نعيش في فترة من الزمن، يتعالى فيها الظلم، والطغيان، والعدوان، ويسعى من يمتلك القوة إلى بسط وفرض مزيد من الوصاية، بل وممارسة ما من شأنه يدحر ثوابت العدالة والمساواة والحنو على الضعيف ونصرته؛ فقد بالغ من يستخدم القوة في غير محلها في أقواله وأفعاله، وبدت ملامح الممارسات غير السوية واضحة من حولنا؛ كي تتحول الدول التي تنتهج المبدأ الإنساني، وتتمسك بالقضايا العادلة من موقفها، إلى الموقف الموالي لأصحاب المآرب والنفوذ.
إن الحق الفلسطيني لا يجهله من طالع التاريخ، ومن لم يطالعه؛ فقول الحق أن من يحاول تشويه التاريخ، ويفرض جغرافيا بديلة، بحجج واهية، لن يهنأ في مضجعه؛ فالأجيال لا تنسى ما تكرس في الأذهان، والزمان يدور على الجميع دون استثناء؛ فلن يكون هناك بساط من الاستقرار؛ كي ينعم عليه المغتصب، ولن يكون المناخ مواتيًا لمزيد من السيطرة؛ فالأمور تأخذ منحى الانزلاق نحو الهاوية، وإن بدت في طليعتها هادئة.
نواميس الكون أكدت على أن التحدي حتمًا سيزول، وأن الحقوق مصيرها للعودة، وأن سالبي الإرادة مهما علت قوتهم فهي إلى زوال، طال الزمان أم قصر، ومن يتمسك بقضيته في ضوء عقيدة راسخة، تتربع في وجدانه، لن يترك جلساتها التي نراها من الحين إلى الآخر في صورة مقاومة مشروعة؛ فطالبي الحرية منتصرون على مر الزمان، وداعمي القهر والظلم والعدوان خاسرون لا محالة.
مصر من الدول التي حملت على عاتقها الدفاع عن أم القضايا وقضية الأمة العربية الكبرى، وشعبها وقيادتها ومؤسساتها، تؤيد، وتناصر، وتدعم بقوة كل ما من شأنه يعزز الموقف الفلسطيني، ولا تقبل لقرار التهجير، ولا مشاركة، ولا دعم، ولا تسهيل لمن يحاول أن يقهر الأشقاء؛ فحقوقهم مهما تأخرت، ومهما تم تجاهلها، ومهما غالى من سلبها؛ فسوف ينالها الشعب المرابط في يوم من الأيام.
القيادة السياسية أكدت منذ اللحظة الأولى على الحق الفلسطيني، وعلى حل الدولتين؛ لتعيش المنطقة بأسرها في سلم وسلام، وأمان، وتأخذ مسار التنمية، وتعتلى قطار التقدم والازدهار؛ لكن أصحاب المآرب دوما يأججون الفتن، ويصطنعون المشكلات، التي توقد لهيب الحروب، وتشتد بها النزاعات؛ فالغاية والمصلحة التي يجنيها المعتدي، تتوافق مع أصحاب الهوى ممن يدعمون ويدعون كذبًا بأنهم حراس الديمقراطية، ورعاة العدالة والمساواة، في عالم أضحى ضمائر مجتمعاته المتقدمة غائبة ومشوهة.
سنظل نحن المصريون في حالة اصطفاف دائم خلف قيادتنا السياسية، ومؤسسات الدولة الوطنية؛ لتأمين أمننا القومي، الذي يحاول العابثون أن ينالوا منه بطرائق باتت مباشرة، وندرك ما قد يترتب على ذلك من آثار، ومكاره، قد نتعرض لها؛ فلا أغلى من تراب وطن يسكن القلوب، ويملك الوجدان، ونحن قادرون بعون من الله – تعالى – أن نردع من ينتوي أن ينال من مقدرات وطننا الغالي، وقادرون على أن ندعم كل ما يتخذ من إجراءات سياسية من القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لا تفريط في ذرة رمل من بلادنا، ولسنا متقبلين لأي إملاء يتلى على مسامعنا من أصحاب المآرب، ومن يدعون أنهم امتلكوا العالم؛ فلا يتضمن القاموس المصري ماهية التهاون، ولا يقبل المصريون التنازل عن عرضهم، وأرضهم، لكائن من كان، تحت أي مسمى، مهما بلغت التحديات، أو الإغراءات؛ فالدولة المصرية لها ثوابتها وعقيدتها التي دحرت بها الطامعين والغزاة، على مر تاريخها المشرف.
نقول لقيادتنا السياسية الرشيدة أنكم سطرتم تاريخًا مشرفًا، ومواقف نفخر بها، ويفتخر بها جيل تلو آخر، ونؤكد أننا على العهد والميثاق، ولن نتزحزح عما اتخذتموه من مواقف وقرارات، ولن نعبأ بنعرات وتوجيهات من أصحاب المآرب، وستظل مصر قيادة وشعبًا ومؤسسات على قلب رجل واحد، وستبقى أم القضايا في القلوب، مهما تكالبت عليها الأمم، وحاولت أن تفتك بها قوى الظلم والجبروت والعدوان.. حفظ الله بلادنا الحبيبة وشعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر