وأنا على مشارف الواحدة والثمانين ..أطمع في استراحة محارب أعتبرها مكافأة أو هدية ..لا فرق..لأنها بالتأكيد تساعدني على استخراج ما تبقى من دروس لحياة جمعت بين العاصفة والنسيم..السيول والجفاف..الإضافة والحذف..المرض والصحة..ولكن بحمد الله رجحت كفة السعادة لأنني في الإجمال..حققت الهدف الكبير أن احترف الصحافة وأمسك بالقلم مؤكدا دوما على خدمة الوطن الغالي والدفاع عن الحقيقة واعتماد الصدق مهما كانت المحاذير..
العزيمة…إذن..تتصدر النصائح والدروس..تعالوا أيها الأصدقاء نطالعها معا في هذا المقال…
** أمضيت مشوار حياتى متعجلا.. تخلله قفزات وقفزات فى مراحل الدراسة مثلاً لأكون رغم تحديات المرض من أصغر الذين تخرجوا فى الجامعة واصلت الليل بالنهار.. أسعى إلى ترجمة عشقى للصحافة إلى فهم لأصول المهنة.. وترابط أقسامها وتخصصاتها.. لم أترك كبيرة ولا صغيرة عثرت عليها من الصفحات المكتوبة إلا وبحثت بداخلها عن نقطة تميز وتفوق.. تساعدنى فى تكوين شخصيتى المهنية.. وتيسر تعاملى مع التكليفات الصحفية .. والإلمام بجوانب عملية النشر فى كافة ملامحها.. لتكون مناقشاتى مع الآخرين مفيدة للجانبين.. فى الصميم دون مضيعة للوقت ما أمكن.
** آمنت بأن المعرفة الحقيقية تحتاج منك للذهاب إلى منابعها.. وعدم ضياع اللحظات فى انتظار ان تسقط عليه شجرة «الخبرة» ثماراً هى الأشهي.. والأصلي.. والأكثر فائدة.. لأنك ساعتها قد تحصل على سر المهنة كما يقولون.. ترتفع به المكانة والهامات.. وتستطيع القيام بواجبك فى اكتشاف الموهوبين من الأجيال القادمة.. تصقل قدراتهم وتقدمهم فرسانا لمهنة البحث عن المتاعب التى لاتزال حتى الآن- فى تقديري- لم تنتقل فى مرحلة الفن إلى مرحلة العلم وقواعده الحاكمة الثابتة حتى الآن.. على الأقل نظرا لتوفير مفاهيم ومعارف واحتياجات القراء والمتابعين لكلمات متجددة يثقون فى صدقها وأمانتها وجدواها.
** انها جينات شرفتنى بحملها الإرادة الإلهية منذ ولدت فى يوم ربيعى فوق سطح أحد منازل الزيتون.. ومن فوقى الغارات الجوية للحرب العالمية الثانية.. ولمست منها اقبالاً على الاستيعاب والفهم فى العلوم والمعارف التى أحببتها.. فمثلا حصلت على الدرجات النهائية فى الحساب والجبر.. لكنى لم أكن قادراً على حفظ نظريات الهندسة.. وكذلك فى اللغة العربية.. كنت متقدما فى الخطابة والقراءة وتذوق الشعر.. والإلمام بقواعد النحو والصرف.. والتعايش مع لغتنا الجميلة وتراثها.. ولكنى لم أكن قادراً على ضبط قصائد المعلقات والمطولات وان استطعت شرح ألفاظها ومعانيها.. وكذا رفض عقلى التعامل مع اللغة الفرنسية.. وكانت نقطة ضعف فى سجل شهاداتي… بينما كنت جيداً فى اللغة الانجليزية.. رغم أسعد أفندى وعصاه الجلدية التى تلهب الأيدى والقدمين والظهر.. لا فرق.. بينما كنت محدد مسار قطار »العزيمة« السريع على المدارك الصحفية.. وكل ما يتصل بها.. وقاومت كل الأنواء والضغوط العائلية حتى تحقق الحلم بالالتحاق بقسم الصحافة بجامعة القاهرة ثم التخرج والتشرف بالانضمام إلى بلاط صاحبة الجلالة.. التى لا تغيب عنها الشمس.
** ظل الأمر كذلك حتى الحصاد ودخول العمر الثالث.. والتخفف من الأعباء والمسئوليات بسبب تراجع القوة وتصاعد المرض.. تراجعت قراءاتى وساعات الاطلاع.. ليحل معها التركيز على صيدلية الدواء المتنقل.. التى أحملها معي.. تحالفت أمراض العيون والعظام والقدرة على التحرك السريع ومسارها امكانية النزول والصعود سلالم المنزل المائة.. ومع دخول الشتاء تثقل الخطي.. ويصبح قطع المسافة إلى الحمام من المعجزات.. رويدا.. رويدا.. يستغنى المرء طواعية عن سلوكيات كان يحبها.. تتزايد أهمية السرير.. شاطئا لجلب الراحة.. ومعها مزيج من التأمل والأحلام يضطر الانسان لاختزال أولوياته.. إلى خانة الضرورة.. ويشطب النزهات والزيارات والشواطئ وحتى النزول إلى الأصدقاء بالشارع.. فى المقهى أو المحلات.
** حاولت الحفاظ على شريان حب يربطنى بالعمل.. اتحامل واستند على الابنة الوفية للذهاب للجريدة يومين فى الأسبوع.. اتنفس فيها عطر الخبرة ممزوجا بالوفاء.. لكن هجوم المتغيرات المناخية.. جاء فى صورة هواجس تنحاز إلى الوهن والكسل والانطواء.. حتى النوم على السرير لم يكن حلا.. بسب صراع الماضى المثمر مع المجهول القادم.. لاح فى الأفق القرار الصعب.. وداعا ذلك العام خارج باب الشقة.. بكل حيويته ومتغيراته وما يحمل من دروس كانت هى النهر الذى يمدنى بالأفكار والموضوعات طوال ما مضى من سنوات.. أحيانا يولد الأمل فى أقصى درجات اليأس.. وملأ الضوء غرفة النوم.. حاملا كلمة واحدة.. هل جربت العزيمة.. ضلع المثلث الذى يكتمل بالإرادة والتحدي.. ويمثل الحل المتكامل.. عليك حفظ مراعاة الظروف والتدرج فى الأولويات.. هل نسيت العزيمة التى صنعت قصة حصادك.. وتنبه لها الضمير الثقافى للوطن فى فيلم يحمل هذا الاسم.. اخرج فى ثلاثينيات القرن الماضي.. ألا تعلم ان العزيمة هى السلاح الوحيد للرجال العصاميين أصحاب قصص نجاح شقت الآفاق توكل على الله.. ابدأ الخطوة الأولى فى طريق الألف ميل.. ولاتنسى انك تخففت من العديد من الأعباء.
صالح إبراهيم