اتهامات عشوائية ومغالطات مغرضة لا تزال تتردد على ألسنة بعض الجهلاء في الغرب والشرق حول مشروعية التصدى للإرهاب الصهيونى والكفاح لتحرير الأوطان المحتلة.. وما أكثر الأصوات النشاز التي ارتفعت هنا وهناك خلال الشهور الماضية لتتهم ديننا ظلما وعدوانا بدعم الإرهاب والحض على إزهاق أرواح الأبرياء.
لقد تعلمنا من ديننا أن السعى لتحرير الأوطان المحتلة حق وواجب عن طريق الجهاد المشروع، والجهاد قد يكون بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات، والتقاضى أمام المحاكم الدولية، واللجوء للمنظمات الدولية، وغير ذلك من الوسائل والجهود التى تكفل استعادة الحقوق المغتصبةدون حمل السلاح.. وإذا ما فشلت هذه الجهود، واستنفذت مراحلها، وفقد الأمل فى جدواها؛ أصبح الجهاد المسلح واجبا لتحرير الأوطان؛ خاصة إذا ما مارس المحتل عنفا وصلفا وعدوانا، وصادر حقوق أصحاب الأرض، ورفض الانصياع لنداء الحق كما فعل الصهاينة مع أهل غزة على مدى أكثر من نصف قرن.
إذن.. نحن مأمورون شرعا بمواجهة المعتدين الذين يحاربوننا حربا ظاهرة وباطنة، ويحتلون أرضنا وهؤلاء هم الذين وصفهم الحق سبحانه وتعالى بأنهم “لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمةً وأولئك هم المعتدون”، أي أن هؤلاء الذين أمرنا بجهادهم والتصدي لهم يمارسون الحرب علينا، ولا يقيمون وزنا لكرامة الإنسان، ولا للعهد الذي بينه وبينهم، وسلوكهم الذي لا يحيدون عنه هو العدوان والظلم.. فهؤلاء الذين يعتدون على ديننا وأوطاننا ويلحقون الأذى بنا، ويصرون على ظلمنا وقهرنا وإهدار حقوقنا.. هم الذين أمرنا بالتصدي لهم، ووقف عدوانهم، ورد كيدهم إلى نحورهم.. وهذا الحق تكفله كل الشرائع السماوية وليس شريعة الإسلام فقط،
لأنه يقوم على ميزان الحق والعدل، وهذا يعنى أن أهداف الكفاح المسلح ومشروعيته في الإسلام أهداف أخلاقية لا تعرف الظلم، وهنا يضع القرآن الكريم (ميزان الحق والعدل) في قول الحق سبحانه: “إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى بفضله وكرمه يمنع عن المؤمنين ظلم أعدائهم، فيأمر برد كيد هؤلاء الأعداء في نحورهم، لأنه ليس من العدالة والإنصاف أن يترك هؤلاء يواصلون ظلمهم وعدوانهم وإهدارهم لحقوقنا والعدوان علينا ونهب ثرواتنا.. ولولا أن الله تعالى قد اقتضت سنته أن يسلط على الظالمين من يردعهم لعاثوا في الأرض فسادا، ولهدموا معابد الرهبان التي تسمى بالصوامع، ولهدموا أيضا كنائس النصارى وأماكن العبادة لليهود، وأماكن العبادة للمسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيرا، وهذا ما شاهدناه ونشاهده دائما فى سلوك المحتل للأراضى الفلسطينية منذ أن ابتليت فلسطين بالاحتلال.. وهؤلاء المعتدين الظالمين لا يحث ديننا وحده على التصدي لهم ووقف عدوانهم.. بل كل الشرائع السماوية تحث على وقف ظلمهم وعقابهم على ما اقترفت أياديهم من جرائم ضد الإنسانية.
أهداف الجهاد لتحرير الأرض المغتصبة في شريعتنا “نبيلة وسامية وتستهدف وقف العدوان ومنع الظلم وردع المجرمين”.
يقول العالم الأزهرى د.نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية
الأسبق: الجهاد فى منظور شريعتنا الإسلامية يختلف حسب الموقف ونوعية العدوان وحجم الظلم.. فالجهاد ضد المعتدين الظالمين تارة يكون فرض عين وذلك عندما يداهم العدو بلدة من بلاد المسلمين، ففي هذه الحالة يكون من واجب أهل تلك البلدة أن يخرجوا لصد هذا العدوان.. كل فرد على قدر طاقته واستعداده، والقرآن الكريم أشار إلى هذه الحالة التي يكون فيها الجهاد فرض عين فقال: “انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”.
فالجهاد يكون مفروضا على كل فرد من أفراد الأمة عند النفير العام، بأن يقتضي الأمر خروج كل قادر للدفاع عن دينه ووطنه دون تكاسل سواء أكان هذا الفرد صغيرا أم كبيرا، غنيا أم فقيرا.
وقد يكون الجهاد فرض كفاية.. بمعنى إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وهذا هو الغالب في حروب هذه الأزمان، لأن الجيش في كل أمة، أفراده هم الذين يقومون بمقاومة العدو كل في مجال تخصصه.. أما بقية أفراد الأمة فكل فرد ينصرف لعمله ولتخصصه، وهؤلاء يكونون أيضا من المجاهدين، لأنهم هم الذين يساعدون إخوانهم من أفراد الجيش.. والقرآن الكريم أشار إلى هذه الحال في آيات متعددة منها قوله تعالى: “وما كان المؤمنون لينفروا كآفةً فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”.
هناك فارق كبير بين الارهاب ومقاومة المحتل، فالارهاب يعنى العدوان على الآخرين دون وجه حق وطمعا فى أرضهم وأموالهم وبغية ظلمهم.. وهذا فى نظر شرعنا سلوك محرم ومدان ويأثم فاعله، ومن يقوم به محارب يجب مقاومته وعقابه.. أما من يدافع عن أرضه ويسعى لتحريرها فهو يقوم بأشرف وأكرم عمل لأنه يواجه أعداء الدين والوطن والإنسانية، طالما يتم ذلك وفق الشروط والضوابط الحاكمة له في شريعتنا الإسلامية.. فالدفاع عن الدين شرف ما بعده شرف، ولا شأن لنا بما يردده العدو الصهيونى المجرم الذى ارتكب أبشع الجرائم ضد المدنيين وقتل وخرب وعاث فى الأرض فسادا، واستحل لنفسه كل الحرمات، ولا علاقة لشريعتنا الإسلامية بالخلط الفاضح بين المقاومة المشروعة للظالمين والمعتدين والمجرمين؛ وبين الإرهاب المنبوذ الذي يصنف ضمن أبشع أشكال الظلم والعدوان، لأنه يهدر حقوق الآخرين، ويمثل عدوانا صارخا على الأبرياء الذين تزهق أرواحهم دون وجه حق، وتدمر ممتلكاتهم ويروعون في منازلهم ومتاجرهم ومدارسهم وأوطانهم التي ينبغي أن تكون آمنة ومستقرة.