القصيدة تحكي عن الأمهات والآباء الذين تخلى عنهم أبناؤهم وبناتهم، عبر إيداعهم داخل ديار العجزة بنوع من النكران والجحود لفضل الوالدين عليهم جميعا.
في زمانٍ عصف فيه الفقد بقلوبٍ كانت نابضة،
وغاب النور عن وجوهٍ كانت تضيء الدنيا،
أين الأمهات اللاتي سهِرن لأجلهم؟
وأين الآباء الذين حملوا الدنيا على أكتافهم؟
أيا الله، كيف تخلى هؤلاء الأبناء عنهم؟
كيف دفعتهم الأيام إلى الزوايا المهجورة،
وألقَتهم في بحرٍ من النكران؟
كيف تجردوا من الوفاء الذي أسكنته الأمهات في قلوبهم؟
وأصبحوا يرمونهم في ديارٍ لا تعرف الرحمة؟
ألم يكونوا هم الأبناء الذين نشؤوا في حضن حبٍ لا يعد ولا يحصى؟
ألم تُسقِهم الأمهات دموعهنّ وعرقهنّ؟
ألم يكابد الآباء لأجلهم كل الصعاب؟
فكيف لقلوبٍ كانت تعيش الوفاء أن تنقلب وتنسى؟
ألم تثمر تلك الجهود جحودًا ووجعًا لا يُحتمل؟
ماذا لو عرفوا كيف كان يسهر من رعاهم؟
كيف كانت تلك الأيدي الطاهرة تهدهدهم وتمنحهم الأمل؟
كيف كانت تلك العيون التي سهروا في رعايتها،
تطفئ نارًا في قلب الأم لا يرويها إلا حب الأبناء؟
لكنهم، في زمنٍ قسى عليهم،
ألقوا بتلك الأيدي في الزوايا المظلمة،
وغادروا بلا ندم، بلا رحمة،
وتركوا الأمهات في الزوايا البعيدة تتألم.
أين هم الآن؟ أين الأبناء الذين كانوا يومًا ما؟
هل قست قلوبهم حتى لم يعد فيها مكان للرحمة؟
أليس هذا هو الكفر بعينه؟
أليس هذا هو العقوق الذي لم تعرفه الأيام؟
كيف لأولئك الذين تربوا في أحضان الحب أن ينسوا؟
كيف لهم أن يمسحوا من ذاكرتهم لحظات تضحية الأمهات؟
كيف لتلك القلوب التي عاشت الوفاء أن تسير في دربٍ مظلمٍ كهذا؟
يا الله، يا أرحم الراحمين،
ألم تكفهم ما فعلوا بأنفسهم؟
ألا تراهم في غفلتهم يُكافأون على جحودهم؟
ألا ترد لهم ما بذلته الأمهات من حبٍ ودموع؟
يا من أودعت الرحمة في القلوب،
يا من كانت يدك هي التي سَقت الأرواح،
احفظ من لا سند لهم،
وإلى هؤلاء الأمهات الذين أصبحوا وحدهم في الزوايا البعيدة،
تتلاطمهم أمواج النكران.
يا رب، اجعل قلوبنا لا تنسى ما قدموه لنا،
واجعل الوفاء لهم سمة في حياتنا،
كما كانوا لنا الأمان عندما ضاع كل شيء،
كيف نتركهم في وحدتهم الآن؟
يا رحمن، اغسل قلوبنا من جفاءٍ لا نعرفه،
وأعدّ لنا طريق البر الذي ضاع في قلب الزمان،
فأنت وحدك القادر على أن تُحييَ ما مات فينا.
آمين “يا رحمن يا رحيم” يا رب العرش العظيم.