شفت كهربا جاب الجونين ازاي في مرمى ستاد ابيدجان؟؟
هل كنت تتوقع حتى إن كهربا يسجل جونين في المباراة؟؟
أو كنت تتخيل إنه يسجلهم بنفس الطريقة ..؟؟
يا ريت تستنى ما تستعجلش لو مكنتش بتحب كهربا أو لو مكنتش أهلاوي .. الموضوع أكبر من كهربا وزيزو وقفشة وشيكابالا، وأكبر من الأهلي والزمالك وغيرهما ..!!
القضية هي كرة القدم .. وسر تمتعها بالشعبية الكبيرة والاهتمام الخاص بيها .. ودا اللي دفع بعض المفكرين لوصفها بأنها الديانة العالمية الجديدة..!!
لماذا إذن تحظى كرة القدم، أو ما يطلق عليها ” الساحرة المستديرة” بكل هذا الشغف والعشق؟
أحاول هنا الإجابة على هذا السؤال في عدة نقاط، حسبما تسعفني به القريحة:
أولا .. “لغة كرة القدم” سهلة وتفهمها كل شعوب العالم بلا استثناء..!!
ثانيا.. ما تنطوي عليه اللعبة من مفاجآت غير متوقعة بالمرة .. أحيانا لا تدخل الكرة المرمى رغم المحاولات المتعددة والحثيثة لتسديدها خلال دقيقة واحدة .. وأحيانا أخرى نتخيل الكرة متجهة إلى خارج المرمى وإذا بها تهز الشباك.. وهنا تنفجر أحاسيس الإثارة والدهشة وتشتعل مشاعر الحزن -أو الفرح -لدى هذه “الطائفة” من المشجعين أو تلك..!!
ثالثًا .. المنافسة الملتهبة داخل الملعب، ليست بين اثنين فقط من اللاعبين .. وإنما بين 22 لاعبًا مما يزيد من سخونة الأجواء وتأجج الانفعالات سلبًا وإيجابًا .. وتصاعد الإثارة وتدفق الدماء في جسم الجمهور غضبًا أو سرورًا .. كما يمتد الشعور بالتنافس بين جماهير عريضة، لا يعرف بعضهم بعضًا، وربما لا يعرف معظم أفرادها مكان النادي الذي يشجعونه أو حتى لا يسمح لهم بدخول النادي، لو قدر لهم الوصول إلى بواباته، ناهيك عن عدم قدرتهم على شراء تذكرة لحضور إحدى المباريات..!!
رابعا.. التنفيس عما يكدر الجماهير من كبت وإحباطات، سواء عند تسجيل هدف هنا أو هناك .. أو عند تضييع فرصة إحراز هدف .. أو عنما يخطئ أحد اللاعبين “خطًأً كارثيا” أو إذا خدمه الحظ في لعبة قد يرى فيها “العقل الجمعي” بالاستاد معجزة أو إنجازًا خارقًا، أو حسبما يصوره معلق المباراة، بانفعالاته المصطنعة وصوته الزاعق للجالسين، في بلاهة، أمام الشاشات. مع أنه لا توجد معجزات ولا إنجازات ولا يحزنون..!!
خامسًا .. أن آثار وتبعات اللعبة لا تنتهي بانتهاء المباراة، بل أحيانا ما تمتد تلك الآثار إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فهذا اللاعب تطاول على المدرب لأنه لم يشركه في المباراة وتم توقيع عقوبة مالية عليه (حالة إمام عاشور). وهذا الحكم لم يحتسب خطأ أو حالة تسلل أو ركلة جزاء لهذا الفريق أو ذاك.. وتظل مثل هذه الوقائع مثار جدل ونقاش، سواء على شاشات الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف الورقية لفترة قد تطول أو تقصر.
سادسًا.. في عصرنا “الرأسمالي حتى النخاع” تحول كل شيء إلى سلعة وصناعة. وكرة القدم ليست استثناء من ذلك. هذا دفع الحكومات ورجال الأعمال والإعلام إلى الترويج لهذه اللعبة وغرس “عشقها” في أعماق الجماهير. تم إنفاق المليارات على إنشاء الاستادات .. وأقيمت شركات عالمية كبرى، لها علامات تجارية شهيرة تحملها الملابس والأدوات الرياضية. وازدهر الإعلام الرياضي فأصبحت له قنواته المتخصصة وأقبلت الشركات عليها للإعلان عن كافة أنواع السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية قبل المباراة وأثناءها وبين الشوطين.
ولا يغيب عن المشهد صناعة وبيع أعلام الأندية والدول قبل “المباريات المهمة” ..
سابعًا .. في عصرنا الذي تحول كل شيء فيه إلى سلعة وصناعة .. لم يخرج اللاعبون أيضًا عن كونهم سلعًا تُباع وتُشترى .. وأصبح هناك وكلاء للاعبين .. وتنافس كبير بين الأندية على ضم هذا اللاعب أو ذاك. بل أصبح اللاعبون والمدربون سلعًا عالمية، فتجد البرازيلي والأرجنتيني والأفريقي والأوروبي والآسيوي وغيرهم في أي ناد وأي دولة وأي قارة من قارات العالم..!!
ثامنًا .. أن تجييش الجماهير، أو حشدها، خلف كرة القدم يخدم، بشكل عام أهداف الحكومات التي تريد إلهاء الناس عن مشكلاتهم الحقيقية، إلا في حالات نادرة. كما تهدف إلى تحويل اهتماماتهم عن القضايا الجوهرية إلى الأمور التافهة، لدرجة أن الفوز بمباراة أصبح، على سبيل المثال، يكتسب أهمية أكبر من الفشل في مجال التعليم أو تدهور الخدمات الصحية، أو تفشي البطالة ..أو ..أو ..!!
تاسعًا.. أن تعبئة الناس وحشرهم -أو سجنهم داخل الجدران الجلدية لهذه الكرة الصغيرة -يحجب عنهم، بدرجة أو بأخرى، ما يجري في مجتمعاتهم من ممارسات بعض الكبار وأصحاب النفوذ، والتي قد لا تتفق مع معايير المجتمع أو قد تدخل في نطاق الخروج على القانون، من تصرفات وسلوكيات ربما تندرج تحت مسمى الاختلاس أو سرقة المال العام..!!
كل ما سبق يسهم في جلب الراحة للمسؤولين ويصرف عنهم ما قد يعتمل في صدور الناس. ولهذا السبب لا تتوانى الحكومات عن إنفاق الأموال الطائلة على كرة القدم، علاوة على ما يدفعه الجمهور “الزومبي” مقابل تذاكر حضور المباريات، وما ينفقه الناس من تكاليف الإعلانات التجارية بالقنوات الرياضية، حيث تضاف تكاليف هذه الإعلانات على تكلفة السلع التي يشتريها نفس الجمهور” الزومبي”، وكأنه يشتري مخدرًا يخرجه -ولو مؤقتًا -مما يكدر عليه حياته..!!