المشهد في الجامع الازهر بالغ الروعة يفيض مهابة وخشوعا وجلالا..في اجواء رمضان انت في حضرة عوالم غاية في السمو والرقي والنقاء عوالم اظنها فوق بشرية وهي متجهة الى الله باحثة عن الرضا والامل والتماس قبس من نور حقيقي يبدد ظلمات ويمحو اثار قلق ويقود الى مرافئ امان وظلال من ايمان وضاء يغسل النفوس ويزيل كدرات تعلقت بالنفوس ويزلزل جبالا من ران تكبل حركة القلوب والعقول وتحول بينها وبين الانطلاق المطلوب نحو عالم يملؤه الامل وترفرف عليه السكينة ويتباهى باطواق النجاة السابحة في افلاك من نور..
الناس هنا في الساحة في الصحن في الاروقة في كل مكان من جنبات هذا المبنى المهيب الذي يشع نورا وجمالا وحضارة آسرة للعقول قبل القلوب.. اناس من كل بقاع الارض شرقها وغربها وعلى اختلاف الاجناس والاشكال والالوان يتنفسون شيئا مختلفا شيئا نادرا لا يجدونه في اي مكان اخر من العالم انهم يتنفسون الازهر.. نعم انهم يتنفسون الازهر.. يتنفسون حبا يتنفسون علما وودا يتنفسون قرانا وسنة يتنفسون صحيح علوم الدين وكل ماله علاقة بالدين والدنيا يتنفسون تاريخا وحضارة نبيلة يتنفسون انسانية بلا حدود بلا تمييز او عقد عنصرية او صرعات استعلاء بغيضة تلوث ثوب الانسانية وتسقط كل ادعاءات الزيف والضلال والشعارات الخادعة المتسترة وراء رايات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب المهين..انهم يتنفسون أملا جديدا وسعيا حثيثيا نحو مستقبل اكثر اشراقا وامنا وامانا..
الاقتراب من الازهر كفيل بان ينتشلك من عوالم الزيف والضلال ويسلمك لارباب النور.. فما بالك لو اقتربت اكثر نحو المحراب ستجد بالفعل المعنى الحقيقى للاية المحفورة اعلاه فلنولينك قبلة ترضاها..
الاقتراب من محراب الازهر ليس كاي محراب اخر لا تسال اصحاب القلوب الميتة او التى مزقها الهوى حنى اصبحت كالخرق البالية ولكن انظر وتامل وجوه المتطلعين الى انوار الهداية الباحثين عن قبس من نور في قران يتلى باصوات ملائكية في مواعظ واحاديث كالعقد الفريد من صفوة العلماء الاعلام ممن وهبوا انفسهم للازهر او بمعنى ادق ممن وهبهم اباءهم من اجل الازهر وليكونوا اصحاب عامود فيه فنذروا انفسهم للعلم وتفرغوا لاستشراف انوار الهداية من كتاب الله وسنة رسوله اتقوا الله فعلمهم الله..لذا لم يكن عجيبا ان تتعلق بهم وبعلمهم القلوب والعقول من ارجاء المعمورة وان ينصت اليهم الجميع عندما يتحدثون وان يستصرخهم الناس عندما تدلهم الامور ويلجاون اليهم في الملمات وهذه هي القيمة الكامنة داخل الازهر المعمور والازاهرة على مر العصور والامر ليس مجرد شهادة او دكتوراة او اي مسمى لرسالة علمية..هنا شحنات اضافية خارقة جبارة تضيف الكثير والكثير من المعاني واشراقات نورانية مستمدة من انوار الاخلاص والقرب من الله وقاعدة ابتغاء رضوان الله..
على غير موعد ودون ترتيب مسبق وجدتني مدفوعا الى الازهر لقضاء يوم رمضاني وما اجمله من يوم..كان يوما لا يمكن وصفه باي اسلوب او تعبير حقيقي..أكثر من رائع شعور لايمكن وصفه وانت تتحسس وتلتمس الخطا في رحاب الجامع الأزهر الشريف..شيء يدعو للفخر أن تعيش لحظات رمضانية نادرة..أن تؤدي الصلوات مع أئمة اعلام..تستمع لدروس من فطاحل العلماء..تتحاور مع ازهريين افذاذ..علما وخلقا وادبا..لا وقت يضيع لاوقت للتفكير في شيء اخر سوى ان تحصل على اكبر قدر من النور ان تغترف من تلك الانهار التى تجرى على مدار الساعة في فروع العلم المختلفة لا بل انت مشارك في الحوارات المفتوحة حول كل ما يدور في ذهنك يجيب عنها العلماء من كبار اساتذة جامعة الازهر من اعضاء مجنع البحوث الاسلامية وهيئة كبار العلماء..
كل هذا لم يكن ليحدث لولا تلك الخطة الرائعة والمحكمة التى اطلق فيها فضيلة الامام الاكبر الشيخ احمد الطيب شيخ الازهر العنان لمعاونيه ومساعديه بدءا من وكيل الازهر فضيلة الدكتور محمد الضويني والدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف على اروقة الازهر والدكتور هاني عودة مدير الجامع الازهر فابدعوا في تقديم صورة حضارية راقية لنموذج يجب ان يحتذى فيما يجب ان يكون عليه الجامع في الاسلام فما بالك بجامع كالازهر..
البرنامج القراني كان وسيظل واسطة العقد تتلألأ انواره وتشرق دائما وصنع اهل القران فارقا كبيرا ونجحوا في الاستحواذ على القلوب والعقول ليس فقط داخل اروقة الازهر ولكن في ارجاء مصر والعالم الاسلامي كله بلا مبالغة .. احدث النظام المتبع في صلاة التراويح حالة مبهرة جعلت الجماهير تتعلق بها وتنتظرها ويحرصون عليها بل وتسجيلها ونشرها على السوشيال ميديا حدث ذلك بنجموعة متميزة من الشباب حفظة القران الكريم برواياته او قراءاته العشر وهي مجموعة مختارة منتقاة بعناية شديدة خضعت للفحص والتمحيص وموضوعة تحت المراقبة والمراجعة من اعلام دولة التلاوة ولجنة مراجعة المصحف بمجمع البحوث الاسلامية والتى تشرف كل ليلة وتراجع التلاوات وتضبطها خاصة وانها مذاعة على الهواء تلفزيونيا وعلى المواقع الالكترونية..
الجديد هذا العام هو تقديم تماذج جديدة مبهرة من شباب الحفظة والقراء ومن طلبة المعاهد الازهرية الذين تم ترشيحهم من مختلف المعاهد وفق ما قاله لي د. عبدالمنعم فؤاد.. وذلك الى جانب فريق امامة التراويح الاصلي د. اسامة الحديد ومحمد سالم ومحمد فوزي واحد سعد العجمي ورضا رمضان واحمد محمد جعفر..
واثبت المتنافسون مكانتهم وجدارتهم بالاقتراب من محراب الازهر وكان لبعضهم تاثير رائع ولقوا ترحيبا واستحسانا وفي مقدمتهم الطالب صاحب البصيرة محمد احمد حسن ابن معهد ابوقير بالاسكندرية والتى تملأ الاوته الرائعة الفضاء الاليكتروني اعجابا واستحسانا..
القارئ النابغة محمد سالم يذكرنا بما قاله امير الشعراء احمد شوقي في قصيدته الرائعة: قم في فم الدنيا وحي الازهرا:
والله ما تدري لعل كفيفهم
يومًا يكون أبا العلاء المبصرا
والحديث عن الازهر واهل القران موصول..
والله المستعان..
megahedkh@hotmail.com