الكتابة للمسرح هى الركن الأول من أركان العرض المسرحي ففى البدء كانت الكلمة ، ومن خصوصيات الكتابة المسرحية وأبرزها تلك الخبرة والموهبة الإبداعية للكاتب المسرحى وارتباطه الوثيق بالمجتمع من حوله وتفاعله الحى معه ، ولما كان للمسرح رسالة أساسية هى تركيز الضوء من خلال متعة فكرية وفنية على مواطن الخلل بغية التبصير بها وتحديد المشكلة، بيد أن هناك اختلافا كبيرا فى كونه يطرح حلولا أم لا ؟، ولكن لابد له من الرمز واستثارة الذهن خيالا وفكرا ، وقد يلجأ للمباشرة حين تستفحل المشاكل مع وجوب التصدى لها ، فلقد عرف العالم مسرح الجرائد الذى يناقش المشاكل والهموم التى يعانى منها المجتمع كل حسب خصوصيته ، وطبعا لابد للكاتب المسرحى أن يكون متابعا جيدا للعروض المسرحية وتقنياتها ،وطبعا بالجمهور وميوله وذوقه ، فالنص المسرحى ما كتب إلا ليمثل ويجسد على خشبة المسرح ، ولذا يكون من أهم أدوات الكاتب العلم بفن وأدوات تشكيل الصورة المسرحية )السينوغرافيا ) بما لها من أهمية فى فتح آفاق أرحب لخيال الكاتب .
ولقد تعرض النص المسرحى لمحاولات تخريب حقيقية نجحت إلى حد كبير فى تدمير النص المسرحى المتعارف عليه بدعوى التجريب الذى لم يتجاوز دور المقلد الساذج للاتجاهات الغربية من حيث عرض المضمون ،لنسمع مصطلحات التأليف الجماعى ، والارتجال ، وموت المؤلف وتهميش النص والمؤلف المسرحى ، مما أدى بالجمهور الفطن إلى أن يترك البضاعة الفاسدة لمن شوهوها ، ووصل المسرح العربى والمصرى إلى حالة من التردى ، وخواء المسارح ، وفى هذه المقالة محاولة لتحديد عناصر الكتابة المسرحية ومكوناتها حتى لايختلط الحابل بالنابل ويكتشف الغث من السمين.
1 ) الأحداث فى المسرحية يجب أن يحددها التفهم الكامل لطبيعة مجموعة المشاهد أوالمشهد المسرحى الذى كتب خصيصا ليؤدى على خشبة المسرح ، أو أى مكان مفتوح ولكن يتحدد فيه الملعب المسرحى وسط الجمهور ، وحدود للتنقل بين الزمان والمكان ماضيا كان أم مستقبلا والعودة للحاضر ، لذا يلزم للحدث المسرحى توافر المنطقية والضرورة لكل مشهد بعيدا عن الاستسهال ، إذ أنه ليس هناك فى ظل الحبكة أو ترابط الأحداث المسرحية أى مجال للاسترسال ،احتراما لعقلية القارىء أو المشاهد ،من خلال مقدمة تتناسب طولا وقصرا مع الأحداث ، أو الدخول فورا للحدث بلا مقدمات حيث يكون الصراع نحدد الأطراف والأطر التى ينمو من خلالها ،ولذلك فكل الأحداث يجب أن تنمو وتتوالد بصورة طبيعية تدفع بالعمل نحو الذروة إما مباشرة أو من خلال ذروات محدودة كلها تؤكد على التصاعد الدرامى ، بعيدا عن الأحداث الثانوية والتفرعات أو مايطلق عليه السرد المستعرض للأحداث ،مما يصرف ذهن الجمهور عن موضوع الصراع الأصلى ومضمون العمل ، وهو مايتنافى مع الكتابة المسرحية الجيدة الحديثة،مع التوازن الفنى فى عرض المأساة ( التراجيديا ) وإلآ تحولت لكآبة، أو الملهاة ( الكوميديا ) وإلا تحولت لتهريج محض ، ليبدأ العرض مع رفع الستار ، وينتهى بعد إسدال الستار ،كما فى توزيع العمل بدقة بين المآسى والملاهى فى عروض التراجكوميدى، ولذلك يجب أن تكون شخصيات المسرحية مرسومة جيدا فى طبيعية وبعيدا عن المبالغة ، محددة المعالم بدقة بحيث لاتؤثر على متابعة جمهور المسرح للعرض المسرحى ، ومن خلال ترابط الأحداث وتتابعها وعزف المخرج على أوتار السينوغرافيا ( الصورة المسرحية ) تكون الثمرة إيقاع العرض العام الذى يبعد الجمهور عن الملل والانفصال عن رسالة العرض وكلمته وفكرة المعالجة الرئيسية ( التيمة ) .
