هو
سمعنى صوتك كفاية !
لسبب كان مجهولاً إلى وقت طويل.كانت الأغنية المفضلة لخطيبتى – والتى أصبحت فيما بعد زوجتى للآن ولحين إشعار آخر- هى اغنية المطرب الكبير هانى شاكر والتى يقول فيها:
سمعنى صوتك كفاية..
احس إنك ويايا..
ناخد وندى فى الكلام..
وأهى حاجة منك والسلام؟
هل كانت خطيبتى فى ذلك الوقت تستشرف مستقبل علاقتنا الزوجية مستقبلاً مثلاً, أم أنها قد أيقنت مبكراً, ومن خلال تجارب الآخرين المحيطين بها أن الصمت هو نهاية كل زوج بعد أن يكون قد افرغ فى فترة الخطوبة كل كلمات الحب والهيام التى يبثها لخطيبته التى هى لا تزال بعيدة عن متناول يده..هل فعلا مطلوب من الرجل منا أن يطبق فى علاقته بالمرأة نظرية فريق الكرة الذي يوزع جهده على مدار التسعين دقيقة حتى لا يقدم كل ما لديه من فنون ومهارات الجرى والترقيص فى أول ربع ساعة ثم يصاب بعدها بالفتور وعدم الحماس ويظل فى نصف ملعبه يدور حول نفسه, فيجدها المنافس الذي نصب له ذلك الكمين فرصة للانقضاض عليه وهزيمته حيث أنه نظم جهده ولم يسرف فى الجري ليحتفظ بتلك اللياقة التى تمكنه من انهاء المباراة لصالحه؟.
كنت فى ذلك االوقت البعيد أندهش من تلك الأغنية وأسأل نفسي عن تلك الحالة التى وصل إليها الرجل الذي لجأ للصمت فى بيته لدرجة أن زوجته تتمنى أن تسمع صوته ولو كان مجرد رغى فى أى موضوع..بالطبع لا تطمح تلك المرأة أن تسمع منه كلام فى الحب إذ ربما تكون صدمتها شديدة ربما تفقدها حياتها.الست هنا كما قال مؤلف الاغنية تتمنى أن تسمع صوت الرجل,مجرد صوته حتى ولو قال أى كلام..وربما حتى لو عطس أو سعل..أى شيء يدل على وجود كائن حى بدلا من ذلك الصمت المطبق الذي يخيم على تلك الجثة.
كنت اداعب خطيبتى فى ذلك الوقت بسبب حبها لتلك الكلمات الغريبة,فكانت تستنكر ما أفكر فيه مؤكدة أنها مجرد اغنية تحبها ولا تحمل فى عقلها الباطن أية مؤشرات سلبية من تلك التى أفكر فيها.كنت احاول أن أشرح لها أننى كائن غير متكلم بطبعى وأننى أجد فى الصمت راحة كبيرة,,ليست فلسفة كدابة ولا ترفعا ولا توجد أى حكمة فيها ولا يحزنون.إنما أنا كده خلقة ربنا.الصمت صديقى الذي لا يفضحنى بينما,ولأنى لست خبيراً فى الكلام تضعنى الثرثرة فى مواقف سيئة جداً ليس هذا مجال تناولها.أضف إلى تعثري فى الكلام عموما,أنى بشكل خاص لست ممن يجيدون الكلام مع الجنس الآخر.ربما بسبب تربيتى فى الصعيد حيث كان الكلام فى ذلك الوقت مع أى بنت خارج نطاق العائلة يعد رجساً من عمل الشيطان.ثم ألم يقل الحكيم أن الصمت أبلغ من أى كلام؟!
هى
منتاش غريب !
كان خطيبى الذي هو زوجى حاليا ,ولا أفكر فى تغييره أو استبداله يندهش, عندما يرانى ادندن فى خروجاتنا أيام الخطوبة بأغنية هاني شاكر..التى يقول فى مطلعها:
بقولك إيه منتاش غريب
بلاش يا روحي تروح تغيب
ما عندكش فكرة في البعد عنك انا ببقى إيه
صعب البعد علي
سهر الشوق في عيني
ما استحملش يا عمري بعدك عني شوية
ربما لو اكتفيت بالدندنة بهذا القدر من الاغنية لما تسببت فى قلق خطيبى الذي ترك كل تلك المعانى الجميلة وأبدى تحفظه على كوبليه:سمعنى صوتك كفاية !.عبثا حاولت اقناعه بأننى لست مؤلفة الاغنية وأنى لا يمكن أن اقبل بعضها وأرفض بعضها لأن سيادته يري فى معناها تبشير بالخرس الزوجى !..لكن يبدو أنه كان على رأسه بطحة, حيث أن كلام الخطيب مدهون بزبدة يطلع عليه الجواز يسيح.عبثا حاولت أن ” انكشه” ليسمعنى بعضا مما كان يسمعنى من قبل.وحتى لا تسرح بخيالك عزيزى القارىء وتعتقد انى كنت أحلم بأنه سوف يسمعنى وهو يراقصنى كلمات ليست كالكلمات فالحقيقة أننى كنت واقعية جداً حتى ونحن فى اشد لحظات الرومانسية,فلم أطلب أبداً سوى الحد الأدنى من التعبير عن المشاعر والأحاسيس.
الغريب أنه فى الوقت الذي يحاول فيه أن يقنعنى بأن صمته ليس نوعا من الاهمال أو فتور فى المشاعر وأنها مجرد طبيعة فيه تجده من الممكن أن يرغى مع أصدقاءه بالساعات فى كل شيء..فى السياسة والاقتصاد والكورة والسوشيال ميديا فإذا طالبت بأدنى حقوقى فى أن يتكلم معى ولو قليلاً وجدته يشيح بوجهه قائلاً:هو فيه ايه ممكن نتكلم فيه؟ ياريت تقومى تعمليلنا لقمة ناكلها أحسن ! ..مقعولة؟ لقمة ناكلها..اهكذا ينتهى بى المطاف وكل احلامى فى استمرار قنوات الكلام مفتوحة بيننا تتحطم على صخرة هذا الزوج الصامت كما لو كان أبو الهول, مع الفارق ان ابو الهول كان صمته اجبارياً كما انه لا يأكل ولا يشرب بينما زوجى الذي استنزف كل مشاعره فى فترة الخطوبة لم يعد يشعر بعد سنوات من الزواج سوي بمشاعر الجوع والعطش..ليتنى أجيد المقايضة لربما كنت طلبت منه كلمة حلوة أو حتى مجرد كلمة عادية مقابل كل لقمة اعددتها له أو فنجان شاي أو قهوة قدمته له.ربما لو فعلت لكنت اغني النساء الآن ولما شعرت بافتقادى لمشاعره.
تخيلوا أن هذا الكائن الذي يدعى أن الصمت طبعه وقع مرة فى شر أعماله ,حدث مرة أن كان على المقهى وعندما تأخر عن موعده طلبته لأطمئن عليه وبعد المكالمة نسي ان يغلق الخط وبدون مبالغة سمعته يتكلم فى السياسة حتى أننى قد غرت منها وتمنيت لو كنت أنا هى تلك السياسة التى يتحدث عنها بشغف واهتمام رغم ان اصحاب السياسة أنفسهم يقولون انهم لا يجنون منها سوى الهم والحزن.لكن الشاهد أن الرجل يدعى حكمة الصمت عندما يجلس مع زوجته بينما هو ماكينة لا تتوقف عن الكلام خارج نطاق البيت.