يُثار جدل واسع في الأوساط المسرحية حول العلاقة بين الإبداع والقيود، بين الحرية والالتزام، بين التجديد والتمسك بالهوية. فهل يمكن للمسرح العربي أن يحقق ثورته ونهضته وهو متجذر في القيم والتقاليد الشرقية والدينية؟ أم أن التحرر من هذه القيود هو السبيل الوحيد لفتح آفاق جديدة أمام الخيال المسرحي؟
لقد ترسخت في العقود الأخيرة رؤية ترى أن المسرح لا يزدهر إلا بكسر التابوهات، باعتباره فضاءً مفتوحًا لا يعترف بالحدود الفكرية والاجتماعية، حيث يفسح المجال للمفاهيم الحداثية التي تُعيد صياغة الواقع بعيدًا عن أي التزامات أخلاقية أو ثقافية موروثة. لكن، هل يعني ذلك أن القيم والتقاليد تشكل عائقًا أمام الإبداع؟ أم أنها يمكن أن تكون حافزًا لإنتاج مسرح يعكس الروح الحقيقية لمجتمعاتنا؟
في ظل هذا الطرح، أشار الدكتور كمال يونس إلى معضلة أخرى لا تقل خطورة: الإعلام المسرحي الذي أصبح، في كثير من الأحيان، رهينة لسياسات “التطبيل والسبوبة”، حيث تتحول الإنتاجات المسرحية إلى مشاريع تجارية بحتة، خاضعة لمنطق الاستثمار والميزانيات، بينما يتم تجاهل المحتوى الفني والجمالي الذي يقدمه المسرح، إلا في استثناءات نادرة.
إن النضال الحقيقي لا يقتصر على تشخيص المشكلات، بل يمتد إلى اقتراح الحلول، ووضع خارطة طريق تضمن للمسرح العربي أن يكون في طليعة المشهد الثقافي دون أن يفقد هويته. فالمسرح ليس مجرد مرآة للمجتمع، بل هو فعل واعٍ، يحمل مسؤولية تشكيل وعي الجمهور، واستنهاض القيم، وإحداث التغيير دون الوقوع في فخ الاستسهال أو الانجراف وراء موجات حداثية لا تمت لواقعنا بصلة.
المسرح العربي اليوم في مفترق طرق: إما أن يكون امتدادًا لتراثه وهويته، متجددًا في رؤاه وأدواته دون أن يفقد روحه، أو أن يتحول إلى نسخة باهتة من تجارب مستوردة لا تعبر عن الجمهور الذي تخاطبه. التحدي ليس في تبني فكر دون آخر، بل في إيجاد التوازن الذي يجعل المسرح فضاءً للإبداع الحقيقي، لا مجرد ساحة للجدل العقيم بين الأصالة والحداثة.