المرأة المصرية هي شمس لا تغيب، تنير الحياة بعطائها اللامحدود، تنسج من خيوط الأمل نورًا يبدد ظلمة الأياموقوة تتحدى المستحيل، صامدة كالنيل، ثابتة كالأهرام، تحمل في قلبها حبًّا لا ينضب يسري في عروقها كما يسري الوطن في نبضها، وفي عقلها حكمة الأزمان،فهي التي تنسج من الصبر ثوبًا مرصّعًا بالعزيمة، وتروي بدموع التحدي بذور الأمل، فتُزهر الحياة انتصارًا فوق أرض المستحيل، لم تكن يومًا على هامش التاريخ، بل كانت قلبه النابض، تمضي بخطى واثقة، تنحت الصخر بعزيمتها، وتخطّ بإنجازاتها ملامح المستقبل، شامخةً كشجرة ضاربةٍ بجذورها في عمق الأرض، سامقةً تمدّ أغصانها لتعانق السماء.
فالمرأة المصرية هي جوهرة متألقة في تاريخ مصر العريق، حيث كانت وما زالت تمثل قوة فاعلة في بناء المجتمع وصياغة مستقبله، متجسدة في أدوار متعددة تعكس عظمتها وعمق تأثيرها في مختلف جوانب الحياة. فمنذ فجر الحضارة المصرية القديمة، لم تكن مجرد عنصر مكمل، بل كانت قوة دافعة ومؤثرة في مسار الأحداث، شغلت أرفع المناصب وساهمت بفاعلية في ازدهار بلادها، ما جعلها تحظى بمكانة مرموقة لم تنلها نظيراتها في كثير من الحضارات الأخرى،ولم تقتصر مكانتها على كونها شريكة في الحياة، بل كانت قائدة وسيدة قرار، يشار إليها بالبنان لما امتلكته من حكمة وحنكة سياسية.
وهو ما تجسد بوضوح في شخصيات تاريخية خالدة مثل حتشبسوت، التي كسرت القيود المفروضة على المرأة وتربعت على عرش مصر بجدارة واقتدار، فلم تحكم كملكة فحسب، بل كفرعون قوي أسس لمشاريع اقتصادية وتجارية ضخمة، وحقق إنجازات عظيمة امتدت آثارها عبر الزمن، كذلك برزت كليوباترا التي كانت نموذجًا للذكاء السياسي والبراعة الدبلوماسية، واستطاعت بفضل دهائها وحكمتها أن تحافظ على استقلال مصر في وجه الإمبراطوريات الكبرى، وأن تؤثر في مسار التاريخ بقراراتها المصيرية.
ولم يقتصر دور المرأة المصرية على الحكم والسياسة، بل كانت محاربة جسورة تدافع عن وطنها، وكاهنة تتصل بعالم الروح، وعالمة ساهمت في تطوير الطب والفلك والرياضيات، ومبدعة في الفنون، وأسهمت في إدارة الدولة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة،وهذا التقدير لدورها لم يكن استثناءً، بل كان جزءًا أصيلًا من ثقافة المجتمع المصري، الذي أدرك منذ القدم أنها أحد الأعمدة الراسخة للبناء الحضاريوهو ما يجعلها نموذجًا ملهمًا للقوة والعزيمة والقدرة على تحقيق الإنجازات العظيمة.
ومع تعاقب العصور، لم تتراجع مكانة المرأة المصرية، بل ظلت ركنًا أساسيًا في تطور المجتمع، ففي العصر الإسلامي، لعبت دورًا فاعلًا في نشر العلوم والثقافة، وساهمت في النهضة الفكرية والحضارية، حيث برزت أسماء لامعة في مجالات الفقه والأدب والطب، وأسهمن في نشر المعرفة والتعليم، وفي العصر الحديث، تسارعت وتيرة مشاركتها في الحراك الوطني والاجتماعي، حيث قادت هدى شعراوي وصفية زغلول نضال المرأة من أجل الاستقلال والمساواة، وأسهمت أجيال متتابعة في تحقيق نهضة تعليمية واجتماعية واسعة، مكنتها من اقتحام مجالات كانت حكرًا على الرجال، لتثبت تفوقها في السياسة والاقتصاد والتعليم والبحث العلمي،مما يعكس إرثها العريق وقدرتها الفريدة على تحقيق الإنجازات.
ولم تعد المرأة المصرية مقيدة بأدوار نمطية، بل انطلقت بقوة إلى كافة مجالات الحياة، فأصبحت وزيرة وقاضية وعالمة وقائدة أعمال، متسلحة بالعلم والخبرة والطموح، وأصبحت جزءًا أساسيًا من سوق العمل، حيث تشغل مناصب قيادية، وتدير مؤسسات كبرى بكفاءة واقتدار، كما تألقت في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا، لترفع اسم مصر عاليًا في المحافل الدولية، كما لم يكن تأثيرها محصورًا في المجالات الرسمية فقط، بل لعبت دورًا محوريًا في العمل المجتمعي والتنموي، حيث تقود العديد من المبادرات التي تستهدف تحسين حياة المواطنين، خاصة في القرى والمناطق الريفية، وتسهم في تمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيا، ومحو الأمية، وتنمية الوعي الصحي، مما يعكس دورها كقوة تغيير وإلهام.
وفي ميدان السياسة، أثبتت المرأة المصرية قدرتها على القيادة واتخاذ القرار، حيث تشغل اليوم مناصب رفيعة في الحكومة والبرلمان، وتشارك بفاعلية في سن القوانين والتشريعات التي ترسخ الحقوق والحريات، وتسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، ولم تكن غائبة عن اللحظات الفارقة في تاريخ الوطن، بل كانت في طليعة الثورات والحركات الوطنية، وأسهمت في تحولات كبرى أعادت تشكيل المشهد السياسي، كما حدث في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، حيث لم تكن مجرد متظاهرة، بل محركًا رئيسيًا للأحداث، تناضل من أجل مستقبل أفضل وتدافع عن استقرار الوطن.
ورغم الإنجازات العظيمة التي حققتها المرأة المصرية، لا تزال تواجه تحديات تشكل عقبة أمام تحقيق إمكاناتها الكاملة، منها بعض العادات والتقاليد السلبية التي تحد من فرصها في التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية، إضافة إلى قضية العنف الأسري، الذي يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرارها وأمانها النفسي والجسدي، وبالرغم من هذه التحديات لم تثنِها عن مواصلة النضال، بل زادتها إصرارًا على إثبات ذاتها، حيث حققت مكتسبات هائلة بدعم من الدولة والمجتمع المدني، وقد شهدت السنوات الأخيرة جهودًا مكثفة لتفعيل قوانين تحميها، وتدعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية، إلى جانب المبادرات المجتمعية التي تدعو إلى تمكينها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
إن نضال المرأة المصرية لم يكن يومًا طريقًا مفروشًا بالورود، بل كان حافلًا بالتحديات، لكنه ظل دومًا مدفوعًا بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين، وطموح لا يعرف المستحيل، وما تحقق حتى الآن ليس سوى خطوة في طريق طويل نحو مستقبل أكثر إنصافًاوإشراقًا، حيث تتطلع المرأة المصرية إلى ترسيخ مزيد من المكاسب، مستندة إلى دعم القيادة السياسية والقوانين العادلة، فهي ليست مجرد شريك في المجتمع، بل قوة دافعة تقود التغيير وتسهم بفاعلية في التنمية المستدامة، ساعية إلى بناء مستقبل تسوده العدالة والمساواة، وتسهم فيه جنبًا إلى جنب مع الرجل في تحقيق نهضة مصر وتقدمها.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر