لن أتوقف عن القول بأن الإذاعة المصرية كنز لا يفنى، فنحن نملك أكثر من 90 عامًا من البث الإذاعي الذي شمل كل شيء.
أجل… كل شيء، لذا يجب علينا شكر الذين اخترعوا “يوتيوب” لأنه أتاح لنا الإنصات والتمتع بكنوزنا الإذاعية المنسية، ويا لها من كنوز رائعة.
قبل أيام قليلة، وبالتحديد في 26 يونيو الماضي يكون قد مرّ 145 عامًا بالتمام والكمال على إزاحة الخديو إسماعيل من السلطة (حكم مصر من 1863 حتى 1879)، حيث أبعده السلطان العثماني عن أريكة العرش بضغط من الإنجليز والفرنسيين.
فلما بحثت في أرشيف الإذاعة المتاح في “يوتيوب” عثرت على حلقة من برنامج (أيام زمان) الذي كانت تبثه الإذاعة في خمسينيات القرن الماضي على ما أظن.
تعال أخبرك بما قيل في مقدمة تلك الحلقة:
(أيام زمان برنامج يقدمه لكم سعد لبيب… كتب هذه الحلقة عبدالتواب يوسف، وهي صورة من حياة القاهرة سنة 1879. ترويها لكم الدكتورة سهير القلماوي).
وقد نطق المذيع اسم (سَهير) بفتح السين، وهذا هو النطق السليم وليس ضمها.
وأذكر أن الناقد الراحل الدكتور جابر عصفور أخبرني أن الدكتورة سهير القلماوي اصطحبته مرة إلى زيارة الأستاذ العميد الدكتور طه حسين في فيلته بالهرم، فاستقبلهما صاحب (الأيام) ببسمة مشرقة قائلا: (أهلا يا سَهير) بفتح السين.
المهم، تبدأ الدكتورة سهير حديثها في برنامج (أيام زمان) هكذا:
(يمكن تسألوني إيه اللي خلاني اختار بالذات سنة 1879 عشان أحكي لكم حواديثها وأكلمكم عن أيامها… الحقيقة دي سنة من السنوات اللي ما تتنسيش في حياة مصر… سنة فعلا لها تاريخ… كل ما اقرأ حاجة عنها أحس إن أنا من شعب عظيم فعلا له ماضي وله مستقبل).
وتواصل الدكتورة سهير تقمص دور (مذيعة الراديو) التي تتحدث بالعامية المصرية المحببة قائلة:
(إنما مش معنى كده إن كلامي عن السنة دي ها يبقى مجرد كلام عن السياسة والحاجات اللي في المستوى ده… أنا ها أديكم فكرة كاملة عن الحياة في مصر في السنة دي من كل النواحي… سياسية واجتماعية وأدبية وفنية).
ثم تؤكد بنبرات واثقة: (أهو طبعًا بقدر ما يسمح به الوقت).
هكذا تشرع الدكتورة سهير في الغوص في بحر التاريخ العامر بالأحداث العظيمة التي جرت وقائعها في عام 1879، مثل اندلاع أول ثورة للضباط المصريين ضد النفوذ الأجنبي في الجيش المصري وضد الاستبداد الداخلي،
ومثل إقالة وزارة نوبار باشا، ومثل انتفاض مجلس النواب ضد سلطة الخديو إسماعيل ورفض أعضائه تنفيذ الفرمان بفض المجلس، كما وصفوا رياض باشا ناظر الداخلية بـ(الوقح) لأنه أهان الأعضاء الذين يمثلون الشعب.
تحدثت القلماوي أيضًا عن أبرز الصحف التي كانت تصدر في تلك السنة، وعن النشاط المسرحي الذي يقوم به يعقوب صنوع، وعن وعن وعن.
الحق أن برنامج (أيام زمان) يعطي صورة بهية للإذاعة المصرية ودورها التنويري والتثقيفي في خمسينيات القرن الماضي وستينياته.