لدعم سكان غزة في أعقاب هذه الأزمة مباشرة، بما في ذلك التدابير الأمنية المؤقتة، وإنشاء آلية لإعادة الإعمار لتلبية احتياجات غزة على المدى الطويل بشكل مستدام. ومن الضروري ألا تنطلق أي تهديدات إرهابية مرة أخرى من غزة أو الضفة الغربية.
فإذا تمكنا من الاتفاق على هذه الخطوات الأولى، وأخذناها مجتمعة، فيمكننا أن نبدأ في تصور مستقبل مختلف. وفي الأشهر المقبلة، سوف تضاعف الولايات المتحدة جهودها لإقامة شرق أوسط أكثر سلما وتكاملا وازدهارا –منطقة لا يمكن أن يتكرر فيها يوم مثل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وفي غضون ذلك، سنواصل العمل لمنع هذا الصراع من الانتشار والتصعيد. لقد أمرت مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية بالذهاب إلى المنطقة لتعزيز الردع. نحن نلاحق حماس وأولئك الذين يمولون ويسهلون إرهابها، ونفرض جولات متعددة من العقوبات لإضعاف الهيكل المالي لحماس، وقطعها عن التمويل الخارجي ومنع الوصول إلى قنوات التمويل الجديدة، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد كنت واضحا أيضا في أن الولايات المتحدة ستفعل ما هو ضروري للدفاع عن القوات والأفراد الأمريكيين المتمركزين في جميع أنحاء الشرق الأوسط – وقد استجبنا عدة مرات للضربات الموجهة ضدنا.
كما سافرت على الفور إلى إسرائيل ــ وكنت أول رئيس أميركي يفعل ذلك أثناء الحرب ــ لإظهار التضامن مع الشعب الإسرائيلي والتأكيد للعالم على أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل. إن من واجب إسرائيل ومن حقها أيضا أن تدافع عن نفسها. وأثناء وجودي في تل أبيب، نصحتُ الإسرائيليين أيضا بعدم السماح لألمهم وغضبهم بتضليلهم ودفعهم إلى ارتكاب الأخطاء التي ارتكبناها بأنفسنا في الماضي. منذ البداية، دعت إدارتي إلى احترام القانون الإنساني الدولي وتقليل الخسائر في الأرواح البريئة إلى الحد الأدنى، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين. وفي أعقاب هجوم حماس على إسرائيل، انقطعت المساعدات عن غزة، وتضاءلت احتياطيات الغذاء والمياه والأدوية بسرعة. وكجزء من مهمتي خلال سفري إلى إسرائيل، عملت بشكل وثيق مع قادة إسرائيل ومصر للتوصل إلى اتفاق لاستئناف تسليم المساعدات الإنسانية الأساسية لسكان غزة. وفي غضون أيام، بدأت الشاحنات المحملة بالإمدادات في عبور الحدود مرة أخرى. واليوم، تدخل ما يقرب من 100 شاحنة مساعدات إلى غزة من مصر يوميا، ونحن نواصل العمل على زيادة تدفق المساعدات أضعافًا مضاعفة. لقد دعوت أيضا إلى هدنة مؤقتة لأسباب إنسانية في الصراع للسماح للمدنيين بمغادرة مناطق القتال النشط وللمساعدة في ضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين. واتخذت إسرائيل خطوة إضافية تتمثل في إنشاء ممرين إنسانيين وتنفيذ وقف يومي للقتال لمدة أربع ساعات في شمال غزة للسماح للمدنيين الفلسطينيين بالفرار إلى مناطق أكثر أمانا في الجنوب.