2) الكاتب المسرحى من وجهة نظرى مفترض فيه الموهبة وحرفية استخدام قاعدة ال (5c)ومكوناتها: 1-compact /2- condensed/3- concentrated/4- compatable/ 5-compliant ،
أو بالعربية( الخمسة م ) أى مضغوط الحوارات والأحداث، مركز الموضوع محدد الهدف منعا لتشتت القارىء أو المشاهد ، مكثف الأحداث بعيدا عن الحشو والتلفيق ومكثف الشخصيات وهو مايطلق عليه الاقتصاد فى الشخصيات ،متوافق وطيع مع إمكانية الأداء المسرحى وتقديمه كعرض مسرحى ، ومتوافق من حيث اهتمامات الجمهور والمؤلف بحيث يشعر الجمهور بأن المؤلف واحد منه يعبر عنه وهو لسان من ألسنة حاله بحيث تحدث حميمية بين الجمهور وموضوع العرض ، مطوع ييسر تعامل المخرج مع النص لقبول الجمهور وذائقته وخصوصيتها من مجتمع لمجتمع له كعرض مسرحى .
2) حوار المسرحية يجب أن يكون مستساغا بعيدا عن السرد والخطابة والوعظ والتكلف والابتذال اللفظى والتقعر والتعالى على الجمهور، لغته لها خصوصية الموسيقى الداخلية والتناغم بين الشخصيات وحواراتها، بحيث أنه لو ترددت جملة ما يتوقع الجمهور أنه ما كان يقولها سوى تلك الشخصية، أى مراعاة الفروق الجوهرية وتفاصيل الشخصيات من خلال حواراتها ، وعلى النص أن يكون مكتوبا بطريقة تراعى الوقف والوصل المسرحى ، وإمكانية الوصل ، واستحباب الوقف أو إمتناعه على حسب مضامين الحوارات ، ويجب ألا تكون الحوارات صادمة للجمهور فى عقيدته ، أو عاداته وتقاليده الرصينة ، تحترمها وتجلها ، ويتصدى الحوار لكل ماهو بال من تقاليد وعادات خاطئة فى حرفية ومهارة فنية بطريقة غير مباشرة بحيث يرتقى بفكر الجمهور أن يحكم عليها بنفسه من خلال مايراه أمامه فى العرض أو يقرأه كنص مسرحى ، ويجب أن يكون الحوار متنوعا حسب الأحداث يحتوى مونولوجات( فردية) أو ودويتوهات وأحاديث جماعية، كل كلمة فى مكانها ولها وظيفتها تثرى العمل دراميا، وإذا ما توافر للحوار ماسبق فأعتقد أنه لن يكون هناك مجال لأى من الممثلين فى الارتجال بغية زيادة مساحة دوره أو طول مكوثه على خشبة المسرح ، وذلك لاحترام الممثل وقناعته بجودة النص إذا كان ممثلا بحق .
3 ) إرشادات النص المسرحى يجب أن تكون دقيقة مكتوبة بلغة سهلة الفهم تساهم فى شرح المشهد بدقة بحيث تيسر وتحفز حصول ما يسمى بالسينوغرافيا الذهنية لدى قارىء النص سواء أكان عاديا ، أومخرجا أوممثلا أو مصصم ديكور أو ملابس أو إضاءة أو شاعر يصيغ أغانى العرض أو موسيقى يضع موسيقاه التصويرية وألحان أغنيات العرض.
4 ) مساحات الأدوار المكتوبة يجب أن تراعى أهمية الشخصية فى الحدث بعيدا عن مساحة الدور أو من سيؤديه والعبرة هنا بالأهمية الدرامية للشخصية ودورها فى دفع الأحداث الدرامية وتطورها، أى البعد عن تفصيل الأدوار تحسبا لمن سيؤدى الدور حين يعرض العمل على خشبة المسرح .
5 ) موضوع النص المسرحى يجب أن يكون من صميم البيئة ، أو إنسانيا عاما يمس واقعا مفترضا فيه خصوصية الجمهور وطبيعته ، ونوعية مشكلاته ، وطموحاته ، وواقعه ، وتيمته ( فكرته الرئيسية) يجب أن تكون رصينة بعيدة عن التقليدية ، مبتكرة ، جذابة، واضحة مع نهاية النص المنطقية ، بعيدا عن النهايات المفتوحة حتى تصل رسالته للجمهور.
6 ) يتضمن النص المسرحى المقروء أو المفترض عرضه حدا معقولا من تحقيق المتعة الفنية والفكرية للقارىء أو المشاهد.
7 ) لم تعد النصوص المكتوبة للخاصة أو مجتمع النخبة تلقى من يروج لها أو يدافع عنها ، تحت مظلة من المسميات والمصطلحات الهلامية التى انكشفت وأصبحت بمثابة بدعة قديمة ، تراجع عنها من ابتدعوها ، ولكن يظل البعض من مثقفينا قاطنى الأبراج العاجية يدافعون عنها بشراشة، على الرغم من كونها لاتجد لها جمهورا حقيقيا متفاعلا معها .