كنت أظن أن هوس الناس بشخصية الفتوة البلطجى هى ظاهرة منتشرة فقط فى دول العالم التالت والرابع باعتبار أن أغلب شعوبها مغلوبة على أمرها،ضائع حقها، فتجد فى شخص الفتوة المعادل الموضوعى لضعفها وانكسارها، فهو يشبع حاجتها للانتقام ممن ظلموه، لكن أن تنتشر ظاهرة الإعجاب بالبلطجية إلى دول العالم الأول التى يحصل المواطن فيها على كافة حقوقه وحيث الجميع أمام القانون سواء، فالموضوع هنا يحتاج دراسة من علماء النفس لتفسير تلك الظاهرة.
صدق أو لا تصدق مثلًا أن نسبة كبيرة من الشعب الأمريكى تنتظر بفارغ الصبر الانتخابات الرئاسية المقبلة لإعادة انتخاب ترامب وما أدراك من هو ترامب الذى ضرب خلال رئاسته السابقة بكل التقاليد والأعراف عرض الحائط. لكن الجماهير الأمريكية تشعر حاليا بحالة من الملل الشديد، ليس بسبب الركود الاقتصادى والتضخم وارتفاع الأسعار وتراجع الحلم الأمريكى وغيرها من المشاكل التى أثرت سلبًا على الثقافة الأمريكية فى السفر والانطلاق والفسحة والأكل فى المطاعم وتحول الشعب إلى التضحية بكل هذا الترف وأصبح حبيس البيوت، بل مصدر ذلك الملل هو ابتعاد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب عن دائرة الضوء قبل أن يعود إليها مؤخرًا من خلال محاكمته. لكن لا يزال الشعب الأمريكى يفتقد ترامب والتعليقات النارية والقرارات الغريبة التى كان يتخذها وكانت تحدث حالة من الجدل التى كانت ربما العزاء الوحيد الذى جعل الأمريكيين يصبرون للبقاء فى البيوت بسبب الأزمة الاقتصادية.
الطريف أنه حتى من انتخبوا الرئيس الحالى جو بايدن يفتقدون ترامب والصخب الذى كان يحدثه بتوزيعه الشتائم علي كل من يخالفه ليل نهار طيلة فترة رئاسته، وحماقاته التى لم يسلم منها أحد والتى أحدثت شرخا واضحا فى المجتمع الأمريكى لن يلتئم بسهولة، وجرحا لن يندمل بسرعة، وخناقاته عالية الصوت مع الإعلام الذى كان يتعامل معه بنظرية المؤامرة متهما إياه بأنه إعلام فاشل منحاز ويفتقد المصداقية والمنهجية، وتلك الغوغائية التى كان يتحلى بها وبالذات فى أيام الانتخابات الرئاسية التى سقط فيها سقوطا ذريعا، وكاد ان يسقط معه الحزب كله عندما أبدى تبرما واعتراضا على نتيجة الانتخابات وهدد بعدم تسليم السلطة معتقدا أن الصوت العالى قد يرهب المؤسسات الأمريكية ويجعلها ترضخ لطلبه.
عدد كبير من وسائل الإعلام وخاصة بعض القنوات الشهيرة مثل السى إن إن وال آل سى بى انصرف عنها جمهور المشاهدين حيث لم يعد أمام هذه القنوات مايجذب الناس بعد توارى ترامب عن الأنظار وهو الذى كان يشعلها على مدار الساعة ولعل احدهم فى احدى القنوات صاح فى اجتماع مجلس التحرير قائلا:وجدت طريقة لاستعادة المشاهدين، فأنصت الجميع له حيث قال بثقة: نعود للتحرش بترامب إعلاميا من جديد.على الطرف الآخر كان ترامب هو الآخر يشعر بالملل الذى يسود البلاد خاصة أنه ممنوع من السوشيال ميديا التى كان من خلالها يخاطب أنصاره ومؤيديه وكانت سببًا أساسيًا فى شعبيته الكبيرة التى يتمتع بها والتى يعول عليها كثيرا للعودة للبيت الأبيض.
»مارفى كالب» محلل ومؤرخ أمريكى كبير أصدر كتابا عن ترامب تحت عنوان عدو الشعب، حرب ترامب على الصحافة، المكارثية الجديدة وخطرها على الديمقراطية الأمريكية.الكتاب حقق مبيعات ضخمة حيث جاذبية العنوان لمؤيدى ترامب قبل معارضيه، ويكشف المؤلف فى جانب من الكتاب ما أطلق عليه صفقة شيطانية غير معلنة بين ترامب وتلك القنوات،هى تهاجمه فيعود لها مشاهدوها، وهو يشتمها فيسترد شعبيته. وهو مايذكرنى بنظرية السح الدح امبو أغنية عدوية الشهيرة التى لاحظ احمد عدوية ارتفاع الإقبال عليها كلما هاجمها النقاد وقت ظهورها لدرجة أنه كان يتصل بهم راجيا منهم أن يهاجموه بضراوة كلما قدم أغنية جديدة وربما لم يكن نجمنا الكبير يتوقع أن تصبح نظريته التى أسسها بتلقائية شديدة واحدة من أهم نظريات الإعلام والسياسة فى العالم سوف يطبقها ترامب وإعلامه يمكن لنا وبكل ثقة أن نسميها نظرية ترامب الدح امبو!