وتتناقض هذه الجهود بشكل حاد مع التكتيكات البغيضة التي تتبعها حماس كمنظمة إرهابية، والتي تنطوي على التخفي بين المدنيين الفلسطينيين واستخدام الأطفال والأبرياء كدروع بشرية وزرع أنفاق إرهابية تحت المستشفيات والمدارس والمساجد والمباني السكنية، وكلها تؤدي إلى حصيلة مأساوية من الموت والمعاناة بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين الأبرياء. لو كانت حماس مهتمة حقا بحياة الفلسطينيين، لأطلقت سراح جميع الرهائن، ونزعت سلاح المسؤولين عن حادثة 7 أكتوبر/تشرين الأول ، وسلمتهم للمحاسبة.
وما دامت حماس متمسكة بإيديولوجية التدمير، فإن وقف إطلاق النار لن يصنع السلام. وبالنسبة لأعضاء حماس فإن كل وقف لإطلاق النار يمثل لهم فرصة لإعادة بناء مخزونهم من الصواريخ، وإعادة تمركز المقاتلين، وبدء عمليات القتل من خلال مهاجمة الأبرياء مرة أخرى. إن النتيجة التي تسمح لحماس بالسيطرة على غزة من شأنها أن تؤدي مرة أخرى إلى إدامة كراهيتها وحرمان المدنيين الفلسطينيين من الفرصة لبناء شيء أفضل لأنفسهم.
وهنا في الوطن، في اللحظات التي يكون فيها الخوف والشك والغضب على أشدها، يتعين علينا أن نعمل بجد أكبر للتمسك بالقيم التي تجعلنا ما نحن عليه. نحن أمة الحرية الدينية وحرية التعبير. لدينا جميعا الحق في النقاش والاختلاف والاحتجاج السلمي، ولكن دون خوف من استهداف المدارس أو أماكن العمل أو أي مكان آخر في مجتمعاتنا.
في السنوات الأخيرة، تم توفير الكثير من الأكسجين للكثير من الكراهية، مما أدى إلى تأجيج العنصرية والارتفاع المثير للقلق في معاداة السامية في أمريكا. وقد تكثف ذلك في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول. تشعر العائلات اليهودية بالقلق من استهدافها في المدرسة، أثناء ارتداء رموز عقيدتها في الشارع أو أثناء ممارسة حياتها اليومية. وفي الوقت نفسه، يشعر عدد كبير جدا من الأميركيين المسلمين، والأميركيين العرب، والأميركيين الفلسطينيين، والعديد من المجتمعات الأخرى، بالغضب والألم، خوفا من عودة كراهية الإسلام وانعدام الثقة التي شهدناها بعد 11 سبتمبر/أيلول.
لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي عندما تطل الكراهية برأسها. ويجب علينا، دون لبس، أن ندين معاداة السامية، وكراهية الإسلام، وغيرها من أشكال الكراهية والتحيز. ويجب علينا أن ننبذ العنف والانتقاد اللاذع وأن ننظر إلى بعضنا البعض ليس كأعداء، بل كمواطنين أميركيين.
وفي خضم العنف والمعاناة السائدين في أماكن مثل أوكرانيا وإسرائيل وغزة والعديد من البلدان الأخرى، قد يكون من الصعب تصور إمكانية وجود واقع مختلف. ومع ذلك، يجب علينا أن نتذكر دائما الدرس الذي علمنا إياه التاريخ مرارا: من خلال المآسي والاضطرابات الهائلة، يمكن تحقيق تقدم كبير. ويستلزم هذا التقدم المزيد من الأمل، ومزيدا من الحرية، كما يتطلب تقليل الغضب، وتقليل المظالم، وتقليل الصراع. ومن الأهمية بمكان أن نحافظ على تصميمنا على تحقيق هذه الأهداف، وخاصة في هذه اللحظة حيث تشتد الحاجة إلى رؤية واضحة، وأفكار طموحة، وشجاعة سياسية.
وهذه هي الاستراتيجية التي ستستمر إدارتي في قيادتها، سواء أفي الشرق الأوسط، أم في أوروبا، أم في مختلف أنحاء العالم. إن كل خطوة نتخذها نحو تحقيق هذا المستقبل تمثل تقدما يعزز الأمن العالمي ويقوي الولايات المتحدة الأمريكية.